القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا تجاوز 1.3 مليون سائح    الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية تستقبل شبيبة حزب مؤتمر التقدميين النيجيري    حضور حموشي في إسبانيا.. إشارات قوية للتقارب تذكي نعرات الطابور الخامس    منظمة الصحة العالمية تحذر من انهيار النظام الصحي بقطاع غزة    تأشيرة الخليج الموحدة تدخل حيز التنفيذ مطلع 2025    2900 مظاهرة بالمغرب دعما لفلسطين    تفاصيل سقوط اليملاحي.. اعترف بالاحتيال ونفى وجود شبكة للتوظيف بوزارة العدل    بتعليمات ملكية.. آيت الطالب يستقبل أعضاء البعثة الصحية للحج    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري    تفاصيل حكم قضائي انتصر لمواطنة مغربية متضررة من لقاح "أسترازينيكا" ضد الدولة المغربية وأمر بتعويضها    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    قرار جديد من القضاء المصري في قضية اعتداء الشحات على الشيبي    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    متضررة من لقاح كورونا تشيد بالقضاء المغربي .. ووزارة الصحة تستأنف الحكم    أخنوش يرد بقوة على تقرير مجلس الشامي: الحكومة تبدع الحلول ولا تكتفي فقط بالتشخيص    تصفيات المونديال.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه نظيره الجزائري    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    السلة: الوداد في صدام قوي أمام المغرب الفاسي    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والجزائر ضمن تصفيات مونديال الفتيات    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    ما الذي سيتغير إذا منحت فلسطين صلاحيات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؟    تطبيق صيني للتجارة الإلكترونية بأسعار منخفضة "قياسية" يثير الجدل بالمغرب    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    العثماني يلتقي قادة حماس في الدوحة    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    السجن سنة ونصف للمدون يوسف الحيرش    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    حزب فيدرالية اليسار الديموقراطي بسوق السبت يرفض سرية اجتماعات المجلس البلدي ويدين "منع" المواطنين من حضور دوراته    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 38 مرشحا للهجرة غير النظامية    محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق وحماس تقول إن "الكرة بالكامل في ملعب إسرائيل"    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    اختتام القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    الصين تطلق قمرا اصطناعيا جديدا    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    حراس خواص يشتكون غياب الأجور    بركان تؤمن بالحظوظ في "كأس الكاف" .. ورئيس الزمالك يؤكد صعوبة المقابلة    سعار عضال.. خيال مخابرات الجزائر في مقال    هل جامعات المغرب مستعدة لتعليق تعاونها مع إسرائيل كما أعربت جامعات إسبانيا؟    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترجمة وإشكالات المثاقفة.. أتكلّم جميع اللُّغات بالعربية
نشر في لكم يوم 27 - 02 - 2023

"لا أكتب بالبرتغالية أنا أكتب بي"، يقول المُتعدّد الألسنة في لغة واحدة، فيرناندو بيسوا.فطالما "ينكمشُالعالم بعضه على بعض، كالبُرتقالة القديمة، وما دام أن جميع الشعوب في كل الثقافات يقترب بعضها من بعض. يجب إذن أن تكون الجملة الحاسمة بالنسبة إلى السنوات الباقية من حياتنا على الأرض، هي: الترجمة أو الموت". هكذا يُقدم الكاتب الأمريكي بول إينغل التّرجمة كحلٍّ وحيد للبشرية، من أجل التعايش على هذا الحيز الضَّئيل من الكون.
بهذه الروح المنفتحة على الآخر وألسنتهِ، انعقدت الدورة التاسعة من المؤتمر الدولي للترجمة وإشكالات المثاقفة، يومي 28-29 يناير الماضي، في الدوحة. وهو المؤتمر الذي يُنظمّهمنتدى العلاقات العربية والدولية، بالموازاة مع جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي،التي أُنشأت بالتعاون مع المنتدى. في هذه الدورة بلغت جائزة الشيخ حمد للترجمة التي تأسست في الدوحة، عام 2015، سنتها الثامنة.
