صدر التقرير السنوي الثامن عن حالة المحيط، الصادر عن برنامج "كوبيرنيكوس" البحري ومنظمة "ميركاتور أوشن"، ليكشف عن تأثيرات تغير المناخ على المحيطات والبحار الأوروبية، مع تسليط الضوء على مدينة مليلية، هذه المدينة الساحلية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، التي طالما كانت نقطة استراتيجية للتجارة والتبادل الثقافي، أصبحت الآن تحت رحمة التغيرات المناخية والظواهر الجوية المتطرفة. في أبريل 2022، تعرض ميناء مليلية لعاصفة عنيفة غير مسبوقة تسببت في تدمير جزئي للبنية التحتية البحرية. وفقا للتقرير، كان سبب هذه العاصفة مزيجا من الرياح القوية وانخفاض الضغط الجوي الذي أدى إلى ارتفاع أمواج ضخمة وصل ارتفاعها إلى سبعة أمتار، ووصلت الأمواج داخل الميناء إلى ارتفاعات قياسية بلغت 1.41 متر. وأظهرت الدراسات أن وتيرة العواصف المشابهة في المنطقة قد تكون أكثر تكرارًا مما كان يُعتقد سابقا، حيث تشير التوقعات إلى أن مثل هذه الظواهر المناخية قد تحدث مرة كل 25 عاما، بدلا من 53 عاما كما كان متوقعا في السابق.
استنادا إلى البيانات التي تم جمعها، كشف تقرير حالة المحيط أن العواصف البحرية في البحر الأبيض المتوسط تشهد زيادة ملحوظة في شدة الظواهر المناخية المتطرفة. وفي حالة مليلية، يعكس هذا الاتجاه زيادة في حدة الأمواج والظروف الجوية التي تسببت في تعطيل العمليات الملاحية وأثرت بشكل مباشر على الأنشطة الاقتصادية في المنطقة. كما أشار التقرير إلى ضرورة تكثيف جهود البحث العلمي لتطوير أنظمة إنذار مبكر وتخطيط حضري مستدام لمواجهة هذه التغيرات المناخية. ويشير التقرير إلى أن التغيرات المناخية تؤدي إلى تغييرات في أنماط التيارات البحرية وارتفاع درجات حرارة المحيطات، حيث تساهم هذه التغيرات في تصاعد ظواهر مثل "الحرائق البحرية" أو "الموجات الحرارية" التي تضر بالتنوع البيولوجي. في عام 2023، تأثرت 22 بالمائة من مساحة المحيطات العالمية بأحداث حرارية بحرية شديدة، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة. لذلك حذر الخبراء من تأثير هذه الموجات الحرارية الذي يتجسد في اختلال التوازن البيئي، حيث تؤدي إلى انقراض بعض الأنواع البحرية وظهور أنواع غريبة تضر بالأنظمة البيئية المحلية. تشير التوقعات إلى أن ارتفاع الأمواج البحرية والانخفاض المتزايد في مستويات الأوكسجين في المياه سيؤديان إلى تدهور الحياة البحرية، مما يؤثر بشكل غير مباشر على مصادر الرزق في المجتمعات الساحلية. في مليلية، تعتبر العمليات البحرية أحد المصادر الرئيسية للاقتصاد المحلي، وبالتالي فإن أي تعطيل في هذه العمليات بسبب الأحداث المناخية المتطرفة يمكن أن يسبب خسائر اقتصادية كبيرة. من المتوقع أن ترتفع تكاليف التكيف مع هذه التغيرات المناخية على المدى الطويل، مما يجعل من الضروري تبني استراتيجيات للتخفيف من المخاطر المستقبلية. في ظل هذه التحديات، يشدد التقرير على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين مرونة البنية التحتية الساحلية في مليلية. الاستثمارات في حماية الشواطئ وتحسين الأنظمة البيئية البحرية يمكن أن تكون خطوات فعالة في مواجهة آثار التغير المناخي.علاوة على ذلك، يلعب إشراك المجتمعات المحلية دورًا أساسيًا في تعزيز الجاهزية للمخاطر المستقبلية. كما أن تعزيز الوعي حول تأثيرات تغير المناخ وتوفير التدريب على إدارة الأزمات يمكن أن يساهم في بناء مجتمع أكثر صمودا. ويدعو التقرير إلى استغلال البحث العلمي والابتكار لمواجهة تأثيرات التغير المناخي على مليلية. حيث يمكن أن يشمل ذلك مشاريع مثل استخدام البيانات المناخية لتحسين إدارة الأزمات، وتطوير مصادر طاقة متجددة تعتمد على حرارة المياه البحرية. كما يشدد على أهمية التعاون بين الدول الساحلية، مثل إسبانيا والمغرب، لتعزيز الحماية المشتركة للسواحل. في حين أن البحر الأبيض المتوسط أصبح مصدراً للمخاطر بسبب التغيرات المناخية، فإنه أيضًا يحمل فرصًا واعدة إذا تم استغلاله بطرق مبتكرة. على سبيل المثال، يحيل التقرير على تقنيات استخراج الحرارة من مياه البحر، التي يمكن أن تساهم في إنتاج طاقة مستدامة، خاصة في فصل الشتاء عندما تنخفض درجات الحرارة في المدن الساحلية مثل مليلية.