إن الاحتجاجات التي تشهدها البلاد طيلة الأيام الماضية، والتي بدأت من أيت بوكماز وأكادير و"مستشفيات الموت"، وتوسعت لتشمل مدناً أخرى كان آخرها مدينة الجديدة التي انضمت إلى قافلة "جيل زد"، تذكرني بحراك 20 فبراير. المطالب التي يرفعها المحتجون مشروعة، والوضع متأزم. وقد كنت من الأكاديميين الذين دقوا ناقوس الخطر منذ لحظة "طحن محسن فكري". النموذج التنموي المنشود أدعوكم للاطلاع على مؤلفاتي حول "المدرسة النبوية اليوسفية"، ومؤلف "النموذج التنموي المنشود" بأجزائه الثلاثة، الذي لم أحصل حتى الآن على وصل إيداعه بعد مرور أكثر من سنتين على إيداعه لدى السلطات. قصة "الوصل" والموافقة على الطبع ليست سوى صيغة ملطفة للمنع وتقييد حرية التعبير، بل هي شكل من أشكال كبت الأصوات الحرة. مطالب "جيل زد" مطالب الحركة مشروعة، وهي تمثل الحد الأدنى. فالسياسات العمومية في العقد الأخير طغت عليها النزعة النيوليبرالية المتوحشة، وعمّقت الطحن الاقتصادي والاجتماعي للأغلبية، ورسّخت مجتمع "القلة المترفة". كما ازداد تحكم الأوليغارشية المالية والاقتصادية في القرار السياسي، وارتبطت السلطة بالتجارة، فكان المولود غير الشرعي: الفساد الذي نما وطغى. فلسفة البناء لا الهدم الفوضى التي يعيشها المجتمع تتطلب تضافر جهود العقلاء والمصلحين، بغض النظر عن المواقع والانتماءات. الوطن قاسمنا المشترك، وفي نجاحه نجاحنا جميعاً. شخصياً، أرغب في أن يكون قلمي أداة للبناء لا للهدم، خاصة وأن الأجيال الصاعدة تفتقد غالباً للتأطير والوعي بالمخاطر الداخلية والخارجية. نحن لا نريد أن تكون أوطاننا حطباً في لعبة شطرنج دولية. قلب سيرفر "الكاف" متوقف سأبتعد قليلاً عن الاحتجاجات، لكن الموضوع متصل بجوهر مطالب الناس: المستشفى أولى من ملعب الهوكي، والجامعة أجدى من ملعب بنسليمان. فقد فوجئ الرأي العام الرياضي بتعطل منصة الكاف الخاصة ببيع تذاكر كأس إفريقيا للأمم (دجنبر 2025 – يناير 2026) بسبب الإقبال القياسي. اعتذر الاتحاد القاري ودعا الجماهير لمحاولة جديدة. Visa Card و"السيستيم طايح" وقع العطل يوم الخميس 25 شتنبر، وكان يتعلق بحاملي بطاقات "Visa Card". الشركة المكلفة "ويتيكس" فرنسية مغمورة. لكن الأهم أن هذه الحادثة كشفت هشاشة البنية الرقمية المغربية والإفريقية. عبارة "السيستيم طايح" صارت مألوفة في البنوك، محطات القطار، CNSS، كنوبس، والمحافظة العقارية… رغم كل دعاوى "التحول الرقمي". في العمق، القضية قضية أموال وسيادة رقمية مفقودة. جمهور كرة القدم كرة القدم رياضة الفقراء. جمهورها في المغرب وإفريقيا من الطبقات الشعبية. هل يعقل أن يتحول هؤلاء بين ليلة وضحاها إلى حاملي بطاقات مصرفية لحجز التذاكر عبر الإنترنت؟ من سارع للحجز المبكر هم غالباً أبناء الميسورين، الذين يقتنون المئات لإعادة بيعها بأضعاف الثمن، كما حدث في فضيحة تذاكر مونديال قطر. فهل من متابعة قضائية حقيقية؟ "الضعيف أمير الركب" جاء في الأثر "سيروا بسير ضعفائكم"، أي أن الضعيف يقود القافلة. بناءً عليه، ينبغي أن تتاح تذاكر الملاعب أولاً للفقراء والبسطاء، لا للأغنياء وأصحاب البطاقات البنكية. والأمر نفسه ينسحب على المدرسة والجامعة والمستشفى والمواصلات. مسؤولية مشتركة وحوار وطني الأزمات ليست مسؤولية النظام وحده، بل أيضاً المعارضة في الداخل والخارج. الاختلاف طبيعي، لكن الخطر هو التطرف السياسي، سواء من جانب المعارضة أو السلطة. نحن بحاجة إلى توافق وترتيب الأولويات، لأن القادم أسوأ مما يظن أغلبنا. مطالب "جيل زد" معقولة وملحة. المطلوب إصلاح سياسي شامل، حوار وطني، حكومة وحدة وطنية، عقد اجتماعي جديد، وربما دستور منبثق عن هيئة تأسيسية منتخبة. الأولوية يجب أن تكون لبناء المدرسة والجامعة والمستشفى، لا الملاعب والمهرجانات. لقد حذرت مراراً من نمط إنفاق عمومي يفضل الهامشي والمظهري على الأساسي والضروري. التغيير الآمن والمتدرج هو الطريق الوحيد لتجنب الفوضى والمجهول. تفاصيل أوفى في برنامجكم "اقتصاد × سياسة"، كل اثنين وخميس على منصات التواصل. كاتب وأكاديمي من المغرب