لماذا الترجمة؟ لعل هذا السّؤال المحوري أوّلَ ما قد يطرحه المتابع. مع الأخذ بعين الاعتبار عدد المترجمين الذين يحجّون من العالم بأسره إلى المؤتمر، وبالنظر إلى القيمة المالية للجوائز الممنوحة، ضمن فروع جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي. وهو السؤال الذي بدأ المؤتمر بالإجابة عنه في الكلمة الافتتاحية للكاتب والمفكر العربيمحمد ابن حامد الأحمري، الذي أنشأ المؤتمر بمبادرة منه، وجعلَ الجائزة مسك ختام دوراته.
فالترجمة،حسب ما أجمعت عليه المداخلات التي تُنشر في مجلد يضمّ مداخلات المشاركين في ندوات كل دورة، إحياء للنصوص، وزرع للحياة فيها من جديد. أن تُترجم يعني أن تفكّر، وأن تحاول تبيئة المفاهيم بلغة أخرى مغايرة.قد تبدو العملية برمتها نقلا عن الأصل، بيد أن مفهوم الأصل هنا لا يستقيم مع عملية الترجمة. فالنصوص الأصلية لا يمكنها أن تعيش وتستمر في الحياة، إلا إذا اقتحمت عوالم أخرى، ولنا مثال في بعض النصوص التي تُرجمت إلى عدةِ لغات عالمية، وأضحت نصوصا كونية ولم تكن لتحوز هذه الكونية إلا بترجمتها.
بهذا المعنى، ترجمة الأصل بمثابة مجاوَزة له، فالأصل هنا ليس خالصاً، بل هو ناتج عن عمليات تفكير متكررة، ومتباينة. وعادة ما يُنظر إلى الحدود الفاصلة، في فعل التّرجمة ذاته، على أنّها ترتبط بمدى قدرة اللغة المنقول إليها، على التعبير عمّا في اللغة المنقولة من مصطلحات خاصة،في زمانٍ ما وثقافةٍ محددّة. أو أنّها ترتبط بمدى قدرة المُترجِم على نقل المعنى المطلوب، بنحتِ مصطلحٍ جديدٍ يَجِدُ له مرتكزاً في ثقافة تحتضنه، ولغة تستوعبه.
لماذا يُغيّر كاتبٌ لسان كتبه بنفسه؟
كانت "الترجمة الذاتية"، من الندوات الأكثر استقطابا للتفاعلات داخل القاعة، بسبب اقترابها من الأدب، ومن هموم تُطرح على الكاتب باللغة العربية على حد سواء، مع باقي الكتاب في العالم. وعرفت الندوة مشاركة كاتب ومترجم مغربي قدير، هو عبد السلام بنعبد العالي الذي استشهد بما كتبه الروائي التشيكي ميلان كونديرا، الذي نُفي إلى فرنسا منذ 1975، في جريدة لوموند الفرنسية عام1993.بأنه بعد أن عملعلى تدقيق معظم الترجمات الفرنسية لرواياته، التي كانت قد حُرّرت بالتشيكية، قرر ألا يعتبر الصيغة الفرنسية لأعماله مجرد ترجمة، بل إنهانصّه هو.
لا يمثلكونديرا حالة خاصة، فقد عرف القرن الماضي نزوح كثير من الكتاب بعد الحربين، وأعيد النظر في الثنائي لغة/وطن، مما أدى إلى تراجع في قيمة اللغة-الأم. فانكب الكتّاب على نقل ما كانوا حرّروه بلغاتهم الأصلية، إلى لغات البلدان التي هُجّروا إليها. وهذه حال كونديرا نفسه، وقبله حال الروسي فلاديمير نابوكوف، الذي بعد أنرسم مساره الأول كروائي باللغة الروسية، خلال العشرينيات من القرن الماضي، أصبح روائيا أمريكيا، وأخذ ينقل نصوصه إلى الإنجليزية. وهي أيضا حال إميلسيوران الذي تبيّن له أن الكتابة باللغة الرومانية لن تخرجه من منطقة الظل.
