برقية تهنئة من أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس إلى قداسة البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه لاعتلاء الكرسي البابوي    شجرة الأركان في يومها العالمي رمز للهوية والصمود والتحدي الأمازيغي المغربي .    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    وهبي: طموح أشبال الأطلس لم يتغير وهدفنا أبعد نقطة في كأس إفريقيا    وجدة: تفكيك شبكة لترويج المؤثرات العقلية    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    فرنسا تعزز حضورها التنموي في مدن الصحراء المغربية باستثمار ضخم    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    الحرس المدني الإسباني يوقف صيادين مغربيين بتهمة تهريب مهاجرين    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    موعد الحسم.. هذا توقيت مباراة المغرب وسيراليون في ربع نهائي كأس إفريقيا    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    رفع تسعيرة استغلال الملك العام من 280 إلى 2400 درهم للمتر يغضب المقاهي ويدفعها للإضراب    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    "كان" الشباب... المنتخب المغربي يختتم تحضيراته استعدادا لمواجهة سيراليون    كلاسيكو الأرض.. برشلونة يسعى لحسم الليغا وريال مدريد يبحث عن إحياء الأمل    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    زيلينسكي: روسيا تدرس إنهاء الحرب    سحابة سامة تُجبر آلاف السكان على إغلاق منازلهم جنوب غرب برشلونة    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    أجواء احتفالية تختتم "أسبوع القفطان"    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    طقس الأحد: زخات رعدية بعدد من المناطق    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    الأشبال: الهدف التأهل إلى المونديال    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحراء المغرب.. قصة قضية..
نشر في لكم يوم 24 - 11 - 2020

لم تكن الأطماع الاستعمارية الأوربية في المغرب منذ أواسط القرن التاسع عشر عملاً بسيطاً ولا مشروعاً دون بعيد خلفية تجاه المنطقة المغاربية عامة، علماً أن الهدف لم يكن فقط احتلال المغرب في حد ذاته بل عزله وقطع أوصاله بجهاته جنوباً وشرقاً، وفصله عن المغرب الأوسط وعن امتداده المجالي في الصحراء حيث عمقه الافريقي، فضلاً عن تطويقه باحتلال تخومه ومناطقه التابعة مثلما حصل مع بلاد توات وتدكًلت وغرارة وغيرها. وعندما نتحدث عن الأطماع الاستعمارية نستحضر مخطط كل من فرنسا واسبانيا اللتان اقتسمتا المغرب، فكانتا بدور في العبث بترابه وتقسيمه وتصغير حجمه قبل الاجهاز عليه بعد معاهدة فاس 1912.
من هنا ما كان من اقتطاع ترابي لتحقيق إضعاف البلاد من جهة والحد من سلطة المسلمين والاسلام وحضارته ومن ثمة من الدولة المغربية من جهة ثانية، وبالتالي نقل واقع منطقة من هوية ترابية تاريخية الى هوية أخرى، على أن تظل تبعات وأثر كل تغيير وتحول الى ما بعد حتى لو تم إنهاء احتلال المنطقة وحصول بلدانها على الاستقلال. ولعل بقدر ما تم من نقل لخط الحدود المغربية الشرقية بعد احتلال فرنسا للجزائر من واد تافنا الى واد كيس(عجرود)، بقدر ما كانت الأقاليم الصحراوية المغربية بمساحة شاسعة من جهة الجنوب(الساقية الحمراء ووادي الذهب.. شنقيط). ورغم اعتراف مؤتمر مدريد 1880 باستقلال المغرب ووحدة ترابه، فإن ذلك لم يمنع من تهافت المستعمر على أقاليمه الصحراوية وفصلها تباعاً بدعوى أنها أرض خلاء.
وغير خاف أن ايطاليا كانت من أوائل الدول الأوربية الاستعمارية التي توجهت باهتمامها خلال هذه الفترة لايجاد منطقة نفوذ لها هناك، وبعدها كانت انجلترا من خلال ما كان لها من نوايا في رأس بوجدور وبلاد نون لتحقيق مدخل لها صوب افريقيا، فضلاً عن أطماع اسبانيا في المنطقة بحكم ما ادعت من أحقية وأولوية لها في هذه الجهات مستغلة ما ورد بينها وبين المغرب في معاهدة 1860. كل هذا وذاك قبل بدأ أطماعها عمليا منذ 1882، علما أن المخزن المغربي أمام كل المؤامرات والدسائس الاستعمارية حول الصحراء المغربية، لم يبق مكتوف الأيدي تجاه ما يجري حول ترابه وسيادته رغم ما كان عليه من وضع سياسي ومالي صعب.
