حذر باحثون من تكرار تجربة التهميش التي اعتبروها طالت شباب إقليم الفحص أنجرة، بخصوص عدم تشغيلهم في المشاريع الصناعية الكبرى التي عرفتها المنطقة، وفي مقدمتها مشروع “رونو”، و “الميناء المتوسطي”، خاصة وأنهم قدموا أعز ما يملكون وهي أراضيهم. ودعا الباحثون الذين كانوا يتحدثون مساء أمس الأحد 3 نونبر الجاري، في ندوة بالجماعة القروية “سبت الزينات” ضواحي طنجة، تحت سؤال “أي موقع للعالم القروي في النموذج التنموي الجديد؟”،إلى تأهيل شباب المداشر والقرى القريبة من المشاريع المنتظر إقامتها بضواحي مدينة البوغاز.
وفي هذا الصدد، أكد الباحث خالد اشطيبات في هذه الندوة التي نظمتها كل من جمعية “النماء للتنمية التشاركية والمستدامة”، وجمعية “شباب قلعية للبيئة والتنمية المستدامة”، على أن المخطط التنموي يجب أن يرتكز على تنمية الإنسان وتأهيله تعليميا وثقافيا ومهاراتيا وتقنيا، متسائلا، كيف ستساهم المناطق والقرى والمداشر المحيطة بالمدينة الصناعية المنتظر إقامتها بمنطقة عين دالية، في غياب المهارات التقنية لدى الشباب، ودعيا، المؤسسات المنتخبة إلى القيام بواجبها. وأبرز اشطيبات، على أن الجماعات القروية القريبة من المناطق الصناعية أعطت مساهمتها في النموذج التنموي الجديد وبالغالي والنفيس، مشيرا إلى أن ساكنة البادية رأس مالها هي أراضيها، معتبرا أن المنطقة التكنولوجية الجديدة محمد السادس قد أخذت جل تراب الجماعات القروية : سبت الزينات، كوارت، عين دالية، حجر النحل..وبالتالي أخذت الرأس المال الحقيقي للساكنة وبدريهات معدودة، وفق المتحدث. وأشار اشطيبات، إلى العديد من الإكراهات على هذا المستوى، منها عملية تأهيل شباب المنطقة لإدماجهم في هذه المشاريع، مؤكدا على أنه ما دامت الساكنة قد ساهمت بأغلى ما عندها وهي أراضيها فلا بد من استفادة شبابها من الإدماج في هاته المشاريع الصناعية الكبرى، محذرا من تكرار التجربة التي عرفها إقليم “الفحص أنجره”، في إشارة الإقصاء التي تتحدث عنه الفعاليات الجمعوية من تشغيل شباب الإقليم في مشاريع “رونو” و”الميناء المتوسطي”. في ذات السياق، قال المتحدث، إن النموذج التنموي السابق أفرز لنا تفاوتات مجالية بحيث أن هناك مناطق في المغرب تعرف نوع من الارتقاء الاجتماعي، وهناك مناطق أخرى تعرف الهشاشة الاجتماعية ومن المناطق التي تعرف الهشاشة الاجتماعية هي العالم القروي. وقال الباحث، إن العالم القروي يعيش هشاشة أكبر من المدن رغم أنه منتج للثروة بنسبة 43 في المائة من ثروة المغرب. ولمعرفة أوضع العالم القروي، أورد اشطيبات مجموعة من الأرقام الرسمية بهذا الخصوص، وقال، 40 في المائة من ساكنة البلاد تعيش في العالم القروي، 85 في المائة من الجماعات الترابية هي جماعات قروية، كذلك عندنا 33 ألف دوار، 28 ألف دوار في المغرب يعيش الهشاشة والفقر، 43 في المائة من ثروة البلاد ينتجها العالم القروي، 96 في المائة من حاجيات الحليب يغطيها العالم القروي، 65 في المائة من حاجيات الحبوب، و 98 في المائة من حاجيات اللحوم، بمعنى يضيف المتحدث أن العالم القروي منتج ومساهم مهم في إنتاج ثروة المغرب . وأبرز الباحث، على أنه وبالرغم من استهداف الدولة لعالم القروي بمجموعة من البرامج والمخططات، ومع ذلك لم يخرج من الفقر والهشاشة، كبرنامج “تيسير”، “المخطط الأخطر”، وغيرها. وخلص اشطيبات إلى أنه لا يمكن لأي برنامج تنموي أن يغفل قضية التعليم، لأن نسبة الأمية في العالم القروي مفزعة تقريبا 60 في المئة، وتزداد هذه النسبة بتفاوت ما بين المركز القروي والمناطق الجبلية. مشكلة في تنزيل البرامج من جانبه، ركز الحقوقي مصطفى أقبيب، في مداخلته على مضامين التقارير التي سبق وأن صدرت بخصوص الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالعالم القروي، أبرزها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، معتبرا أن تقرير المجلس كان إلى حد بعيد موضوعي شخص الواقع بالعالم القروي شكل نقدي. وأكد المتحدث على أن