تحل يوم الإثنين 8 شتنبر، الذكرى المئوية لإنزال الحسيمة، العملية العسكرية البرمائية التي أنهت فعلياً تجربة "المقاومة الريفية" بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي. وبينما تحتفي إسبانيا وفرنسا بالعملية باعتبارها نموذجاً عسكرياً غير مسبوق، يراها المغاربة، خاصة في منطقة الريف، باعتبارها واحدة من أكثر الصفحات مأساوية في تاريخهم المعاصر. بدأت الثورة الريفية سنة 1921 حين ألحق مقاتلو عبد الكريم هزيمة ساحقة بالجيش الإسباني في معركة أنوال، موقعة اعتبرت من أكبر الانكسارات الاستعمارية في القرن العشرين، حيث تكبدت إسبانيا نحو 13 ألف قتيل بينهم جنرالات وضباط كبار. الانتصار رفع من شأن المقاومة الريفية وأرغم مدريد على الانكفاء، فيما أخذت "المقاومة الريف" تتوسع وتثير قلق القوى الاستعمارية، حتى داخل مناطق النفوذ الفرنسي في المغرب، ووصل صيتها إلى بلدان بعيدة كانت واقعة تحت الاستعمار.
أمام هذا الخطر المتعاظم، وجدت إسبانيا نفسها عاجزة عن مواجهة المقاومة الريفية بمفردها، فاستدعت فرنسا للدخول في تحالف عسكري مباشر، انتهى بتنسيق غير مسبوق بين جيشي البلدين. وفي 8 شتنبر 1925، نفذ الأسطول الإسباني الفرنسي إنزال الحسيمة بمشاركة نحو 80 سفينة و19 ألف جندي و160 طائرة، في عملية أجهضت المشروع الريفي وأعادت فرض السيطرة الاستعمارية على شمال المغرب. لكن الإنزال لم يكن سوى بداية لحملة عسكرية شرسة استُخدمت فيها أسلحة محرمة، أبرزها الغازات السامة التي قصفت بها القرى والجبال الريفية، ما خلف آلاف الضحايا المدنيين. ويرى مؤرخون أن هذا الاستخدام المكثف للسلاح الكيماوي كان عاملاً حاسماً في إنهاك المقاومة، ودفع عبد الكريم الخطابي إلى اتخاذ القرار المؤلم بالاستسلام عام 1926 حفاظاً على أرواح أبناء منطقته. نُفي زعيم الثورة الريفية إلى جزيرة لاريونيون الفرنسية ثم إلى القاهرة، حيث قضى ما تبقى من حياته وهو يحمل غصة الهزيمة وظل يردد حلمه برؤية المغرب، بل والمغرب العربي كله، حراً مستقلاً من الاستعمار. وبعد مرور مائة عام على إنزال الحسيمة، لا يزال الحدث مثار جدل تاريخي وسياسي، بين رواية استعمارية تعتبره نصراً عسكرياً نموذجياً، وذاكرة مغربية تستحضره كجرح مفتوح يختزل صمود الريفيين في مواجهة تحالف استعماري غير متكافئ، واستخدام محظور للقوة أجهض باكراً واحدة من أبرز حركات التحرر الوطني في المنطقة وفي العالم.