المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    تعديلاتٌ للأغلبية تستهدف رفع رسوم استيراد غسّالات الملابس وزجاج السيارات    قضاء فرنسا يأمر بالإفراج عن ساركوزي    وياه يقود حملة ضد العنصرية بالملاعب    "الكاف" يكشف عن الكرة الرسمية لبطولة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    ابتداء من اليوم.. طرح تذاكر المباراة الودية بين المغرب وأوغندا إلكترونيا    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    الوداد ينفرد بصدارة البطولة بعد انتهاء الجولة الثامنة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    متجر "شي إن" بباريس يستقبل عددا قياسيا من الزبائن رغم فضيحة الدمى الجنسية    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    احتقان في الكلية متعددة التخصصات بالعرائش بسبب اختلالات مالية وإدارية    مصرع أربعيني في حادثة سير ضواحي تطوان    المغرب يتطلع إلى توقيع 645 اتفاقية وبروتوكولا ومعاهدة خلال سنة 2026.. نحو 42% منها اقتصادية    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    عمر هلال: نأمل في أن يقوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة إلى الصحراء المغربية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    حقوقيون بتيفلت يندّدون بجريمة اغتصاب واختطاف طفلة ويطالبون بتحقيق قضائي عاجل    اتهامات بالتزوير وخيانة الأمانة في مشروع طبي معروض لترخيص وزارة الصحة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    البرلمان يستدعي رئيس الحكومة لمساءلته حول حصيلة التنمية في الصحراء المغربية    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    زايو على درب التنمية: لقاء تشاوري يضع أسس نموذج مندمج يستجيب لتطلعات الساكنة    العيون.. سفراء أفارقة معتمدون بالمغرب يشيدون بالرؤية الملكية في مجال التكوين المهني    احتجاجات حركة "جيل زد " والدور السياسي لفئة الشباب بالمغرب    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صبر القروية بين عنف الزوج وجبروت الحماة في رواية (عزوزة)

تكاد تكون الرواية حديثة النشأة في المغرب ، كما في مختلف الدول العربية، وإن كان يحلو للبعض الرجوع بها إلى مراحل سابقة موغلة في القدم فيربطون نشأة الرواية المغربية بنص (حي بن يقضان) لابن طفيل[1] لكن الحقيقة هي أن الرواية بمعناها الحديث لم تكرس في المغرب إلا بعد جلاء الاستعمار الفرنسي، واستطاعت في ظرف خمسين سنة من أن تخلق تراكما لا بأس به مقارنة مع باقي الدول العربية فإلى حدود سنة 2010 كتب المغاربة حوالي 671 رواية صدر أكثر من نصفها (339 رواية) في سنوات العشرة الأولى من القرن الواحد والعشرين ولتقريب الوضع نقدم للقارئ العربي جدولا يوضح تطور الكتابة الرواية في المغرب حسب العقود إلى حدود 2010 :
ولم يكن للنساء من هذا الكم إلا 53 رواية كتبن منها 34 رواية في العشرية الأولى من الألفية الثالثة، ويتضح من خلال التتبع أنه لم يقتحم الكتابة الروائية من نساء المغرب إلا 39 امرأة ، تسع وعشرون منهن لكل واحدة نص روائي يتيم، وست روائيات لهن روايتان ، وأربع روائيات لهن ثلاث روايات.. وهو عدد قليل جدا إذا ما قورن بالتطلعات والآمال وهؤلاء الروائيات هن [2]
وإلى حدود الثمانينيات لم تستطع المغربيات كتابة سوى روايتين ، وطيلة القرن العشرين لم تتجاوز نتاجهن العشرين رواية ، وفي ظرف عشر سنوات الأخيرة أنتجن ما تم إنتاجه في خمسين سنة فإلى حدود2010 كان ما كتبته الروائيات المغربيات موزعا على الشكل التالي:[3]
فما أن هلت الألفية الثالثة حتى وجدنا المغربيات يلجن الكتابة الروائية بكثافة فأصدرت حيلمة زين العابدين، بعد 2010 أربع روايات هي رواية "على الجدار" سنة 2012 / رواية "الحلم لي" 2013، رواية " الغرفة " 2014 و رواية "لم تكن صحراء " . في ذات الآن صدر لفاتحة مورشيد أربع روايات هي رواية "لحظات لا غير" 2007، رواية "مخالب المتعة" 2009 ، رواية "الملهمات 2011، ورواية "الحق في الرحيل" 2013....