في علاقة بقضية الصحراء وتطوراتها وما كان عليه المغرب من دفاع عن ترابه، ارتأينا بعض الضوء حول اسهامات علمية ومن ثمة مؤلفات على قدر عال من القيمة المضافة منهجا وتوثيقا ووثائق وتحليل ومقاربة. لعل منها ما أنجزه وأسهم به الدكتور سمير بوزويتة عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، كالتي صدرت ضمن منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية بعنوان "بيعات أهل الصحراء المغربية للسلاطين والملوك العلويين".
كتاب بقدر ما يقوم على راهنية موضوع وحاجة لتعميق مقاربة- رغم ما حظيت به المنطقة من عناية باحثين مؤرخين وما تراكم حولها من أبحاث-، بقدر ما يطرح عمق علاقتها بالوطن الأم تلك التي تغذت على امتداد فترات وتشعبت بما هو ثقافي وتراثي واقتصادي واجتماعي، مما جعلها مجالا غنياً للبحث والدراسة فضلاً عن أهميتها كذاكرة رمزية وواحدة من مكوناتِ ذاتٍ أنطولوجيةٍ مغربية، تقتضى تنقيباً أكثر في كنه أسرارها وخباياها لفهم ما هناك من ارتباط وطيد يجمع المغاربة بها. ناهيك عن فضل منطقة الصحراء في قيام الدولة المغربية وامتدادها غرب افريقيا وجنوبها كذا بشمال البحر المتوسط، وفي نشر وتوسيع مجال ما طبع حضارتها أيضاً في بعدها العربي الأمازيغي الاسلامي، وناهيك أيضاً عن أهمية ما هناك من رد علمي على ما هناك من طروحات تحاول نسف ما يوجد من روابط جغرافية وتاريخية بين المغرب وصحرائه.
كتاب "بيعات أهل الصحراء المغربية للسلاطين والملوك العلويين"، جاء صيانة لذاكرة المغرب الوطنية وترسيخها، محتوياً على وعاء واسع من نصوص ورسائل جوابية لبيعات أهل الصحراء لسلاطين الدولة العلوية، كشاهد إثبات على عمق ترابط تتوحد به المنطقة مع باقي جهات الوطن. وإذا كانت بيعات الأمراء التي عرفها التاريخ منذ صدر الاسلام الأول، لا تتعدى أن تكون مبايعة شفاهية تحتمل أن تصبح بعد حين لغوا ملفوظا- يقول المؤلف-، فإن بيعات المغرب الأقصى لملوكه بلغت أسمى الغايات وأوفى المقاصد، بحيث لا يمكن أن يتطرق إليها وهن أو ينكث لها موثق لقيامها على أساس متين وصرح مكين. مضيفاً أن المغرب تفرد بالأمر وحده قبل أن يتفطن إليه سواه ذلك أن الملك بمجرد ما يستأثر الله بحياته ويأذن بوفاته، يبادر أهل الحل والعقد إلى الاجتماع والإشهاد بمبايعة الملك المطاع الذي يقع عليه الاختيار والإجماع، وهو ما يجري في كل القبائل والمدائن والبوادي والحواضر بحيث لا تتخلف في البلاد عن عقد البيعة أية فئة. وورد أنه قد يؤثر على طريقة عقد البيعة أحياناً بالإشهاد العدلي، فيكتفي بتحرير بيعة في أسلوب مشجع مذيلة بتوقيعات مختلف الفئات المبايعة لملكها الجديد، من أجل القيام بأعباء الرعية والحرص على صيانة الشريعة الإسلامية والإخلاص لله سراً وعلانية.
عقود بيعات مغربية لملوك لا تزال على أصولها قائمة دون تبدل عما كان عليه الأمر في سالف الزمن، حافظة لتاريخ موصول وإجماع على تعلق الشعب بملوكه. علماً أن هذه البيعات جرت العادة فيها أن توضع في ضريح مولاي ادريس بفاس معلقة في قبته تبركا بها، ما استمر الحال عليه حتى عهد السلطان عبد الحفيظ الذي أراد الاطلاع على ما هناك من بيعات قديمة، ولما اعادها إلى مكانها أحاطها بزخرفة وتنميق بذهب محلول خالص الإبريز.
