مع توقعات بأن يتجاوز الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي حاجز 632 مليار دولار بحلول سنة 2028، كما أوردت مجموعة بوسطن للاستشارات في تقريرها الأخير حول "مصفوفة نضج الذكاء الاصطناعي: أي الاقتصادات مستعدة للذكاء الاصطناعي؟"، يصبح من الحتمي أن يراجع المغرب موقعه في خارطة التحوّل التكنولوجي العالمية، ويعيد النظر في مقاربته لتبني هذا المجال الثوري الذي بات يحدد معايير التنافسية والنمو على الصعيد الدولي. وفقا للتقرير، تم تقييم 73 اقتصادا حول العالم ضمن مصفوفة نضج الذكاء الاصطناعي، التي ترتكز على بُعدين رئيسيين، وهما مدى تعرّض اقتصاد ما لتأثيرات الذكاء الاصطناعي سلبا أو إيجابا، ومستوى جاهزيته للاستفادة من هذه التأثيرات وتطويعها للنمو والازدهار. المغرب، حسب هذا التقييم، مُصنّف ضمن فئة "الممارسين التدريجيين"، وهي فئة تضم دولا ما زالت في طور التدرج في تبني الذكاء الاصطناعي، وتعاني من ضعف نسبي في القدرات التكنولوجية، خصوصا في ما يتعلق بالبنية التحتية، المهارات، والاستثمار في البحث والتطوير.
التقييم الرقمي المفصل لمستوى نضج المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي يظهر تراجعا مقلقا في مجموعة من المؤشرات الحساسة. فالمغرب لم يحقق سوى 38 نقطة من أصل 100 في مؤشر "أسبير" الذي طورته مجموعة بوسطن، وهو مجموع مركب يقيس الأداء العام عبر ستة أبعاد رئيسية. فعلى مستوى "الطموح" الذي يقيس وجود استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، لا يتجاوز رصيد المغرب 10 نقاط من أصل 10، ما يشير إلى جهود رسمية أولية لكنها لم تترجم بعد إلى نتائج ملموسة. غير أن المشكلة الأعمق تكمن في ضعف البنية المهارية، إذ لم يحقق المغرب سوى 8 نقاط من أصل 25 في مجال "المهارات"، ما يعكس قلة عدد المتخصصين في الذكاء الاصطناعي وضعف المساهمة العلمية على المنصات الرقمية المفتوحة مثل " غيت هَب" و" كاغل". أمّا في ما يخص السياسات والتنظيم، فقد حصل المغرب على 6 نقاط من أصل 10، وهو أداء مقبول نسبيا ويعكس بعض النضج في الحكامة الرقمية وجودة الأطر القانونية، غير أنه يظل دون مستوى الدول التي تشكل طليعة التغيير في هذا المجال. ويظهر الضعف الأكبر في المغرب في محور "الاستثمار"، حيث لم يحقق سوى نقطتين من أصل 15، مما يشير إلى شحّ في الاستثمارات في الشركات الناشئة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وغياب شبه تام لرؤوس الأموال المغامِرة الداعمة لهذا النوع من الابتكار عالي المخاطر والمردودية في الوقت ذاته. تتجلى آثار هذا التراجع أيضا في مجال البحث والابتكار، حيث لم يتجاوز رصيد المغرب نقطة واحدة فقط من أصل 15، ما يعكس غياب الحضور العلمي في المحافل الدولية ومحدودية براءات الاختراع والمشاريع البحثية المخصصة للذكاء الاصطناعي. أما على مستوى البنية التحتية الرقمية والخدمات، فقد حصل المغرب على 11 نقطة من أصل 25، وهو أداء يمكن اعتباره متوسطا لكنه لا يواكب تطلعات دولة تسعى إلى أن تكون رائدة في اقتصاد المعرفة. ويتبين من خلال هذه المعطيات أن المغرب يواجه تحديات هيكلية عميقة تعيق قدرته على التقدم نحو مصاف الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، رغم توفره على بعض المقومات الأولية مثل الطموح السياسي والاهتمام المؤسساتي بالتحول الرقمي. مقارنة بدول مثل الإمارات والسعودية، اللتين تم تصنيفهما ضمن "المنافسين الصاعدين" يتضح الفارق الكبير في الإرادة السياسية وحجم الاستثمارات ووضوح الرؤية الاستراتيجية. فهذان البلدان تمكنا من استخدام السياسات العمومية بشكل ذكي لتسريع وتيرة تبني الذكاء الاصطناعي، من خلال تطوير البنية التحتية، جذب الاستثمارات، وتحفيز الابتكار المحلي. هذا في حين أن المغرب ما زال يعتمد في مجمله على مقاربات تجريبية غير مهيكلة بشكل يسمح بإحداث أثر اقتصادي ملموس في المدى المتوسط أو الطويل.