على الرغم من الدعم غير المحدود الذي حظي به نتنياهو من الولاياتالمتحدة، فإن الجيش الصهيوني، المزوّد بأحدث الأسلحة والمسيطر على الجو والبحر والحدود البرية، عجز عن تحقيق أهدافه المعلنة: تحرير الأسرى، وتفكيك الأنفاق، ونزع سلاح المقاومة، وتهجير الفلسطينيين قسراً خارج غزة. وهذا ما سمّاه نتنياهو «النصر المطلق». على الساحة العربية، كان نتنياهو يطمح إلى توسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل السعودية وسوريا. أما المغرب، فقد أصبح المختبر الذي يُقام فيه نوع جديد من الحماية الصهيونية بهدوء، دون ضجيج. طموح نتنياهو هو جعله قاعدة خلفية لوجستية واستراتيجية للتوسع في إفريقيا. ولتحييد سوريا، الدولة الحدودية الاستراتيجية، يهدف إلى إشعال حرب بين العرب والدروز تمهيداً لتقسيمها واحتلال الأراضي الدرزية. لقد أظهرت هذه السياسة الصهيونية للحكومات العربية المتحالفة مع واشنطن أن دفاعها لا يمكن أن يُؤمَّن لا من قبل إسرائيل ولا من قبل راعيتها الأمريكية. وكانت الحلقة الأخيرة من العدوان الصهيوني على قطر دليلاً على ذلك. بل الأسوأ أن نتنياهو صرّح مراراً بأنه يسعى إلى «إعادة تشكيل المنطقة». وقد قرن القول بالفعل عندما عرض خريطة «الشرق الأوسط الجديد» التي اختفت منها فلسطين، وضُمّت فيها مساحات واسعة من لبنانوسوريا والأردن والعراق والسعودية ومصر إلى إسرائيل. وهكذا أدركت هذه الدول أن التهديد الحقيقي لا يأتي من إيران، بل من إسرائيل نفسها. فلقد روّجت دعاية ال«CIA» والموساد، عبر وسائل إعلام بعض الدول العربية ومن بينها المغرب، لسنوات طويلة أن إيران هي العدو الذي يجب القضاء عليه، مستخدمة صراعات إقليمية وخلافات مذهبية. في الوقت الذي كان فيه الاحتلال الإسرائيلي يرتكب إبادة جماعية في غزة ويمارس التطهير العرقي في الضفة الغربية، شنّ عدواناً على ست دول: لبنانوسوريا (حيث تمركز جيشه)، وإيران، وتونس، والعراق، واليمن. كما واصل حصار غزة مستخدماً الجوع سلاحاً للحرب، وهاجم السفن في المياه الدولية القادمة من أنحاء العالم لإغاثة السكان الجائعين. لقد أجبر الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته المسلحة التي لم تتوقف يوماً المحتلين على مراجعة حساباتهم، وأجبر ترامب على إعادة النظر في خطة «الريفيرا» الاستعمارية. وفي الوقت نفسه، تشهد المنطقة حركة واسعة لإعادة تشكيل التحالفات العربية على حساب الولاياتالمتحدة. فالسعودية، التي تقاربت سابقاً مع إيران، وقّعت مع باكستان، الدولة النووية، معاهدة للدفاع المشترك. أما مصر، فقد تقاربت مع إيران وتركيا، وأجرت معها مناورات عسكرية مشتركة مؤخراً. وقد اقترحت إيران تحالفاً عسكرياً مع دول الخليج. وأصبحت الصين وروسيا موردين رئيسيين للتجهيزات العسكرية المتطورة لكل من إيران ومصر والسعودية. لقد شكّلت مقاومة غزة محوراً لحركة تضامن عالمية غير مسبوقة مع الفلسطينيين وضد إسرائيل. فقد خرجت ملايين الناس في العالم دعمًا لحق الفلسطينيين في تقرير المصير ووقف الإبادة فوراً. وأطلقت هذه الحركة الشعبية العالمية مبادرات عديدة، من بينها الإضرابات والمظاهرات واحتلال المواقع الرمزية، وإرسال القوافل البحرية لكسر الحصار، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات منها، ووقف شحن الأسلحة إلى إسرائيل، وغيرها من الإجراءات. والجديد هو أن بعض الدول بدأت بفرض عقوبات على إسرائيل، مثل جنوب إفريقيا وكولومبيا وماليزيا وإسبانيا وإيرلندا وبلجيكا. كما أن العديد من الدول، من بينها المملكة المتحدة، منعت دخول بعض الوزراء والمستوطنين الصهاينة إلى أراضيها. تشبه هذه الحركة إلى حد كبير تلك التي سبقت سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في تسعينيات القرن الماضي. وفي الختام، يتضح أن مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة تمثّل خط الدفاع الأول في حرب أوسع تشمل إيران وجميع الدول الرافضة للخضوع للتوسّعية الصهيونية. لقد أحدثت غزة شرخاً عميقاً بين الإنسانية والكيان الصهيوني. وأصبح تحرير فلسطين رمزاً لهزيمة الصهيونية على المستوى العالمي. وكما لخّص الصحفي والمدوّن الأمريكي ألون مزراحي ذلك بقوله: «فلسطين ستُحرّر العالم من الصهيونية». (1) من خلال استبدال مبدأ «السلام مقابل الأراضي المحتلة» ب«السلام مقابل السلام»، سعت اتفاقيات أبراهام إلى دفن القضية الفلسطينية. وقد وقّعت عليها أربع دول عربية، من بينها المغرب. (2) انظر المقال: «حصان طروادة» بتاريخ 10 أكتوبر 2024.