آلاف السجناء يضعون طلبات للإفراج عنهم في إطار قانون العقوبات البديلة    المنتخب المغربي يواجه البحرين وديا استعدادا لكأس الأمم الإفريقية    رئيس شبكة الدفاع عن الحق في الصحة: معدلات وفيات الأطفال والمواليد الجدد في المغرب ما تزال مرتفعة    350 شخصية من عالم الدبلوماسية والفكر والثقافة والإعلام يشاركون في موسم أصيلة الثقافي الدولي    ظاهرة غياب المستشارين عن أشغال اللجان الدائمة تعود لجماعة تطوان    العباس يطمئن رؤساء أندية الشمال: التصويت سري لاختيار رئيس شاب جديد أو التجديد لمعمِّر قديم    قرارات تأديبية في حق حكام مباريات الجولتين الأولى والثانية من البطولة الاحترافية    البوسرغيني‮:‬ ‬نعي ‬بصورة، ‬نعي ‬بحرف‮!‬ -1-        ابتكارات وتقنيات جديدة تتصدر فعاليات مؤتمر الأمن العام في الصين.            لماذا ‬رحبت ‬قمة ‬الدوحة ‬بقرار :‬    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    الجديدة تحتضن ندوة حول الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني    أبواب الملحقة الجامعية بمنطقة تاوريرت موصدة إلى إشعار آخر..    دي ‬ميستورا ‬بالجزائر ‬قبل ‬التوجه ‬الى ‬باريس ‬بحثا ‬عن ‬مواقف ‬متقاطعة ‬    اجتماع ‬اللجنة ‬الوزارية ‬لقيادة ‬إصلاح ‬منظومة ‬الحماية ‬الاجتماعية    بوسليم يقود مواجهة الوداد واتحاد يعقوب المنصور    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب شمال جزيرة "سولاويزي" الإندونيسية        الولايات المتحدة.. ترامب يعلن تصنيف حركة "أنتيفا" اليسارية المتطرفة منظمة إرهابية    النفط يتراجع وسط مخاوف بشأن الاقتصاد الأمريكي وتخمة المعروض    العزيز: إقصاء فيدرالية اليسار من مشاورات الانتخابات يهدد نزاهة الاستحقاقات    حجز أزيد من 76 ألف قرص مهلوس بميناء الناظور وتوقيف خمسيني متورط    طقس الخميس: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    كيوسك الخميس | عدد المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض تجاوز 24 مليونا    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يرفع مذكرة مفصلة حول مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    تقرير: الفقر المطلق يتضاعف في المدن رغم احتفاظ القرى بثلث فقراء المغرب    ارتفاع نفقات سيارات الدولة يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق العمومي    مصادر: ميسي يمدد العقد مع ميامي    أكثر من 200 مليون دراجة هوائية في الصين            الشابي: التعادل منطقي.. وسانتوس: كنا الأفضل    حرب الإبادة مستمرة | قصف مستشفيات وتفجير مدرعات مفخخة.. ونزوح جماعي نحو المجهول كأنه يوم القيامة    تخصيص أراضٍ جنوب المملكة لمشاريع الهيدروجين الأخضر بقيمة 319 مليار درهم    مراكش تعزز أسطولها ب158 حافلة صينية استعداداً ل"كان 2025"    عمدة بينالمدينا الإسبانية يكرم شخصية مغربية تقديراً لنجاح مبادرات ثقافية    بورصة الدار البيضاء تغلق تداولات الأربعاء بانخفاض المؤشرات        الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    آلام الرقبة قد ترجع إلى اختلال وظيفي في المضغ    مهرجان الظاهرة الغيوانية في دورته الثالثة بالدار البيضاء    الموسيقى المغربية تتألق في حفل "أصوات من الديار" بواشنطن    "حين سقط القمر" رواية جديدة للكاتب والأديب المغربي محمد بوفتاس        قهيوة مسائية بطنجة رفقة الفنان فؤاد الزبادي    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    إيران تؤكد إعدام "جاسوس لإسرائيل"    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    التغذية المدرسية.. بين إكراهات الإعداد المنزلي وتكاليف المطعمة    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم أصلان... راحة المحارب
نشر في لكم يوم 09 - 01 - 2012

إبراهيم أصلان... كان حاضراً حتى عندما أطفئت كل أنوار الأمل.
آن للمحارب أن يرتاح قليلا. مثلما جاء الدنيا على رؤوس أصابعه، وفي صفاء كلي انسحب منها بصمت عن عمر توقف على حواف 77 سنة كانت كلها نضالاً وسعادات صغيرة، ومرتبكة أحياناً. لم يستسلم إبراهيم حتى في أقسى الظروف وأصعبها، إذ كانت رهاناته الكبيرة في حياة أفضل، هي حقيقته الكبرى. وكان الأدب وسيطه الحقيقي وصديقه الأعظم الذي لا يخون. كان إبراهيم أصلان الذي على الرغم من المرض الذي كان ينهكه من الداخل، من أوائل الذين رأوا في كفاية فرصة لتوقيف الفساد السياسي، والحدّ من تدهور وضع كان ينشأ في الخفاء، يلغي كل التراث السياسي الديموقراطي لمصر بعد أن عوضه مبارك بجملكية صغيرة سيدها الفساد والتوريث والعمالة. لكن ثمن هذا الانخراط كان غالياً.