العالم القروي يزخر بالإمكانات البشرية، كما ينطوي على مخزون من الثروات التي ينبغي تعبئتها من أجل خدمة التنمية المستدامة لبلدنا، مشيرا إلى أن التشخيص الرسمي جيد لكن على مستوى التنزيل هناك مشكل، مبرزا على أن هناك خصاص كبير على مستوى التعليم والصحة والتشغيل بالعالم القروي. وانتقد أقبيب عدم التنسيق الحاصل بين مختلف القطاعات الحكومية، بحيث لاحظ المتحدث أن كل وزارة تشتغل بشكل مستقل عن الآخر، مضيفا أن هذا الوضع غير صحي داعيا الى التنسيق والتواصل والشراكة بين مختلف القطاعات عند التعامل مع الأزمات. إشراك ساكنة العالم القروي أما أحمد الفتوح الأستاذ الجامعي، فقد أكد على ضرورة إشراك ساكنة العالم القروي من خلال المكونات الجمعوية في أي نموذج تنموي مقبل. واعتبر الباحث على أن البرامج التي سطرت خاصة مشروع التنمية البشرية لم تحقق الأهداف المرجوة بالعالم القروي، داعيا إلى تقييم المرحلة للوقوف على الاختلالات حتى لا تتكرر خلال البرامج المقبلة. ونوه الفتوح بهذه الندوة واعتبرها استباقية لموضوع لم يتشكل بعد، مشيرا إلى أن العالم القروي كان دائما في حالة انتظار، اليوم نرى هذه المبادرة الفكرية وهي مهمة. وبخصوص التعويض الذي استفادت منه ساكنة القرى والمداشر القريبة من المدينة الصناعية المزمع إقامتها ضواحي طنجة، قال الباحث، إن العويض ضعيف ولا يناسب ساكنة البادية التي تعتمد في عيشها على الفلاحة وتربية الماشية . ودعا المتحدث إلى تكوين وتأهيل الشباب لإدماجهم في المشاريع التي تعرفها المنطقة، خاصة على مستوى اللغات، مشيرا إلى أن الجماعات الترابية يمكنها أن تقوم بدور على هذا المستوى بتنسيق مع العديد من الأطراف الرسمية والمجتمعية. إكراهات جماعة قروية فقيرة من جهته، اعتبر عبد الحميد العباسي رئيس الجماعة القروية “سبت الزينات”، أن أي تنمية أو مخطط لكي يحقق الهدف المنشود منه فهو يحتاج إلى أن ينطلق من مبدأ تشاركي ومندمج بين مختلف القطاعات، مؤكدا على ضرورة شرط الاستدامة التي تتطلب احترام البيئة وحقوق الأجيال الصاعدة. وبخصوص الوعاء العقاري الخاص بالمناطق القروية المحيطة بطنجة، قال العباسي، إن التنمية التي تعرفها المنطقة لا تأخذ بعين الاعتبار حقوق الأجيال الصاعدة، ضاربا المثل بما تجده جماعة “سبت الزينات” من صعوبات عند محاولتها إقامة مشروع معين، مؤكدا على أن الوعاء العقاري أصبح عملة نادرة وجد مستحيل إيجاده. ورغم أن جماعة سبت الزينات تعتبر من أفقر الجماعات القروية، يضيف العباسي ومع ذلك استفادتها من برنامج “تيسير” على سبيل المثال كان جد ضعيف، داعيا إلى رفع الاستفادة إلى حدود 100 في المائة ما دمت الداخلية تصنفها ضمن الجماعات الفقيرة، أما بخصوص مشروع التنمية البشرية، فقد كشف رئيس الجماعة أن “سبت الزينات” استفادت من حوالي مليار سنتيم، منذ انطلاقة المشروع سنة 2005. وفي تفاصيل المليار سنتيم، قال العباسي، تم تخصيص 200 مليون سنتيم لتزويد الشطر الأول من الماء الصالح للشرب وشمل 8 دواوير، وتم إعادة بناء المركز الصحي، وشراء سيارة الإسعاف، و7 النقل المدرسي، بالإضافة وحدتين للتعليم الأولي، ومساهمة في بناء الإعدادية، مشيرا إلى أن هناك إرهاصات أولية لتزويد الشطر الثاني من الماء الصالح للشرب لدواوير منطقة بني مصور التي تعتبر من المناطق الجد فقيرة . وفي ما يتعلق بمنطقة محمد السادس الصناعية، أعلن رئيس الجماعة أن هناك وحدة للتكوين المهني ستنطلق بشراكة بين جماعة “العوامة” وجماعة “سبت الزينات”، وستكون مفتوحة في وجه شباب الجماعتين وهي خطوة استباقية للمنطقة الصناعية. وأبرز العباسي، أن جماعته تجد صعوبة كبيرة في العمل ضمن هذا التحول العمراني الذي تعرفه المنطقة، متسائلا، هل سبت الزينات هي منطقة قروية أم شبه قروية أو حضرية أو شبه حضرية؟ ليجيب، الرؤية غير متضحة حتى الآن، وبالتالي يصعب علينا مثلا التوفيق ما بين الصناعي من خلال الاستثمارات الواردة على المنطقة على قلتها وما هو فلاحي وهو متعلق أساسا بالساكنة.