وقد ظلت البيعة رمزاً لوحدة المغرب وجمعاً لكلمته وتحقيقا لأمنه بجميع ربوعه، وكانت البيعات تأتي مقرونة بالإقليم أو الحاضرة أو القبيلة أو الجهة التي ينتمي إليها المبايعون. هكذا جرت تقاليدها من خلال نصوص منها من يشمل البلاد ككل ومنها من يهم حواضر مثل بيعة فاس أو بيعة مراكش…ومنها من يهم زوايا وأشراف وغيرهم. علما أن من البيعة ما يتم عبر الأقاليم بأسمائها وتوقيع رؤسائها وشيوخها قبل رفعها لسلطان البلاد مثل بيعة قبائل سوس وبيعة أهل الغرب وبيعة إقليم "تجكانت" الاسم القديم لتندوف، ومن البيعات بيعة قبائل أهل الساحل والقبلة وأولاد دليم وبربوش والمغافرة وأولاد مطاع وجرار للمولى إسماعيل 1679، بواسطة حَرْكته لناحية سوس وصحرائها حيث تزوج خناتة بنت بكار المغافرية، وتندرج في السياق ذاته بيعة أهل توات للسلطان عبد الملك بن مولاي إسماعيل سنة 1728 وبيعة الشيخ المختار الكنتي للسلطان عبد الرحمن بن هشام، وبيعة ابنه الشيخ أحمد البكاي للسلطان نفسه وبيعة إمام تندوف الشيخ محمد بن المختار بن لعمش الجكني التي يعلن فيها عن بيعة هذا الاقليم للسلطان محمد بن عبد الرحمن.
وفي مؤلَّف آخر للدكتور سمير بوزويتة بعنوان"الحكامة والسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية زمن السلاطين العلويين"، ارتأى له بعداً استراتيجياً في علاقته بوحدة البلاد الترابية ومثناً كرونولوجياً معتمداً مقاربة بمستويات تاريخية ثلاثة، أولاً تحليل تركيبي ينبني على الوثيقة والتوثيق والأرشيف، ثانياً سعي لجعل مجال الصحراء المغربية عقداً وسطاً في امتداده التاريخي مع باقي مجالات البلاد الأخرى، ثالثاً الكشف عن مسارات الدولة المغربية وامتدادها من أجل بناء وترسيخ صرح دولة حديثة. أشار الى أن المهتم بقضية الصحراء المغربية كقضية سياسية لن يتسنى له فهمها فهما حقيقيا دون تفطن لأهمية هذه الأبعاد، ومعها ما هناك من عمق ترابط فكري ووجداني واستراتيجي تتوحد من خلاله هذه الربوع مع باقي جهات الوطن. مضيفاً أن ارتباط الصحراء بالدولة المغربية هو بأزل يجعله حقيقة جدلية لا مراء فيها، وبالتالي مكوناً أساسياً لا يمكن إغفاله بأي حال من الأحوال في تاريخ الأمة المغربية، التي تكشف وثائقها التاريخية عن حضور دائم للصحراء في منظومة حكم البلاد كدولة بحدود ونُظم وهوية وتقاليد منذ زمن الشرفاء الأدارسة.
ولعل من تميز الدولة المغربية – يقول المؤلِّف- حفاظها على نظام اسلامي سياسي عبر تاريخها، فكان عقد البيعة ركنها الأساس وأساس دستورها بل نصا دستوريا ذلك أنه أساس شرعية الملك، وهو ما يجعل ارتباط البيعة بالدستور ارتباطا عضويا بحيث يحتفظ الملك المبايع من خلال الدستور بسلطات تضمن له الوفاء بجوهر التزاماته من خلال البيعة، ومن هنا تبرز أهمية إمارة المؤمنين مشيراً الى أن البيعة ظلت رمزا لوحدة البلاد جامعة لكلمتها محققة لأمنها في جميع ربوعها.