التقينا أول مرة في القاهرة في أحد مؤتمرات الرواية، ثم تأكدت هذه العلاقة عندما طلب مني أن أسلمه حق نشر رواية سيدة المقام في سلسلة آفاق عربية التي كان يرئس تحريرها، والتي انتهت بمصادرة وليمة لأعشاب البحر التي نشرت في السلسلة ومنع تسويقها وقتها وتسويق رواية سيدة المقام التي كنا اتفقنا على نشرها في السلسلة. كان حزيناً لانهيار مشروع أحبه، ولكنه لم يتنازل عن موقفه وظل يدافع عن حق الكاتب والفنان في التعبير عن رأيه.
كلما رأيت إبراهيم في القاهرة، الرباط أو الدار البيضاء، أو بيروت، أو دبي أو غيرها، داعبته صادقاً: كيف حبيبي دون كيشوت اليوم. يرد ضاحكاً: على حصانه وفي قمة جنونه. وتغيب ضحكته تحت شاربين كثين يقربانه من شخصيات عميقة لا تنتمي إلى هذا العصر الذي ابتذل فيه تقريباً كل شيء. لقد حمل إبراهيم أصلان بالفعل نبل دون كيشوت وشجاعته وسخاءه، وقوته وشجاعته ويأسه أيضاً. فقد عاش في زمن انتهت فيه الفروسية، أو قلت حتى أصبحت نادرة ومتخفية وراء كتل الانتهازية والسهولة. ولكنه ظل حالماً وحاملاً سيفه، يحارب ليس فقط طواحين الهواء القلقة ولكن عصراً بُني على الرياء والكذب والاغتيال.
لكن معركته التي بدت خاسرة في ظلم قاس، سرعان ما تجسدت في سقوط الطغاة، لكن قلق الكاتب لم ينته أبداً فقد ظل إبراهيم يحمله معه بقوة. وما كان يحدث في مصر بعد الثورة لم يكن دائماً شيئاً مريحاً. فقد رفض مقابلة الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك في سبتمبر 2010، عندما دعا هذا الأخير مجموعة من المثقفين للقاء في القصر الرئاسي، فكان أصلان من القلة القليلة وربما الأوحد الذي رفض هذا التكريم الغريب من نوعه لأنه كان يعرف مسبقاً أن ما يتخفى من وراء ذلك سوى ابتذال ما كان يعتمل في عمق المجتمع المصري من ثورات ورفض وانكسارات خفية. وكان أكبر تكريم له هو انتصار الثورة في لحظتها الأولى. ويبدو أن الموت كان أسرع من فكرة ترشيحه للأكاديمية المصرية للفنون له للفوز بجائزة النيل التي انطفأ قبل أن ينالها. وكأن القدر شاء له أن يظل كبيراً خارج الغوايات الصغيرة وإن كان قد تحصل على جوائز مصرية وعربية ودولية كثيرة.
لم تفقده الحياة عفوية الشاب الذي عاش في حي إمبابة والكيت كات، بالخصوص، والوراق والمقطم، التي شكلت مرجعه المكاني في الكثير من نصوصه القصصية والروائية التي فرضته كصوت كبير أمام قرائه. لينقل عامل البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، من المهني إلى الكاتب الذي لم يفقد علاقته بمرجعه الاجتماعي الذي ظل يشكل مادته الأساسية التي جعلت من نصوصه تندرج ضمن الأدب الذي يشتغل من خلال أدواته الفنية الداخلية على مجتمع آخر، غير مرئي، كان ينمو في الخفاء. أصدر إبراهيم أصلان في وقت مبكر، في نهايات الستينيات أول نصوصه وكان لمجلة الطليعة الدور الأساسي في إظهار موهبته الخلاقة التي أثارت انتباه الكثير من النقاد وقتها بالخصوص مع العدد الخاص: جاليري 68، الذي أصدرته مجلة الطليعة قبل أن يفرض وجوده الأدبي في الفترة نفسها كحالة متفردة بصدور أولى مجموعاته القصصية بحيرة المساء، والتي بينت العلامات الأولى لعالم ساحر كان يرتسم في الأفق. قبل أن يستقر الكاتب نهائيا في الذاكرة الجمعية المصرية والعربية بمالك الحزين التي حولت إلى فيلم: الكيت كات، وحولته نهائياً من الهواية إلى الاحترافية التي وضعت جهده في المكان الذي يليق به. كل النصوص التي جاءت فيما بعد لم تعمل إلا على تأكيد هذه الموهبة الخلاقة التي شكلت علامة مضيئة في الثقافة العربية بصدقها واستمرار نضالها حتى عندما تطفأ كل أضواء الأمل أو يبدو لنا ذلك.
(روائي جزائري)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.