ومن الروائيات اللواتي صدر أربع روايات في العشرية الأخيرة نجد زهرة رميج برواية (أخاديد السوار) سنة 2007 (عزوزة ) سنة 2010 ، رواية (الناجون) سنة 2012 ورواية (الغول الذي يلتهم نفسه) سنة 2013.
يبدو أن روائيات قليلات إذن هن اللواتي استطعن كتابة أربع نصوص رواية أو أكثر في المغرب، منهن الروائية والقصاصة الزهرة رميج التي أغنت الخزانة المغربية والعربية بعدد من الأعمال السردية الإبداعية والمترجمة، فبالإضافة إلى ترجمة ثلاث روايات ، مسرحيتين ومجموعة قصصية أبدعت أنامد الزهرة رميج ست مجموعات قصصية، وأربع روايات كلهن في مطلع الألفية الثالثة هي :
· أخاديد الأسوار: المركز الثقافي العربي/ الدار العربية للعلوم، ط1. بيروت، 2007،
· عزوزة: مطبعة النجاح الجديدة، ط1. الدار البيضاء، 2010 .
· الناجون: دار فضاءات للنشر والتوزيع، ط1 . الأردن، 2012
· الغول الذي يلتهم نفسه . دار النايا ودار محاكاة، ط1. سوريا، 2013
وتبقى رواية (عزوزة) - الصادرة في طبعتها الأولى عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء سنة2010 في 373 صفحة موزعة على 46 فصلا مرقمين ترقيما تراتبيا - من أهم ما أبدعت أنامل رميج بحسب كل النقاد الذين قرأوا مؤلفاتها:
تحكي رواية عزوزة حياة البطلة - التي اختير اسمها عنوانا للرواية - منذ ولادتها إلى ما بعد وفاتها لكن الكاتبة اختارت لروايتها بناء حكائيا غير تسلسلى فتبدأ الرواية وعزوزة في غرفة العمليات بعد وفاة زوجها تحدث ابنتها الكبرى حليمة تخبرها أن زوجها المتوفى يزورها في المنام ويستعجل قدومها وأنها تشتاق إليه ، ليرتد السرد إلى طفولة عزوزة وهي ترتع في البادية المغربية بين أفياء الشجر و التردد بين البئر وشجرة التين المقدسة، تعيش مدللة الأسرة تربطها بأبيها علاقة لم يظفر بها أحد من أبنائه الذكور والإناث ، محبوبة أمها وزوجة أبيها (الفقيهة ) التي لم تحظ بالإنجاب. في مراهقتها يتولد لديتها تعلق بأحمد صديق أخيها عبد الرحيم ، وغدا حلمها لن تقبل بغيره بعلا لها ، لذلك لما تقدم لخطبتها أبن أحد الأعيان (الحلوف/ الخنزير) - الذي وصل به تباهيه بأموال أسرته حد تحضير الشاي على نار الأوراق النقدية بدل الجمر (أغلى كؤوس الشاي في التاريخ) - ثارت ثائرة عزوزة وفكرت في إذلال الخطيب بتمريغ نفسها في الرماد واعتراض موكب الخطوبة مما اعتبرته أسرة الخطيب رفضا وإذلالا فرجعت على أعقابها، وبما أن إرجاع متاع العروس والخطوبة إلى بيت العريس يعد نذير شؤم فقد عرجت أسرة الحلوف على بيت فيه بنات في سن الزواج فتخلصت عزوزة من عريس كان سيفرض عليها ، ولم تكن هذه الحادثة لتمر بهدوء على والدها الذي شعر بالإهانة أمام أعيان القبيلة فأقسم على الانتقام لشرفه بجلدها ، لكن أخاها عبد الرحيم و أبناء عموته خالوا دون تطبيق الأب لوعده مقدمين له ذبيحة، ومذكرينه بأن سماها على اسم أبيه (عزوز) مؤنثا الاسم الذي لم يسبق تأنيثه، وخوفا من فضائح أخرى لم يتردد الأب في قبول طلب أحمد صديق ابنه يد عزوزة، ويتحقق حلمها بالزواج من أحمد رغم رفض أمه، التي لم تتوان لحظة في الانتقام من عزوزة بكيدها وتوغيل قلب ابنها ضد عروسه ، وتتوالى النائبات على عزوزة وتقلب لها الحياة ظهر المجن، بوفاة أبيها برصاصة غادرة من المستوطنين الفرنسيين، ويتبعه أخوها وسندها ، وتجد نفسها وحيده بين قسوة الزمان وتربية ابتين (حليمة