لا تكتفي الترجمة الذاتية بأن تعيد النظر فيما يسمى اللغة الأم، بل إنها تضع موضع سؤال التمييز بين المؤلف والمترجم، بين الإبداع والترجمة، بين الأصل والنسخة. أو على الأقل، يفقد مفهوم الأصل القيمة التي كانت تعطى إياه. لعل ذلك ما دفع بعض الدارسين إلى القول إن الأصل، في هذا النوع من الترجمة، يوجد بين لغتين، وهم يستدلون على ذلك بحالة صامويلبيكيت. إذ أخذت الأكاديمية السويدية بعين الاعتبار مؤلفاته جميعها الفرنسية والإنجليزية، لمنحه جائزة نوبل.فكأنما اعتبرت النصّ الأصلي بين اللغتين.وبعدأن اطلع نابوكوفعلى الترجمة الإنجليزية لروايته الغرفة السوداء، كتب سنة 1935: "هذه الترجمة تقريبية، مرتجلة، ممتلئة زلات ونقائص، تعوزها الدقة. كل هذا يسيء إلى مؤلف يحرص في عمله على الدقة المطلقة فيأتيالمترجم ليهدم كل جملة من جمل نصه".
وأورد المترجم السوري معاوية عبد المجيد، نموذج رواية "في الطريق إلى برلين" للكاتب السوريّ يوسف وقّاص الذي كتب روايته هذه بالإيطاليّة أوّلًا ثمّ نقلها إلى العربيّة. لتكون أرضيّة مناسبة لرصد التقنيّات التي اعتمدها الكاتب-المترجم، والاختلافات بين النصّين من الناحية اللغويّة والبنيويّة والتأويليّة، والتشابهات التي استطاع الكاتب الحفاظ عليها خلال عمليّة الترجمة الذاتيّة.
مقومات الترجمة الناجحة
ركزت المترجمة البريطانية أليس جوثري على أهميّة التحرير ثنائيّ اللّغة والتقييم ثنائي اللّغة في تطوير الترجمة الأدبية من اللّغة العربيّة إلى الإنكليزيّة. وأكدت على أهميّة الممارسة التحريريّة ثنائيّة اللّغة، في سياق الترجمة الأدبية من اللّغة العربيّة إلى الإنكليزيّة، وأهميّة التقييم ثنائي اللّغة، في كلّ جوائز ومنح الترجمة من العربيّة إلى الإنجليزيّة. فالممارسة التّحريرية ثنائيّة اللغة ضروريّة لتطوير طرق الترجمة والتقييم المنصف، للنصوص الّتي تستحقه. وكذلك، لأن تبنّي التحرير ثنائي اللّغة على نطاق واسع يعدّ من الخطوات الأساسيّة في اتّجاه تفكيك الصبغة الاستعمارية، فقبول المعنى التقريبي في الترجمات الأدبيّة من اللّغة العربية إلى الإنكليزية كان جزءاً من الإرث الثقافي الاستشراقي للاستعمار.
تُضيف أليس، أن الوضع الحالي، الذي يتمّ فيه تقييم النصوص الأدبيّة المترجمة، وتحريرها دون الرجوع إلى العمل الأصلي، يُمثّل مشكلةً في كل مرحلة من مراحل حياة العمل الأدبي المُترجم من العربية: فلا تستخدم المنح الرئيسية أي وسائل جادّة لتقييم جودة الترجمة التي سيتم تمويلها، ولا يقوم المُحرِّرون بفحص الترجمات من خلال مقابلتها مع النص الأصلي، للتأكد من دقّتها، والنُقّاد الذين يكتبون عن الأدب المترجم في الصحف والمجلات لا يتمتّعون بالمهارات اللّغوية التي تخوِّلهم القيام بالمقارنة مع النصّ الأصلي إلا فيما ندر.
هذا الغياب شبه التام للقراءة النقديّة ثنائيّة اللّغة للترجمات من العربيّة إلى الإنجليزيّة له تأثير ضار على جودة الترجمة، فلا يتم فقط تمرير الترجمات الخاطئة، بل حتى المكافأة عليها.فهناك ترجمات من العربية حازت على جائزة شهيرة في لندن رغم أنها كانت ممتلئة بالأخطاء. إن سوء التعامل مع النص يكرّس الفكرة الاستشراقيّة عن "الشرق المُلْغَز" ليبدو أن العربيّة لغة غامضة ولا يمكن فهمها. كما أن العديد من المسابقات التي يتمّ التقييم فيها بطريقة أحاديّة اللّغة (مثلاً، البوكر الدوليّة) تعزز هذا النموذج. والتحدي الأكبر أمام تعميم ممارسة التحرير ثنائيّ اللّغة في النشر الأدبي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يتمثل في ندرة وجود الأشخاص القادرين على التحرير ثنائيّ اللغة في هذا القطاع حالياً. وللوصول إلى تقييم ثنائيّ اللّغة وجيّد يتوجب تعيين خبراء مجيدين للّغتين بعناية (مثل المترجمين أو الأكاديميين أو غيرهم من المتخصصين) ومُهيئين بالكامل لإجراء هذا التقييم، ويجب أن يتقاضوا أجوراً مناسبة للقيام بذلك.
