لم أكن أعتقد أن تطبيقًا هزليًا مثل "تيكتوك" سيتحول إلى مرآة ضخمة تعكس أعماق النفس المغربية بهذا الشكل الفج والمثير. في البداية ظنناه مجرد منصة للرقص والتقليد والتفاهة العابرة، قبل أن يفرض نفسه كأكبر مسرح علني للبكاء الجماعي، وللفضح الطوعي، وللهروب من واقع لم نعد قادرين على مواجهته إلا عبر الكاميرا. اليوم، مغاربة تيكتوك في كل مكان: في شوارع باريس ومراكش ونيويورك وتورنتو… يرقصون، يبكون، يشتمون، يستعرضون، يتوسلون، ويتباهون. يفضحون أسرارهم وأسرار غيرهم، يتحدثون عن أمهاتهم وآبائهم وإخوانهم وزوجاتهم كما لو أن الجمهور هيئة إنصاف يجب أن تصدّق الرواية وتُصدر الحكم. هذه الظاهرة ليست مجرد تسلية، إنها تحوُّل ثقافي عميق. كنا نظن أن المغربي كتوم، يحفظ أسراره داخل "الدار الكبيرة"، ولا يتحدث عن مشاكله إلا همسًا. تيكتوك قال العكس. كشف أننا شعب يعاني من احتقان مزمن، من قهر قديم، من رغبة جارفة في أن نُرى ونُسمع ونُصدّق. أصبحنا نمارس البوح على العلن. الكل يتكلم: السجين، الطالب، السكير، اليتيم، السياسي، الراقصة، الفقير، العابر، والمهاجر. في كل فيديو، أكتشف مغربًا جديدًا. مغربًا لا يشبه الصورة النمطية التي تربينا عليها. مغربًا فيه الألم واضحًا، والفرح مبالغًا فيه، والصدق متداخلًا مع الاستعراض، والبساطة مُمسرَحة بشكل فج. لا أحد يخجل. بل هناك افتخار بالانكشاف. كأننا نطالب العالم بأن يشهد على ما نحن فيه. كأننا نقول: "نحن هكذا، افعلوا ما شئتم." منصة تيكتوك فضحت الجميع: السياسة، الدين، الأسرة، الأخلاق، الاقتصاد، والعلاقات الإنسانية. رأينا إخوة يتنمرون على بعضهم، وأزواجًا يرقصون طلبًا للدعم، وسياسيين يشتمون بعضهم كما يفعل الصبية في الأزقة. هذه ليست مجرد تفاهات، بل مؤشرات على تصدع اجتماعي خطير، وعلى أزمة هوية جماعية لم نعد نحسن التستر عليها. نعم، هناك جمال في هذا الانكشاف: رأينا مغاربة في أعالي الجبال يغنون، ويُبدعون، ويتحدّون الإقصاء. رأينا شبابًا في المهجر يحكون عن تجاربهم بصدق، ويشاركون نصائح قيّمة. ولكن بين هذا وذاك، رأينا أيضًا الكثير من القبح: نرجسية، كراهية، تنمر، استغلال للعاطفة، وبطولات زائفة مبنية على عدد المشاهدات. أنا لا ألوم تيكتوك، فهو مجرد أداة. اللوم يقع على واقع اجتماعي وسياسي وإعلامي جعل من هذا التطبيق صمام الأمان الوحيد للكثيرين. صار بديلًا للمقهى، للمنبر، للبيت، للرفيق، وأحيانًا للطبيب النفسي. لم نعد نملك سوى هواتفنا لنصرخ فيها، نبوح من خلالها، ونرقص حين نعجز عن البكاء. أعترف، أنا أيضًا مدمن على تيكتوك. أدخله متألمًا فأخرج ضاحكًا، وأدخله باحثًا عن النكتة فأخرج مفجوعًا بقصة حزينة. فيه أجد بعضًا من مغربيتي التي فقدتها وسط صخب الحياة، وأكتشف أننا في نهاية المطاف شعب رهيف الإحساس، مستعد لأن يفعل أي شيء ليُحَب، ليُلاحَظ، أو فقط ليُصدّق أنه ما زال حيًّا. تيكتوك لم يصنع المغاربة الجدد. فقط سلّط الضوء عليهم. أما نحن، فعلينا أن نقرر: هل نواجه هذه الحقيقة كما هي؟ أم نواصل الهروب… ولكن هذه المرة أمام الكاميرا؟