عرف المغرب خلال الأسبوع المنصرم حدثا متميزا وفريدا لم يسبق له مثيل، يتعلق الأمر بخبر تحطيم أحجار منقوشة برسومات تاريخية في منطقة الحوز بمراكش من طرف سلفيين رؤوا في تلك النقوش نوعا من الشرك بالله يجب محاربته وتدميره، والكلام هنا لبعض وسائل الإعلام المغربية والفرنسية التي بادرت إلى نشر الخبر، استنادا إلى العصبة الأمازيغية التي اكتشفت هذا (الهدم )، وهو ما جعل الحكومة المغربية تنتفض وتتوالى خرجاتها لنفي الخبر، خصوصا وزارات العدل والاتصال والثقافة، وتم تنظيم رحلة جوية إلى موقع الصخور المنقوشة لتفنيد الخبر، وإثبات سلامة تلك الأحجار من جهة، ومن جهة أخرى سد الطريق أمام من يريدون ترويج صورة طالبانية عن المغرب تضعه في موقع البلد المهدد في تراثه الثقافي الغني. إن إثارة هذا الموضوع تجرنا للحديث عن الموروث الثقافي المغرب بشكل عام ووضعيته والاعتداءات التي يتعرض لها كل يوم على يد أطراف متعددة، في غفلة أولا مبالاة الجهات المسؤولة، خصوصا وأننا نتحدث عن تراث غني بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فإذا كانت إثارة خبر تحطيم صخور تاريخية منقوشة على يد سلفيين من طرف وسائل الإعلام، تبدو واضحة عليه معالم التوظيف السياسي للموروث الثقافي لتصفية حسابات بالنيابة على غرار مواضيع أخرى أصبح يذهب ضحية التضليل الممارس فيها، ذلك المواطن العادي الذي يأمل في الحصول على مادة إعلامية تنويرية وليس تضليلية، وإذا كان المبادرة الحكومية المتحمسة والسريعة للرد ونفي الخبر عن طريق تنظيم رحلة جوية إعلامية للموقع حفاظا على سمعة المغرب الدولية، ولأن وسائل الإعلام الأجنبية أثارت الموضوع، فإن تواتر الأحداث وسياقها يدفع للتساؤل عما إذا كانت الدولة تتعامل بمثل هذا الحزم والصرامة وسرعة التدخل مع باقي الوقائع التي تهم الموروث الثقافي المغرب بشكل عام. المغرب بلد غني بمظاهر التراث الثقافي المادي أو اللامادي الذي يتوزع على كافة مناطق البلاد، أو ما تبقى منه على وجه أصح، وكل يوم يتعرض هذا الموروث الثقافي للهدم والتخريب والاعتداءات بشتى أنواعها، بشكل يساهم ليس في ضياعه واندثاره بل ضياع فصل من الذاكرة وجزء من الهوية، وليس كما يبدو للعامة أنها فقط أحجار فوق بعضها البعض، فقبور سلاطين حكموا البلاد هي الآن مراحيض فسيحة للمتشردين الراغبين في قضاء حاجاتهم البيولوجية، وأسوار تاريخية تتآكل تدريجيا بعد أن يخرج فيها (البلان) أو نتيجة شراهة (منهش ) عقاري وجد أن محو قطعة تاريخية لربح أمتار ذهبية لفائدة مشروعه السكني، أفضل من بقائه متداعيا في ظل إهمال الدولة المستمر. هناك مدينة صغيرة في شمال المغرب تسمى القصر الكبير، بنى فيها الإسبان سنة 1922 مسرحا بديعا كان يسمى مسرح بيريس كالدوس أو الملك ألفونسو الثالث عشر، تركه الإسبان هدية للمدينة والمغرب ككل، احتضن عدة اعمال فنية خلال الاستعمار وما بعده، وتحول إلى دار للسينما، قبل أن ينتقل إلى دار وحوش العقار أواخر التسعينات من القرن الماضي، لتتفرق جدرانه بين مسؤولي المدينة وأحد (المنهشين العقاريين ) حيث تحول إلى صناديق إسمنتية تتساقط أمامها حزنا أوراق الأشجار التي كانت تؤثث مدخله، فأصبحت هذه المعلمة الفنية مجرد اسم في كتب التأريخ لمدينة القصر الكبير، وانتفع من المشروع من انتفع في رعاية السلطة وحفظ الوزارة الوصية. هذه فقط حالة من بين الحالات العديدة لمظاهر الموروث الثقافي التي تعدم بشكل يومي في المغرب، بعيدا عن صراعات السلفيين والحداثيين واتهاماتهم، وإنما بفعل جشع السلفية العقارية ذات العقول التكفيرية لكل ما هو مرتبط بمصلحة ذاكرة البلاد، والتي تعتبر أن الإيمان الذي ينبغي أن يترسخ في القلوب، هو الإيمان بأن شبرا من الأرض يوفر ملايين محترمة. لم نسمع من قبل أن مروحية حلقت على عجل لتقصي الحقيقة في واقعة تهم تدمير الموروث الثقافي المغربي، ربما لأن الأمر يتعلق بالمغاربة مع بعضهم البعض فقط، أو ببعض الرخص التي تحرم أشغال النهار وتحلل أشغال الليل، لم ولن نرى يوما أي مركبة جوية أو برية تنهب الأرض والجو مسرعة نحو سور تاريخي تهدم بفعل الإهمال، ولن نرى جريدة من بين بعض الجرائد الصفراء تخصص ملفا للموروث الثقافي دون إيعاز من جهة معينة لأغراض يعلمها هم فقط. نحتاج اليوم في المغرب لوقفة من أجل الموروث الثقافي، هذا الكنز الذي جعلته دول مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، ينبوعا من الموارد المالية التي تغذي اقتصادياتها، ولا تسمح بأقل نبش في جدار تاريخي مهما كان حجمه دون حضور وترخيص الجهات الوصية، فيما يعتبر الاعتداء على الموروث الثقافي جريمة ضد الإنسانية. يجب أن لا يقتصر الاهتمام بالتراث الثقافي في المغرب على المدن المحظوظة، والملقبة بمدن الألف سنة، هناك من المدن المغربية من تفوق هذا الزمن بكثير، لكن أقدار السياسة ربما حالت دون الاهتمام بها، عندما نصل في المغرب إلى هذا المستوى من الوعي بقيمة التراث الثقافي والخوف عليه، فأكيد أن المسؤولين لن يحتاجوا حينذاك لرحلة واحدة فقط للتأكد من سلامة ذلك التراث، بل سيحتاجون إلى حملات جوية كثيرة لتفقده. شروط التعليقات الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن وجهات نظر أصحابها وليس عن رأي ksar24.com