هل نثق بترجمات الذكاء الاصطناعي؟
ركزت مداخلة الباحث العماني محمود البحري المهتم بتقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، على برامج الترجمة الآلية التي أزالت جميع حواجز اللغة تقريبًا. إذ يبلغ عدد اللغات في مثل هذه البرامج العشرات، على سبيل المثال،في Google-Translate أو PROMT، تستغرق معالجة النص في المتوسط من 5 إلى 10 ثوانٍ، اعتمادًا على مقدار نص المصدر وأداء الحاسب الآلي. وتسمح لك الترجمة الآلية بنقل الترجمة الفورية لصفحات الويب ورسائل البريد الإلكتروني، مما يبسط بشكل كبير عمليات الاتصال في العالم الحديث. حيث أصبحت الترجمة الآلية سمة مميزة للحياة اليومية، للتواصل مع متحدثين أصليين للغة أجنبية، والوصول إلى جميع أنواع مصادر المعلومات باللغات الأجنبية. وتتمثل المهمة الرئيسية لهذه الأنظمة، في كونها وسيلة لزيادة مستوى راحة الإنسان.
مع ذلك، نلاحظ في الآونة الأخيرة، أن هذه التقنية جعلت الإنسان رهينة. والسبب الرئيسي هو ضيق الوقت بينما يتزايد حجم المعلومات باستمرار، والذي يرتبط أيضاً بتطوّر التكنولوجيا في العالم الحديث، واللّامركزية المطلقة للمعلومات. وتمتلك هذه التقنيات، الخصائص الأساسية لكائن حي: خوادم الويب، المكتبات الإلكترونية وقواعد البيانات، وما إلى ذلك، وبرامج الترجمة الآلية التي تطرح صعوبات جمة في التعبيرات المتلازمة والمركبة والمتعددة الكلمات كمداخل معجمية، بخاصية التوزيع بين المفردات الذي يقع في منطقة محددة. وقد أصبح التعرف على المنطقة المعتمة في مقاربات علمية كثيرة، يشكل المدخل الرئيس لفك الالتباس على مستوى التعبيرات المذكورة، ومن ثم على مستوى الترجمة.
استعمل كل من غسان مراد، ولينا باسيلمصطلح الأزمة لوصف أيّ حدث يؤدي إلى عزلنا عن العالم وحرماننا من تجربتنا المعتادة في الحياة. بعدما أجبرتنا أزمة كورونا على خلع الأقنعة (ووضع أقنعة أخرى) عن الأزمات كافة، والتعامل مع ما يحصل من دون "قفازات"، قبل أن نتمكّن من تقديم إجابات. وبالارتكاز على التشخيص النسبي للواقع، دفعتنا الأزمة الصحية، إلى تبنّي التقنيات كحلّ لكل الأمور الحياتية، في الوقت الذي كانت فيه أحد أسباب تفاقم الأزمات على أنواعها. وهنا أتى دور الرقمنة التي تدفع بنا إلى تبني الفكرة المحتملة القائمة على دخولنا مرحلة بناء حضارة جديدة؛ حضارة الإنسانية الرقمية، التي نُعرفها على أنها منهجية إبداع في العلوم الإنسانية، جراء التداخل بين الثقافة بمفهومها الواسع والرقمنة. فعندما يصبح التواصل المباشر صعباً، فإن الاعتياد الدائم على استخدام التقنيات كوسيلة للتواصل يصبح الأساس.