ونورة) وحماة لا ترحم تدعو ابنها كل حين للزواج بامرأة أخرى تنجب له الذكور، وهروبا من المشاكل اليومية بين الأم والزوجة ارتمى أحمد إلى في أحضان العاهرات والتردد على المواخير، وفي مجتمع يسمح للرجل - دون المرأة- بالخيانة يتعرف القارئ على معشوقات أحمد من العاهرات بدءا بفاطمة التي "يدلعها" بفاتي بعد زواج عشيقته الأولى مريم بأحد النصارى وغدا اسمها ماري ، وفي الماخور تتوطد علاقة أحمد مع بنحمادي الذي أضحى يخطط له مسارات حياته. فعرفه على النصراني مسيو فرانسوا مما اضطر معه أحمد للانتقال من القبيلة التي عاش فيها مع أمه ليستقر في قبيلة العين الزرقاء حيث سيشتغل بدكان النصراني وتزداد نيران العداوة اشتعالا بين عزوزة والحماة يكثر الاعتداء على عزوزة، فمرة وجدت الحماة ابنتها هنية تساعد عزوزة في أشغال البيت وعزوزة على وشك وضع حملها، هاجمتها الحماة أخذت معها ابنتها لتجد عزوزة نفسها وحيدة وقد فاجأها الطمث تجهد نفسها في وضع مولودها ... تغيب عن الوعي ولما عادت إلى وعيها علمت أنها ولدت ابنا ذكرا وأنه مات وتم دفنه .... أمام تضييق الخناق على عزوزة لم تجد من متنفس سوى بيت مرجانة زوجة بلخير حارس بيت النصراني فرانسوا التي ساعدتها على استرجاع عافيتها وطالبتها بالاهتمام بجمالها وجسدها ... وتستمر حياتها مع أحمد على كف عفريت يعطف عليها حينا ويعنفها ويخونها أحيانا كثيرة، وتتخلص نسبيا من حقد حماتها بعدما أضحت تنوب عن ابنها في الدكان عند غيابه، و اعتقادها بأن مسيو فرانسوا يحبها بعد أن أسمعها كلمات جميلة أحيت أنوثتها، لكن سرعان ما ثارت ثائرتها وهي تراه يلاطف ابنة ابنها، لتختلق على ابنها وجود علاقة بين زوجته عزوزة والنصراني فلم يكن إلا الانتقام من عزوزة بالضرب والإهانة وتتأزم وضعية عزوزة أكثر بعد وصول نعي ما تبقى من أفراد عائلتها في فيضان النهر المحادي للقبيلة بعد أمطار طوفانية.... ويأتي ازدياد الابن الذكر (حسن) مختونا والانتقال إلى بيت جديد وتحقيق أحمد لرواج تجاري ليخفف على عزوزة بعض أزماتها مع زوجها دون أن يلين ذلك علاقة حماتها بها، ودون أن يمنع أحمد من التردد على المواخير، ليأتي خبر زواج أحمد من عاهرة (الحمرية) بعدما هجر فاتيلأنها خانت العهد بممارسة الجنس مع زبون آخر... تزوج الحمرية تأكد من عقمها ليحقق حلم أمه التي ما انفكت تطالبه بالزواج على عزوزة بعد أن أنجبت فتاتين توأما، وليلة الدخلة يختلق فكرة الرغبة في ذبح عزوزة والتخلص منها مما حتم عليها الهروب مع ابنها، وفي طريقها إلى المدينة يعترض سبيلها بنحمادي صديق زوجها الذي طالما تحرش بها ، ليخبرها بزواج زوجها، ويوغل قلبها عليه ويطالبها بطلب الطلاق واستعداده للزواج بها بعد أن يطلق إحدى زوجاته الأربع، لكنها أوقفته عند حده مقدمة له درسا في أخلاص المرأة ، وحفاظا على كرامة أبنائها تقبل بالعودة إلى بيت زوجها لتنضاف لمآسيها مأساة الصراع مع ضرة عاهرة، و حرب انحازت فيها الحماة للزوجة الثانية، ولم تجد عزوزة في حربها سوى الاعتماد جمالها وحسن طبخها (الحل الوحيد الذي تملكه في صراعها مع ضرتها هو جسدها، ستتخذ منه سلاحا فعالا في معركتها معها، ومع أحمد نفسه. ستحرمه من هذا الجسد الذي تعرف مدى عشقه له... ستترك لعابه يسيل دون أن تطفئ نار رغبته المتأججة...)[4]