ويذكر صاحب المؤلَّف أنه سلك في عمله ومؤلَّفه منطقاً كرونولوجيا مستحضراً سلسلة تعيينات لولاة وعمال وقواد وباشوات وقضاة وعدول، ساهموا في تدبير شأن الصحراء طيلة تقلد السلاطين العلويين حكم البلاد. ما يبرز ويعبر عن ديمقراطية تشاركية اعتمدها ومارسها هؤلاء بالأقاليم الصحراوية، وعيا منهم بأهمية ونجاعة هذه الآلية لإشراك أهلها في صنع سياساتها وتقوية دور المعينين في اتخاذ قرارات تخص تدبير شأن البلادالعام، فضلاً عما تحمله طبيعة هذه التعيينات في دلالتها من شكل جديد لتقاسم سلطة مرتكزة على تقوية مفهوم تشاركية متمحور حول تدبير جيد للشأن.
وكان السلاطين العلويون منذ تقلدهم حكم البلاد بتفطن وسبق في تبني سياسية تشاركية في الأقاليم الصحراوية- يضيف المؤلف-، لِما لها من دور في التفاعل والتجاوب مع ما شهدته من معطيات ومتغيرات. مشيراً الى أن تجربة الحكم الذاتي التي نهجها مولاي سليمان كانت نتيجة فهم عميق لتدبير سياسي فاعل لحل مشاكل القرب، وضمان انخراط أهالي الصحراء مع تطوير تدبير محلي ووطني عبر تكامل بين مركز وجهات. وكان السلاطين العلويون عبر أشكال تعييناتهم بالصحراء يسعون لترسيخ ثقافة توافق وتنمية إرادة سياسة لدى الصحراويين، آخذين بالاعتبار ما هو خصوصية محلية من أجل الارتقاء بها لِما هو وطني. ناهيك عما انبنت عليه فلسفة هذه التعيينات من مبدأ خلق حيوية في مشهد هذه الأقاليم السياسي، وجعل الصحراويين بدور في تدبير شأن البلاد المحلي باعتبارهم أكثر ارتباطا ببيئتهم ومعرفة بقضاياهم وأجدر بإيجاد ما هو مناسب من حلول.
وقد سهر السلاطين العلويين في علاقتهم بالصحراء على الذب عن الكيان ومقومات الدولة وصيانة استقلال البلاد ووحدتها، من أن يدب إليها الانقسام والوهن مع استئصال ما يظهر بأطرافها من رؤوس فتنة. فظلت البلاد محافظة على استقلالها عبر الزمن إلى أن سقطت في يد الاستعمار، ليتضح ما كان عليه هذا الأخير من احتلال وتفتيت تدريجي لتراب البلاد وما كان عليه المغرب من واجب في استرجاع ما اغتُصب من مناطقه.
ولعل ما حصل من وضع جديد- يقول المؤلِّف- يعود لكون المغرب كان ضحية احتلال الجزائر من قِبل فرنسا واحتلال جبل طارق من قبِل بريطانيا، فكانت الصحراء من بلاد المغرب أول ما استهدفه الغزو الاستعماري وتفنن في ابتكار صيغ تفتيته وتقسيمه، ومن ثمة ابتداع قضية سميت ب"قضية الصحراء" مخترعاً بجانبها كيانا وهميا عبر عنه ب "الشعب الصحراوي " منشئاً له أداة تنفيذ سماها ب"البوليساريو". بل لم يفكر المستعمِر في إنشاء هذا الأخير إلا حين عجز عن مقاومة ملحمة المسيرة الخضراء، ولم تبق له سوى أيام معدودة لمغادرة الصحراء المغربية ظنا منه أنه بإمكانه وقف إرادة الشعب المغربي في استرجاع مناطقه.
لذلك كان على المغرب لإتمام وحدته الترابية أن يلجأ إلى هيئة الأمم المتحدة ثم إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي للمطالبة باسترجاع الساقية الحمراء ووادي الذهب ، فكان حكم محكمة العدل المذكورة في يوم 16 أكتوبر 1975 في صالح المغرب. وأمام رفض إسبانيا للقرار أقدم الملك الراحل الحسن الثاني على تنظيم مسيرة سلمية خضراء في 6 نوفمبر 1975 أرغمت إسبانيا على القبول بالتفاوض، فكانت اتفاقية مدريد في 14 نونبر والتي وافقت عليها الجماعة الصحراوية بالعيون في 26 فبراير1976 ليتم استرجاع الساقية الحمراء ووادي الذهب.
