"الفيلسوف هو أيضا ذلك الشخص الذي يعيش حياة فلسفية. هل فعلا عاش ما كان يحاول تعليمه للناس؟ هذه اللوحات تؤكد بأنه لا وجود لفلسفة بمعزل عن الجسد الذي أنتجها." بهذه الكلمات يقدم ميشال أونفري كتابه الجديد " تمساح أرسطو : تاريخ للفلسفة من خلال الرسم" (Albin Michel, 224p1). فكرة الكتاب سهلة ومبدعة: بكل لوحة تمثل فيلسوفا معروفا، يرتبط حدث تاريخي وشرح مفاهيمي. على هذا المنوال، يجد ميشال أونفري في لوحة نيتشه على الدرابزين والمرسومة من طرف إيدفار مونك (1906) فرصة من أجل الحديث عن فترة مرض الفيلسوف وعزلته، لكن أيضا عن فلسفته من خلال استعراض مقتضب لأهم لحظات هذا الفكر الخارج عن المألوف. لوحة برودون على سلالم بيته الباريسي رفقة ابنتيه، والمرسومة من طرف جوستاف كوغبي (1853)، كانت أيضا فرصة مواتية من أجل العودة إلى حياة وفكر هذا الفوضوي الذي امتدحه ماركس قبل أن ينقلب عليه. سبب الخلاف؟ اشتراكية ماركس الديكتاتورية التي لم ترق للفرنسي الذي ينادي باشتراكية تحررية. في حقيقة الأمر، ما يقوم به ميشال أونفري في هذا العمل، هو إرشادنا في رحلة استكشافية داخل أروقة معرض للرسوم الفلسفية. على امتداد 34 لوحة، يستمتع القارئ بتعليقات غاية في الحبكة والدقة، وأحيانا المفاجأة. فالكاتب له العديد من الكتب في موضوع الفن، لكنه أيضا صاحب فكرة الجامعة الشعبية (2002) وثلة من المؤلفات في الفلسفة كنمط للعيش. مع ذلك، يظل السؤال ملحا: كيف سينجح فيلسوف ذو حس تربوي في تقديم تاريخ للفلسفة من خلال اللوحات الفنية التي تستعص أحيانا حتى على كبار النقاد؟ مهما يكن من أمر، فإن لوحات الفلاسفة تختلف بعض الشيء، وغالبا ما يرسمها أصحابها انطلاقا من أحد أغراض الفيلسوف، أو شيء ارتبط ارتباطا مركزيا به، كما هو الحال مع كوب السم الذي تناوله سقراط، أو تمساح أرسطو ( وهو العنوان الذي اختاره المؤلف لكتابه)، أو قصاصات باسكال التي كان يحملها باستمرار معه، أو سترة برودون التي توصل بها من أحد أصدقائه خلال سنوات سجنه….في المقابل، أليس من شأن هذا الإجراء تبسيط فكر الفيلسوف حتى يصير مبتذلا، مختزلا في مجموعة من الأدوات الفلسفية؟ هذا ما لا يتفق معه صاحب نفي اللاهوت: " لا يمكن رسم الفيلسوف إلا انطلاقا من حدث طريف، من خلال الحفر في حياته والتي هي بالأساس حياة فلسفية. يتعلق الأمر ]…[ بباب ولوج نقوم باقتحامه حتى نفتح القمع في الاتجاه المعاكس ونمضي قدما في العمل حتى نصل إلى عمقه"2. ما يعني أن درسا فلسفيا حول الرواقية، قد ينطلق من الشفرة التي وضعها بها سينيكا حدا لحياته ! غير أن ما يقترحه كتاب "تمساح أرسطو" أيضا، هو بورتريه فلسفي لميشال أونفري نفسه : عدائية ضد الأفلاطونية ونسختها الدينية، أي المسيحية، إعجاب بمتعوية مونتايين، تفضيل لبرودن على ماركس، حب منقطع النظير لنيتشه، كره لكل من فرويد وسارتر…لكن الكتاب، يمثل أيضا، وإن بطريقة مغايرة، امتداد لمشروع الفيلسوف في نفى اللاهوت : ليست الرسومات الفنية بحكر على الآلهة، الملائكة والقديسين، فحتى الفلاسفة قد وصلوا إلى مجد جعل كبار الراسمين ينبرون لأخذ البورتريهات واللوحات لهم، وأحيانا، حتى بعد مضي سنوات على وفاتهم. فليس الخلود من سمات الآلهة وحدهم.
1 – من حوار كان قد أجراه ميشال أونفري مع مجلة لوبوان (3 أكتوبر 2019) بمناسبة صدور كتابه الجديد "تمساح أرسطو : تاريخ للفلسفة من خلال الرسم". 2 – من حوار كان قد أجراه ميشال أونفري مع مجلة لوبوان (3 أكتوبر 2019) بمناسبة صدور كتابه الجديد "تمساح أرسطو : تاريخ للفلسفة من خلال الرسم".