مخلدين مرور عاميْن على "طوفان الأقصى" وما استتبعته من حرب إبادة وتجويع إسرائيلية مدمرة في قطاع غزة لم تضع أوزارها بعدُ، نزل مغاربة ومغربيات، من مختلف الفئات السِّنية والمهنية، إلى شوارع العاصمة الرباط في مسيرة شعبية وطنية كبرى، حشدت إليها كل من مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين والجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع. ورصدت جريدة هسبريس الإلكترونية توافد الآلاف، كبارا وصغارا، منذ الساعة العاشرة صباح اليوم الأحد خامس أكتوبر الجاري، إلى ساحة "باب الأحد" التي كانت منطلَق المحتجين قبل وصولهم إلى قبالة مقر البرلمان المغربي بشارع محمد الخامس؛ فيما انسجمت أصوات فاعلين متعددي المشارب والانتماءات من مختلف تلاوين اليسار إلى الإسلاميين مع أصوات مواطنين ومواطنات بلا انتماء قادمين من مختلف مدن المملكة. المسيرة الوطنية الكبرى، التي استمرت بأشكال وتعبيرات وشعارات متنوعة لأكثر من ثلاث ساعات والتي التأمت تحت شعار "الشعب المغربي بصوت واحد.. ضد الإبادة الجماعية، ضد التطبيع، مع المقاومة"، لم تخلُ من شعارات صادحة ضد استمرار حرب التجويع وأيضا التطبيع الذي وصفه المتظاهرون ب"العار". بينما تأتي في ظل مستجدات متسارعة تعرفها القضية الفلسطينية بعد رد إيجابي من "حماس" على الخطة الأمريكية، واستعدادها الدخول في تفاصيل مفاوضات الإفراج عن الأسرى، وكذلك بعد تدخل البحرية الإسرائيلية لإيقاف مسار "أسطول الصمود العالمي" لكسر حصار غزة. كما عرفت المسيرة، بمناسبة مرور عامين على السابع من أكتوبر، ضمن أبرز فعالياتها، إحراق العلَم الإسرائيلي مع الصدح بشعار "الموت لإسرائيل" في لحظة شدت انتباه وسائل الإعلام الحاضرة. كما تميزت أيضا بتأمين أمني كثيف لمحيطها والشوارع المؤدية إليها من لدن تشكيلات متنوعة من القوات المساعدة وعناصر الأمن الوطني. "تجديد لموقفٍ ثابت وسط آمال إنهاء الحرب" عبد الرحيم شيخي، أحد المغاربة العائدين بعد مشاركته في "أسطول الصمود العالمي" والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، قال إن "مشاركة آلاف المغاربة في هذه التظاهرة الكبرى تأتي لتجديد التأكيد على الموقف الثابت للشعب المغربي تجاه القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية وطنية وإنسانية في آن واحد، وللتعبير عن الرفض الشعبي الواسع لجرائم الحرب والإبادة التي يتعرض لها المدنيون في قطاع غزة لمدة عاميْن". وأوضح شيخي، ضمن تصريح استقته هسبريس على هامش المسيرة، أن "المغاربة، من مختلف المدن والانتماءات، يواصلون، منذ السابع من أكتوبر 2023، تنظيم وقفات ومسيرات تضامنية بشكل منتظم، في رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بضرورة وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، داعيا "الأممالمتحدة والهيئات الحقوقية إلى تحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية إزاء ما وصفه ب"الانتهاكات الممنهجة للقانون الدولي الإنساني" من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وأكد الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح أن "هذه المسيرة تشكل أيضا رسالة احتجاج ضد التواطؤ الدولي والصمت العربي والإسلامي، مشددا على أن دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة واجب أخلاقي وسياسي، وأن استمرار التعبئة الشعبية بالمغرب يعكس عمق الوعي الوطني بعدالة القضية الفلسطينية، ورفض المغاربة لأي تطبيع مع الكيان المحتل، مع ضرورة إنهائه في أقرب الآجال". وتفاعل شيخي مع ردّ المقاومة الفلسطينية، بقيادة "حماس"، على المقترح الأمريكي الأخير بقوله إنه كان "ردا سياسيا ذكيا ومتّزنا"، حيث عبّرت عن موقف إيجابي إزاء البنود الممكن قبولها، وفضّلت ترك بعض القضايا التي تحتاج إلى مزيد من التوضيح لتُناقش في إطار المفاوضات؛ فيما أحالت القضايا الكبرى إلى "الإجماع الوطني الفلسطيني، باعتبارها مسائل مصيرية لا يمكن لحركة واحدة أن تحسمها منفردة، بل هي من صلاحيات الشعب الفلسطيني بكل مكوّناته ومؤسساته التمثيلية". ويفتح هذا الموقف، وفق المتحدث للجريدة، الباب "أمام هدنة أو وقف لإطلاق النار؛ وهو ما يأمل الجميع أن يتحقق في القريب العاجل، رغم ما وصفه ب"الشكوك المشروعة" في التزام الكيان الصهيوني بأي اتفاق، بالنظر إلى سجله الطويل في خرق التفاهمات والتنصّل من الالتزامات الدولية". وختم شيخي تصريحه بالقول: "أيُّ استهداف جديد لأهل غزة بعد هذه المبادرات سيزيد من تشويه صورة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي، الذي أصبح أكثر وعيا بحجم المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون". "إصرار على التعبئة ووقف التطبيع" من جانبه، أكد عبد الحفيظ السريتي، منسق "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين"، أن المسيرة الوطنية الداعمة لفلسطين تبعث برسالة أساسية؛ وهي «الشعب المغربي اليوم بكامل مؤسساته ومدُنه خرج لِيؤكد موقفه الثابت إلى جانب القضية الفلسطينية»، مشيرا إلى أن "هذا التأييد امتدادٌ لتاريخ طويل من التضامن المغربي مع فلسطين امتدّ منذ ثلاثينيات القرن الماضي، سواء من خلال التضحيات أو الدعم المعنوي في الشارع والساحات العامة، وليس وليد السابع أكتوبر". وأضاف السريتي، في تصريح لهسبريس، أن "الحضور الواسع والكثيف في العاصمة اليوم يعكس إصرار المواطنين على مواصلة التعبئة حتى تحقيق العدالة وإنهاء المأساة الإنسانية في غزة". وأردف منسق "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" أن "محاولات بعض الأطراف السياسية لفرض أجندات التطبيع والسياسات التي فشلت في اختبارات الميدان «ستبوء بالفشل»، مشدّدا على أن تدمير البنيات التحتية لغزة لم ينجح في تهجير أهلها أو كسر صمودهم، وأن الرابط بين الفلسطينيين وأرضهم لا يزال قويا رغم الدمار. وناشد المتحدث عينه المسؤولين المغاربة من أجل الاستجابة لمطالب الشارع المغربي بقطع كل أشكال التطبيع و«إغلاق مكتب الاتصال»، الذي اعتبره "رمزا لتواطؤ لا يتوافق مع إرادة أكثر من 96 في المائة من الشعب المغربي"، حسب تعبيره. وختم السريتي قائلا إن المسيرة رسالة واضحة: «نحن مع مقاومة الشعب الفلسطيني ومطالب حريته»، مؤكدا أن الوقفات ستستمر حتى تتحقق أهداف التحرر وإنهاء نظام الفصل العنصري، وندّد بالوجود الاحتلالي لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية بوصفه آخر أشكال الاستعمار، داعيا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والعمل الفعلي لوقف الانتهاكات وإرساء سلام عادل وشامل في المنطقة.