تلك هي قصة" قضية الصحراء"- يقول المؤلٍّف- التي اختلقتها اسبانيا ووجدت الجزائر فيها فرصة صرف الرأي العام عن قضايا حقيقية كقضية تندوف وتوات وغرارة وتيدكًلت والحدود المغربية الشرقية الخ. وكان المغرب قد انتهج سياسة رشيدة منذ استقلاله 1956، لعلها التي عمق جذورها الملك الراحل الحسن الثاني ووضح معالمها في خطابه ببلغراد 8 شتنبر 1961 اثر انعقاد مؤتمر دول عدم الانحياز وفي غير ذلك من المجامع الدولية. سياسة انتهت بتبني الملك محمد السادس منح حكم ذاتي لأقاليم الصحراء المغربية كحل نهائي لقضية مفتعلة، وباعتبارها مبادرة سبق لأجداده من السلاطين العلويين ممارستها بهذه الربوع من البلاد.( تجربة مولاى سليمان).
ولن يستقيم استيعاب مبادرة المغرب بشأن تخويل الصحراء المغربية حكما ذاتيا والإحاطة بها من كل جوانبها- يضيف المؤلف-، إلا برصد سياقاتها الدولية والوطنية وتبيان محدداتها وتفاعلاتها. مؤكداً على أولوية ملف الصحراء المغربية وأهمية تكاثف جهود كل القوى الوطنية السياسية والأكاديمية لمزيد من التعبئة والتأطير، من أجل رد علمي على طروحات سافرة تكابد يائسة لنسف روابط جغرافية وتاريخية بين المغرب وصحرائه، ومن أجل وترسيخ قناعة "الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه ".
وفي عمل علمي آخر حول الموضوع بعنوان "مغرب الصحراء سرديات الذاكرة ورهانات الحاضر" وهو بتقديم للدكتور عبد الرحمن طنكول عن منشورات مختبر التراث دراسة صيانة وإنقاد بفاس، أورد الدكتور سمير بوزويتة أنه إذا كان هناك موضوع لا يقبل أي تناول ايديولوجي فج فهو موضوع الصحراء المغربية، مشيراً لسبق عبد الله العروي في نهج طريق سليم لمَّا تعامل معه خارج مقتضيات اللحظة. وأن من منظور نهجه في توظيف رسائل ورحلات ومخطوطات واتفاقيات وإحصائيات، نكون أمام جوانب هامة في تاريخ مغرب شكلت ضمنه الصحراء عقد الوسط. بحيث تمت مقاربة قضية الصحراء من زوايا عدة عبر مراحل مؤسساتية أولى من تاريخها، لِما هناك من خصوصيات سوسيو-اقتصادية وسياسية وحضارية ولِما عاشته من انفتاح على افريقيا وصراعات أطماع مستعمِر، وانطلاقا من رؤية بعض الدول لِما هو مفتعل حولها وما تعرفه قضيتها من تحولات في محافل دولية.
يبقى ختاماً أن المغرب المستقل كان قد جعل من مبادئ سياسته الخارجية الأساسية رفضه لكل أشكال الاستعمار فضلاً عن استكمال وحدته الترابية، وهو ما تم التشبث به في خطاب تاريخي بصدى دولي للسلطان محمد بن يوسف رحمه الله في المحاميد خلال فبراير من سنة ألف وتسعمائة وثمانية وخمسين عندما قال:" إن مما يسعدنا أن يستقبلنا في المحاميد التي هي باب صحراء المغرب، أبناء الذين استقبلوا جدنا في قرية أخرى من الركًيبات وتكنة وولاد دليم وسواها من قبائل الصحراء الشنقيطية، وأن نستمع اليهم ومعهم فقهاؤهم وأدباؤهم وهم يؤكدون لنا كما أكد أباؤهم لجدنا تعلقهم بالعرش العلوي واستمساكهم بعروة المغرب الوثقى التي لا انقسام لها. وإننا نحيي نفوسهم الأبية وعزماتهم القوية ونرحب بهم في وطنهم وبين أهلهم، ونؤكد لهم بدورنا وليبلغ الشاهد منهم الغائب أننا سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان. وهكذا نحافظ على الأمانة التي أخذنا على أنفسنا بتأديتها كاملة غير ناقصة، ألا وهي ربط حاضرنا بماضينا وتشييد صرح مستقبل مزدهر".
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.