تتوطد العلاقة بين أحمد وبنحمادي الذي سيعمل على تجديد علاقة أحمد بعشيقة ماري التي تزوجت نصرانيا عجوزا أصيب بشلل نصفي... لم تقتصر العلاقة على تردد أحمد على بيتها بل وصلت جرأة بنحمادي درجة ترتيب زيارة لها لبيت أحمد الذي يحتم على زوجتيه تحضير عشاء فاخر وجلسة شاي كانت سببا في اكتشافهما لهوية ماري ومصارحته بالحقيقة لتنتهي الحفلة باعتداء أحمد على زوجتيه ومواصلة علاقته بماري في السر. وبعد استحالة تطبيق طلب ماري بتبني إحدى بنات أحمد ، لم يجد بدا من قبوله طلبها بشراء محصول ضيعات زوجها للسنة المقبلة، ومساعدتها على تجاوز أزمتها المالية، لكن اشتداد هجمات المقاومين على ضيعات المعمرين وإتلاف محاصيلهم واضطرار ماري للسفر مع زوجها إلى بلاده، سيصيب أحمد بإفلاس تتعقد وضعيته بعد اكتشاف أن بن حمادي كان من المتعاونين مع الاستعمار، هكذا يضيع ثروته ليجد نفسه مجبرا على الانتقال بأسرته للمدينة والتخلي عن جذوره البدوية، وفراق الأدهم فرسه ورفيق دربه الذي أعياه البحث عن مشتر يستحقه، ويصاب بحالة هستيرية لما علم أن من اشتراه سيذبحه ليأكل النصارى لحمه... يخيم الحداد على البيت أياما ، وتوثر علاقة أحمد بزوجته الثانية التي اضطرت لطلب الطلاق، كما عادت أمه لإدارة ممتلكاتها بالقرية، دون أن يعيد ذلك علاقة أحمد بعزوزة إلى طبيعتها العادية رغم محاولة كل منهما التقرب من الآخر ... في نهاية الرواية يعود السرد لغرفة العمليات و عزوزة تتمنى الالتحاق بزوجها ، وابنتها حليمة تستغرب من تعلق أمها بأحمد رغم كل ما سبب لها من مآسي في حياتها بالضرب والخيانة لتفاجأها عمتها هنية بوصية أبيها أحمد الأخيرة والسر الذي ظل يكتمه وطلب من أخته هنية عدم البوح به لابنته حليمة إلا في حالة شعورها بقرب أجلها أو أجل عزوزة ، ويتعلق هذا السر بأن زواج أحمد بالزوجة الثانية العقيم كان تعبيرا عن حبه لعزوزة وإرضاء لأمه وأن طلاقه للحمرية ونفوره من عزوزة كان بسبب العجز الجنسي الذي أصابه غداة بيع الأدهم و إفلاسه التجاري.
لتنتهي الرواية و حليمة تعاني حالة اكتئاب حاد نزيلة مصحة نفسية في عزلة ممنوعة من الزيارة تطالب بأوراق وقلم وما أن تحقق طلبها (حتى أمسكت حليمة بالقلم أزالت غطاءه بأصابع مرتعشة كتبت بحروف بارزة وسط الورقة العذراء : عزوزة)[5] ليتكون الرواية من تأليف الابنة حليمة.
هذه بتركيز شديد أهم أحداث رواية عززوة وهي رواية كبيرة الحجم مليئة بالأحداث لكن أهم ما يطبعها هو توثر علاقة عزوزة بزوجها رغم الحب الشديد الذي يجمعهما، وتقديم عزوزة لنموذج المرأة القروية الصبورة والمكافحة من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة وتربية الأبناء مهما كان نوع العذاب الذي تتعرض من قبل زوجها، ونموذج المرأة المهتمة بجمالها وجسدها حتى في أحلك ظروف حياتها بل وهي على فراش الموت وقد أخذ منها المرض والتعب ما أخذ ، لازال جسدها يشع جمال محافظا على رشاقته فالرواية تفتتح باندهاش الابنة حليمة من جمال جسد أمها (اندهشت كعادتها كلما رأتها عارية من صمود هذا الجسد ، كأن النيران التي اكتوى بها ... كأن البطن لم يحمل نصف دزينة من الأطفال ولا ذينك الثديين أرضعا حتى التخمة ، تلك الأفواه النهمة)[6] وعلى الرغم من اهتمام الرواية بالجسد لم تكن رواية خليعة كما وجدنا لدى كثير من الروائيات لكن ذلك لا يجعلها رواية عفيفة مطلقا ... ذلك أن الرواية تحتفل بالجسد : أنوثة المرأة/ فحولة الرجل، وجعل جسد المرأة رمزا للجمال والخصوبة . فمنذ ظهور بوادر البلوغ على جسد عزوزة كانت (أنوثة متفجرة قبل الأوان... استدارة نهديها وتصلبهما... امتلاء جسدها استدارة مؤخرتها .