الإرهاب له تمظهرات عدة، لكن بما أن الإعلام في الغرب عموما، وفي أوروبا على وجه التحديد، يشكل سلطة قوية ومؤثرة في الرأي العام، فقد استعمله ساسة بعض الدول في الغرب وأوروبا لربط الإرهاب بالأديان، دون ربطه بأمور كثيرة تتصل بواقع السياسة الدولية، وبممارسات عدد من الأطراف الدولية، التي لها تاريخ استعماري حافل بالإرهاب. سرقة ثروات الشعوب إرهاب، احتلال الدول وقتل الشعوب وتقطيع رؤوسها ووضعها في المتاحف وتحويلها إلى طوابع بريدية إرهاب، اضطهاد الأقليات وحرمانها من حقوقها اللغوية والثقافية والدينية إرهاب، تفقير الشعوب من خلال فرض سياسات عمومية في إطار مشروطية سياسية أو اقتصادية إرهاب، قمع حرية الرأي والتعبير إرهاب، عولمة الجريمة المنظمة إرهاب، تكميم الأفواه إرهاب، إسقاط أنظمة الحكم خارج إطار الشرعية الدولية إرهاب، خلق بؤر التوتر وبيع السلاح للمليشيات إرهاب. من هذا المنطلق، وباستحضار تداعيات ما حدث في فرنسا خلال الآونة الاخيرة، يمكن القول بدون مواربة، بأن خطأ ساسة فرنسا القاتل،كان هو غلو تصريحاتهم، التي ربطت الإرهاب بالإسلام، مع العلم أنهم يعلمون بأن جل الحكومات الفرنسية المتعاقبة، شارك فيها وزراء من خلفية دينية إسلامية، وبأن جهازي الشرطة والمخابرات الفرنسية، يضمان عناصر من نفس الخلفية الدينية أيضا! الربط بشكل مباشر بين أعمال إرهابية يقترفها أناسا لهم خلفية اسلامية، وبين الإسلام كدين، ربط خطير، ولا يخدم وحدة فرنسا على الاطلاق، بل يعمق نزعة الكراهية في المجتمع الفرنسي، ويصب المزيد من الزيت فوق النار، مادام أن هناك تنامي كبير للفكر اليميني المتطرف في دول أوروبية وغربية كثيرة! على الرئيس ماكرون، وعلى من يقتسمون معه نفس الافكار، التي تكرس لثقافة الاسلاموفبيا في فرنسا، أن يكونوا موضوعيين مع أنفسهم في التعاطي مع التطرف، لأن أغلب هؤلاء الذين ارتكبوا أفعالا إرهابية في فرنسا، ولدوا وترعرعوا وتلقو تعليمهم فيها، بل الجزء الأكبر منهم، إن لم يكن الكل، يحمل الجنسية الفرنسية! إرهابيو فرنسا، رغب ماكرون أم لم يرغب ذلك، فهم إفرازا للمجتمع الفرنسي، وهذا ما يستوجب تحليل هذه الظاهرة، تحليلا بنيويا، في كل أبعادها السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والفكرية، والاقتصادية. فرنسا فيها الوزير المسلم، والمهندس المسلم، والأستاذ الجامعي المسلم، والطبيب المسلم، والشرطي المسلم، والبرلماني المسلم، والمحامي المسلم، وفيها أيضا الإرهابي الذي يحسب على الاسلام! لماذا ستتم الإساءة للإسلام والمسلمين إذا كان الإرهابيين يشكلون الاستثناء؟ لماذا فشلت فرنسا في إدماجهم ثقافيا وفكريا؟ من يتحمل مسؤولية تطرفهم؟ غرس ثقافة الاسلاموفبيا في فرنسا العلمانية، خطأ فادح، وستكون له تداعيات كبيرة داخل المجتمع الفرنسي، إذا استمر خطاب التحريض على الكراهية بوازع الدين. الإرهاب مدان ومرفوض، وازدراء الأديان والإساءة للرموز الدينية وتشويه صورتها، أمر غير مقبول أيضا، وخطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ردت عليه الأممالمتحدة بشكل واضح، من خلال تصريح الممثل الأممي السامي لتحالف الحضارات، ميغيل أنخيل موراتينوس، الذي حذر من مغبة "إهانة الأديان والرموز الدينية المقدسة"، وأكد على أن "حرية التعبير ينبغي أن تحترم بالكامل المعتقدات الدينية لجميع الأديان"، ودعا إلى ضرورة "الاحترام المتبادل لجميع الأديان والمعتقدات، وإلى تعزيز ثقافة الأخوة والسلام" حرية الأديان وحرية التعبير من وجهة نظر المنتظم الدولي هما حقوق مترابطة ومتشابكة، ويعزز بعضها بعضاً، وهي حقوق متجذرة في المادتين 18 و 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتمسك بهذه الحقوق الأساسية وحمايتها، هما المسؤولية الأساسية للدول الأعضاء.