انطلاقاً من ذلك، طرح الباحثان السؤال عن واقع الترجمة الآلية للغات التي لا تتمتع بكثافة محتواها الرقمي المترجم وغير المترجم، وطرح السؤال هل يوجد ترجمة آلية بين هذه اللغات والعربية؟ وما هي جودة نتائج هذه النصوص المترجمة؟ فبعد دخول الإنسانية بأسرها إلى العالم الافتراضي، بعدما كانت في مرحلة انتقالية "ناعمة" بين ثقافة المطبوع والثقافة الرقمية، فإنّ عالم الترجمة لم يسلم من هذا التأثير، إذ احتاج إلى التأقلم مع التقنيات والعمل عن بعد. من ناحية أخرى، تطلّب الوضع المستجد استخدام الانترنت بشكل كثيف ومستمر بحثاً عن آخر المستجدّات والإحصاءات ونتائج الدراسات، وأصبحت المعلومات مهما كانت اللغة التي كُتبت بها حاجة ضرورية، كما أصبحت ترجمتها وبسرعة عبر استخدام تطبيقات الترجمة الآلية ضرورة حتمية نظراً لندرة المعلومات ذات الصلة.
انطلاقاً من ذلك، فإذا كانت الترجمة الآلية بين اللغات الأكثر حضوراً على الإنترنت،إلاّ أنّها تصبح أكثر صعوبة مع الدول ذات المحتوى الرقمي الأقل حضوراً، كما هو الحال في بعض اللغات كالكازاخية والرومانية والفيتنامية وغيرها، مما يؤثر على جودة الخوارزميات التي ترتكز في عملها على كثافة البيانات المترجمة بين هذه اللغات، كما أن هذه الخوارزميات التي تعتمد تطبيقات الترجمة الآلية تتعلم "التعلم الآلي والتعليم العميق" من الترجمات البشرية، إذ تحلل ملايين الكلمات من النصوص المترجمة لتتحسن دقتها.
الإنسان الذكي أمام البرنامج الأذكى والترجمة الآلية
قد تكون الترجمة الآلية غير دقيقة نظرًا لاعتمادها على الذكاء الاصطناعي الذي يعمل وفق ما يتوفر لديه من ترجمات المستخدمين، التي تحفظها ذاكرة البرنامج. وبالتالي فهي لن تُقدّم ترجمة صحيحة وسليمة كُليا للمعنى المقصود. حسب مداخلة الباحثة المصريةمَها مراد، التي أضافت أن الحاجة لترجمة دقيقةظهرت كضرورة مستعجلة في فترة كورونا. فالترجمة الطبية يجب أن تكون بمنتهى الدقة، في مجالات القطاع الطبي من دراسات وأبحاث علمية أو تعليمات وإرشادات استخدام الأدوية والأجهزة الطبية، سواء من حيث المعنى أو المصطلحات، لأن خطأ واحدًا في الترجمة يمكن أن يكون له عواقب وخيمة. كما يمكن لأدنى قدر من عدم الدقة، أن يؤدي بالطبيب إلى استخدام الجهاز بشكل غير صحيح، أو إعطاء جرعة خاطئة من الدواء، ما قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة وحتى قاتلة.
في النتيجة، لا مجالَ إطلاقًا لأي أخطاء حتى لو كانت بسيطة، في مجال ترجمة النصوص الطبية، حيث سيكون لها أثر خطير على المرضى، على الرَّغم من أن الباحثين في مجال الترجمة الآلية يعملون جاهدين لتطويرها وتحسينها. وانطلاقاً من ذلك، طرحتمَها مراد عدة تساؤلات، هل تطبيقات الترجمة الآلية لها دور ما عندما تكون جودة الترجمات ضرورية للحد من المخاطر؟ وما هي هذه الآلية؟ وما دور التطبيقات المساعدة للترجمة التي ترتكز على عمل الخبراء في إنشاء ذاكرات الترجمة والمسارد من مشاريع ودراسات سابقة، كما ترتكز بشكل تلقائي على تحديد أي مقطع نصي مشابه لترجمة سابقة، ممّا قد يساعد المترجم في عمله ويسرّع عملية الترجمة برمّتها. ولكن ذلك يبقى رهن نحت المصطلحات المستجدة الناتجة من جراء الجائحة والأزمات التي هي بحاجة إلى أن تُوضع أمام المترجم.
