في أحدث مراجعة علمية لظاهرة الحرارة القصوى حول العالم، تبين أن تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري جعل موجات الحرّ أكثر شدة وتكرارا خلال العام الماضي، في عام هو الأشد حرارة في تاريخ الأرض. ولم يكن المغرب استثناء، إذ سُجل فيه تأثير واضح لتغير المناخ على عدد الأيام الحارة وانحراف درجات الحرارة عن معدلاتها المعتادة. التقرير الذي جاء عشية "يوم العمل ضد الحر"، يستند إلى تحليل علمي شامل امتد من الأول من ماي 2024 إلى الأول من ماي 2025، وهي الفترة التي شهدت تسجيل أعلى درجات حرارة عالمية على الإطلاق، بما في ذلك أشد شهر يناير حرارة في التاريخ المدون. وقد أعد التقرير كل من " شبكة تقييم تأثيرات الطقس العالمي"، و"مركز المناخ التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر"، و"المركز المعني بالمناخ"، ويخلص إلى أن تغير المناخ جعل موجات الحر أكثر حدة وطولا وانتشارا.
أورد التقرير معطيات دقيقة تفيد بأن المغرب سجل انحرافا حراريا سنويا متوسطا مقداره 0.7 درجة مئوية، وهو رقم يبدو معتدلا نسبيا مقارنة بجيرانه مثل الجزائر (1.6 درجة) وتونس (1.3 درجة) وليبيا (1.5 درجة). لكن الأرقام تكشف عمق التأثير المناخي، إذ عرف المغرب خلال هذه السنة 43 يوما بدرجات حرارة تتجاوز عتبة ال90 بالمئة مقارنة بالسجلات المناخية طويلة الأمد، منها 24 يوما يمكن نسبتها مباشرة إلى تغير المناخ، وفق ما ورد في بيانات "المركز المعني بالمناخ" المرفقة بالتقرير. وقد شهد المغرب خلال السنة قيد التحليل موجتين حارتين استثنائيتين، أولاهما ما بين 18 و23 يوليو 2024، وامتدت إلى دول أخرى من حوض البحر الأبيض المتوسط كإسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان. تميزت هذه الموجة بانحراف حراري قدره 2.3 درجة مئوية، وقدر العلماء أن تغير المناخ جعل وقوعها أكثر احتمالا بما يعادل عشر مرات مقارنة بعالم لم يشهد الاحترار الحالي. أما الموجة الثانية فقد حدثت في أبريل 2025، بين 6 و11 من الشهر، وامتدت على رقعة واسعة من شمال وغرب إفريقيا، وشملت المغرب أيضا. هذه الموجة التي جاءت مبكرة نسبيا في الموسم، سجلت انحرافا حراريا قدره 1.2 درجة مئوية، وزادت احتمالية حدوثها بفعل تغير المناخ بما يعادل خمس مرات، حسب تقديرات الباحثين. إقليميا، يُظهر التقرير أن شمال إفريقيا بأكمله يعيش تصاعدا مقلقا في مؤشرات الحرارة القصوى. فقد سجلت الجزائر أعلى انحراف حراري في المنطقة (1.6 درجة مئوية) مع 59 يوما حارا جدا، منها 34 يوما تعزى مباشرة لتغير المناخ. كما عرف المصريون 105 أيام من درجات حرارة قصوى خلال العام، منها 68 يوما بفعل الاحترار العالمي، ما يجعل من مصر واحدة من أكثر دول المنطقة تأثرا كمًّا. وتأتي تونس وليبيا خلف الجزائر ومصر في حجم التأثر، في حين يُظهر المغرب تمايزا نسبيا بفضل تداخله المناخي الأطلسي – المتوسطي، إلا أن السياق العام لا يعفيه من التهديد طويل الأمد. أما في الإطار المتوسطي الأوسع، فتشير المعطيات إلى أن دول جنوب أوروبا لم تكن بمنأى عن موجات الحر المتفاقمة. فقد سجلت إسبانيا مثلا انحرافا حراريا مماثلا للمغرب (0.7 درجة)، لكن بعدد أيام حرّ أكبر (48 يوما)، منها 30 يوما ناجمة عن تغير المناخ. وتبدو اليونان الأكثر تأثرا في هذا الحوض، بانحراف بلغ 1.4 درجة و81 يوما حارا، في حين سُجِّل في فرنسا 43 يوما بدرجات حرارة قصوى مماثلة للمغرب، منها 25 يوما بفعل الاحترار العالمي، مما يضع المغرب في موقع حراري قريب من جيرانه الأوروبيين من حيث عدد الأيام، وإن كان السياق الجغرافي والمناخي مختلفا جذريا. وخلال الفترة المشمولة بالتقرير، عاش حوالي أربعة مليارات إنسان، أي ما يعادل 49 بالمائة من سكان العالم، ما لا يقل عن ثلاثين يوما بدرجات حرارة تُصنَّف ضمن أعلى 10 بالمائة من درجات الحرارة المسجلة في مناطقهم مقارنة بمتوسط الثلاثين سنة الماضية (1991–2020). ووفقا للتقرير ذاته، فإن عدد الأيام الحارة الشديدة قد تضاعف على الأقل في 195 بلدا وإقليما بفعل تغير المناخ، مما يؤكد أن الظاهرة لم تعد احتمالا نظريا بل واقعا ملموسا يمس مجتمعات بأكملها، خصوصا في المناطق المعرضة تاريخيا لدرجات حرارة مرتفعة مثل شمال إفريقيا. ويرى معدو التقرير أن كل موجات الحرّ المسجلة وعددها 67 خلال العام الأخير كانت متأثرة بتغير المناخ، وهو استنتاج ذو دلالة كبرى. فحتى في الحالات التي لم تؤدّ إلى خسائر مادية جسيمة، فإن تحليل البيانات يُظهر أن درجات الحرارة لم تكن لتبلغ المستويات المسجلة لولا العامل البشري في التغير المناخي. ويرى الخبراء أن هذا التحول يُحتِّم ليس فقط تعزيز أنظمة الرصد والتحذير، بل كذلك تسريع وتيرة السياسات التكيفية، بما في ذلك تخطيط المدن، حماية الفئات الهشة، وتطوير بنى تحتية مقاومة للحرّ، خصوصا في دول الجنوب التي تكون أقل استعدادا لمواجهة هذا النوع من الكوارث المتكررة. ويخلص التقرير إلى أن أزمة الحرارة القصوى أصبحت تهديدا صحيا واقتصاديا وأمنيا شاملا، لا سيما مع التوقعات بأن ترتفع وتيرة هذه الظواهر خلال السنوات المقبلة. في السياق المغربي، ورغم أن البيانات الحالية لا تضع البلاد في مصافّ أكثر الدول تضررا، إلا أن تكرار الموجات الحادة والتوسع الزمني لها يفرض واقعية جديدة في التخطيط البيئي والتنموي، خاصة في المدن الكبرى والمناطق الفلاحية.