نظرات الرجال الملتهبة التي تكاد تلتهما..)[7] كما أنها تفننت في إبراز مفاتنها ولم تعمل مثل الكثيرات على إخفاء زينتها : ( أطلقت العنان لنهديها ينموان ويرتفعان في حرية مطلقة، مخالفة بذلك أعراف القبيلة، نهدان يستفزان النساء والرجال على حد سواء...)[8] وحتى عندما كبرت ظلت مقتنعة بأن الجسد هو ما يشد الرجل للمرأة تتساءل مستنكرة ( ما الذي يدفع الرجل إلى التعلق بالمرأة، إن لم يكن جمالها؟ ما الذي ينقص المرأة إن كانت جميلة وأنيقة وحاذقة وولودا..؟..)[9] وقد كانت عزوزة حريصة كل الحرص على توظيف هذا الجسد في الأوقات المناسبة لذلك كانت تخرج ناجحة في كل معركة فرضت عليها، وتكون الخسائر أقل مما كان الكائدون يتوقعون (لقد خلصت إلى أن حبها لجسدها هو سبيلها للتغلب على أعدائها لذلك لن تفرط في العناية به أبدا حتى لو أدى بها إلى الضرب )[10] ، لقد كان جسد عزوزة فاتنا ، وهذا من أسباب تعلق أحمد و ارتباطه بها، لكن رغم جمال زوجته وحبه الشديد لها كان الجنس بينهما مأزوما، تخلله العنف منذ ارتباطه بها حتى وفاته ، ففي ليلة الدخلة وجد صعوبة كبيرة في فض بكارتها وجاهد بكل ما أوتي من قوة (يحاول اختراق الجدار الإسمنتي ، لكن صيحات الألم المكتومة تجعله يرفق بحبيبته)[11] وانضاف إلى عنف الزوج عنف أقوى من خلال تدخل الحماة التي لم تكن تقبل عزوزة عروسا لابنها، فغدت تطعن في شرفها وتروج أنها ليست بكرا تقول محاولة استفزاز ابنها (كيف تقبل بها بعدما عبث الرعاة ببكرتها )[12] ، ولما بدأت تظهر عليها أعراض الحمل لم تجد الحماة (غنو) سوى اتهام عروستها بالتمارض ، ( إنها تتمارض تريدني أن أعمل خادمة لديها لكن ذلك لن يحدث أبدا )[13] ومزيدا في تعذيب عزويزة كانت (حماتها تنغص عليها حياتها ... تغرقها بأبشع الشتائم )[14]، ولما حاولت الرد عليها يوما شكتها لولدها واتهمتها بالتهجم عليها فلم يكن من أحمد إلا أن يفرغ كل غضبه في زوجته (لم ينبس أحمد بكلمة واحدة وإنما رفع يده إلى الأعلى وصفع عزوزة صفعة رأت إثرها النجوم تتطاير أمامها)[15] لتكون تلك الصفعة فاتحة مسلسل من الرعب والعنف ، توالت حلقاته تباعا، بدأ من منع عزوزة من الفرح بمولدتها فعندما حاولت الفقيهة إطلاق زغرودة تعبيرا عن الفرح منعتها غنو معتبرة إنجاب فتاة فضيحة: (علام تزغردين ؟ هل تريدين فضحنا أمام الناس؟ )[16] وكانت تخطط باستمرار لتوقع بين ابنها وعروسه تتساءل وهي في خضم التفكير لبث الكراهية بينهما ( كيف أقنع ولدي العاق بعدم صلاحية هذه الزوجة؟ لا بد لي من إثارة شكه وغيرته فهي نقطة ضعفه ...)[17] هكذا غدت تختلق الأكاذيب وتبتدع أحداثا لم تقع، بهدف أثارة شكوك ولدها قالت له يوما (زوجتك شابة وتثير أنظار المارة ... لم يرق لها جمع القمح الطري إلا في الوقت الذي كان فيه المتسوقون يمرون عبر الطريق لقد كدت أجن وأنا أرى شعرها عاريا . أنا متأكدة أنها تعمدت إسقاط المنديل)[18] فكان رد فعله سريعا، قويا وعنيفا (فما أن اقتربت منه حتى انقض عليها بعنف انتزع المنذيل من فوق رأسها فتساقطت ضفيرتاها أمسك بإحداهما من الجذر ورفع المنجل... حصد الضفيرة في رمشة عين... سقطت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.