النص القرآني بين يدي الترجمة
في جلسة حول الترجمة الدينية، ألقىالمترجم الروماني الذي ترجم القرآن الكريم إلى اللغة الرومانية جورج غريغوري، الضوء على صعوبات نقل النص القرآني إلى اللغة الرومانية، تركيزا على الترجمة التي أنجزها سيلفيستروأوكتافيانأسوبيسكول عام 1912، الذي كان أستاذا في كلية اللاهوتفي مدينة ياشي/ رومانيا. ووقفغريغوري على أبرز الصعوبات التي واجهها أسوبيسكولوأهم الأخطاء التي ارتكبها، أثناء عملية النقل وهي تعود إلى عدة أسباب منها: تأثره بالتراجم القروسطية الأوروبية (خصوصا التراجم إلى اللغة اللاتينية). والتراجم الألمانية المعاصرة له واستيعابه عدة أخطاء منها، واستخدام ألفاظ مأخوذة من تراجم الكتاب المقدس إلى اللغة الرومانية. وهي لا تلائم أحيانا المصطلحات الإسلامية، وعدم أخذه بالاعتبار الفوارق بين دلالات الألفاظ القرآنية والدلالات التي اكتسبتها هذه الألفاظ فيما بعدفي المؤسسات الإسلامية، مثلا كلمة "خليفة" أو كلمة "شريعة" وغير ذلك. وإيجاد مرادفات للألفاظ القرآنية الخاصة بالطقوس الدينية إلى اللغة الرومانية (مثلا "صلاة" و"صوم" وغيرها).
من جهتها لفتت الباحثة المغربية في العلوم الشرعية مينة الحجوجي الانتباه إلى أن هذه الإشكالات تجعلنا نقف على صعوبة ترجمة النص الديني بصفة عامة والنص الفقهي بصفة خاصة. فهي ترجمة متخصصة تفرض على المترجم التوفر على أدوات ومهارات، إضافة إلى المهارة اللغوية ثُمَّ تحرِّي الصواب والصدق في نقل المعنى. إن هذا النوع من الترجمة يستدعي فرض رقابة علمية جدية عليه، لكون مخرجاته تتعلق بتكوين صورة صحيحة عن الدين تجعل سلوك المكلف (المترجَمِ له) موافِقا لمقصود الشرع.
ويمكن أن تكون صعوبة ترجمة النص الفقهي الإسلامي راجعة إلى طبيعة بعض المفردات الفقهية اللصيقة بالبيئة والحضارة العربية التي لا يجد المترجم مقابلا لها في اللغة الهدف مثل: التَّصْرية– الظِّهار – الخُلع – المساقاة – الاستهلال… وقد ترجِع الصعوبة إلى خصوصية التراكيب العربية، وذلك لأن اللغة العربية تتميز عن أغلب اللغات من حيث تركيب الجمل، ومن أمثلة ذلك إمكانية بدإ الجملة العربية بفعل وهي من خصوصيات هذه اللغة.
قد تكون الصعوبة بلاغية، بحيث يصعب على المترجم أحيانا نقل النص ببلاغته وجماله إلى اللغة الهدف. خاصة إذا تعلق الأمر بالنصوص الفقهية القديمة التي تميز مؤلفوها بأسلوبهم الغني بالأساليب البلاغية التي يصعب مقابلتها ونقلها إلى اللغة الهدف. أضف إلى هذا كله صعوبة إدراك المعنى الفقهي الحقيقي للنصوص الفقهية والذي يحتاج إلى امتلاك المترجم لملَكة فقهية خاصة، تحتاج إلى حد أدنى من التخصص في العلوم الشرعية.
كانت تلك بعض أهم الأفكار في المداخلات التي تواصلت على يومين في الدوحة، في فعاليات المؤتمر الدولي حول الترجمة والمثاقفة، الذي يواكبه سنويا توزيع جوائز حمد للترجمة والتفاهم الدولي على الفائزين. وقد ركزت الجائزة هذه السنة على محور اللغة العربية والتركية. حيث فاز عدد من المترجمين بين اللغتين بجوائز مهمة، كان من ضمنهم أربع مترجمين أتراك ترجموا أربعة كتب من المغرب من العربية إلى التركية، هذه السنة. وهي كتب لكل من، محمد عابد الجابري، وطه عبد الرحمان من المعاصرين، وابن رشد وابن ميمون الذين يمثلونجزء من الماضي المزهر للفلسفة في المغرب والأندلس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.