يعيش ملف الصحراء الغربية جغرافيًا، المغربية سياديًا، آخر أطواره بعد اعتراف ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة والجمهورية الفرنسية، بمغربية الصحراء وبجدية وصواب مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب كسقف أعلى للمفاوضات من أجل طي هذا الملف نهائيًا. كما أن الصين أعلنت أنها لن تستخدم حق الفيتو ضد المقترح الأمريكي، ويرجح أغلب الباحثين والمتتبعين أن روسيا الاتحادية، وهي التي تدرك مصالحها الاستراتيجية جيدًا في القارة الإفريقية والموقع الجيوسياسي الهام للمملكة المغربية، لن تغامر بعرقلة مسار تسوية الملف داخل الأممالمتحدة. وقد انضمت إلى هذا التوجه عدة دول أوروبية كإسبانيا وبلجيكا، إلى جانب دول أخرى عبر العالم، اعترفت بمغربية الصحراء وجدية ونجاعة حل الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية المغربية. ومباشرة بعد إعلان مسؤولين أمريكيين، هما ديفيد وتكوف وجاريد كوشنر، أن مشكل الصحراء والعلاقات المغربية الجزائرية سيعرفان انفراجًا قبل ستين يومًا، تقدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية بمسودة قرار لمناقشتها داخل مجلس الأمن. ويُعتبر هذا المقترح من أقوى النصوص الداعمة للموقف المغربي منذ اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء سنة 2020. وقد تم إعداد الوثيقة اعتمادًا على نسخ مسرّبة وتحليلات موثوقة، ثم ترجمتها وتفسير سياقها السياسي والدبلوماسي. ينطلق مشروع القرار الأمريكي من ديباجة تذكّر بجميع قرارات مجلس الأمن السابقة حول الصحراء، وتؤكد دعمه الكامل للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي ستيفان دي ميستورا في جهودهما الرامية إلى دفع العملية السياسية قدمًا. كما تشدد على ضرورة توصل الأطراف إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، في انسجام مع مبادئ ميثاق الأممالمتحدة. والأهم في هذا النص أنه يحيط علمًا بالدعم الدولي الواسع لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والموثوق والواقعي، المقدم سنة 2007، باعتباره الأساس الأكثر مصداقية وجدوى لحل النزاع، مؤكدًا أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد القابل للتطبيق. و يدعو المقترح الأطراف إلى الانخراط الفوري في مفاوضات دون تأخير، باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض، مع الترحيب باستعداد الولاياتالمتحدة لاستضافة هذه المفاوضات وتعزيز مهمة المبعوث الأممي. كما يقرر تمديد ولاية بعثة الأممالمتحدة في الصحراء (المينورسو) إلى غاية 31 يناير 2026، وهي المهلة الزمنية التي ينبغي خلالها تحقيق تقدم ملموس نحو حل نهائي. وإذا لم يتحقق ذلك، فإن الأمين العام سيقدّم تقريرًا يقيم مستقبل البعثة، بما في ذلك إمكانية تعديل ولايتها أو إنهائها نهائيًا، وهو ما يشكل آلية ضغط قوية تربط استمرار البعثة بجدية المفاوضات ونتائجها. ويتّسم المقترح الأمريكي بوضوح لغته وابتعاده عن أي إشارة إلى خيار الاستفتاء أو الاستقلال، في تحول نوعي عن بعض القرارات السابقة التي كانت تستعمل تعبير «تقرير المصير» بمرونة تسمح بتأويلات متعددة. فالمسودة الأمريكية تُرسخ بشكل عملي استبعاد خيار الانفصال من أجندة التفاوض الأممية، وتكرّس الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره الحل الواقعي الوحيد الممكن. يأتي هذا المقترح في سياق دولي متشابك تزداد فيه المنافسة الأمريكيةالصينية في إفريقيا، ويتوسع فيه النفوذ الروسي في منطقة الساحل، في مقابل الأهمية الاستراتيجية المتصاعدة للمغرب كشريك أمني واستخباراتي واقتصادي موثوق للغرب. ومن هذا المنطلق ترى واشنطن أن استقرار المغرب ومنطقة شمال غرب إفريقيا يخدم مصالحها الإقليمية والأمنية الكبرى. يُكرّس المقترح الأمريكي رؤية المغرب باعتبارها الإطار الوحيد المقبول للتفاوض ويمنحه غطاءً دوليًا متينًا، كما يرفع من مستوى مسؤولية الجزائر التي باتت مطالبة بالانخراط الجاد في حل تفاوضي جديد أو مواجهة عزلة دبلوماسية متزايدة. في المقابل، يُعيد المقترح تقييم دور بعثة المينورسو، إذ لم يعد وجودها مسألة روتينية بل مرتبطًا بنتائج ملموسة، ما قد يؤدي إلى إعادة تهيئة دورها أو حتى إنهائها. كما أن غياب أي ذكر لخيار الاستقلال يضع جبهة البوليساريو أمام واقع سياسي جديد يصعب معه استمرارها في ترويج خطاب الانفصال. إن المقترح الأمريكي يمثل تحولًا نوعيًا في فلسفة التعاطي الدولي مع نزاع الصحراء، وانتقالًا من منطق التوازن الدبلوماسي إلى منطق الواقعية السياسية، حيث تُربط الشرعية الدولية بمفهوم الحكم الذاتي المغربي، وتُحدَّد مهلة فعلية للحل. وما دام أنه لم يتم إدخال أي تعديل جوهري على بنود المسودة من طرف أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر إلى حدود الساعة، فإن المقترح الأمريكي مرشح للنجاح، خاصة وأن المهلة المقررة، التي تنتهي في الواحد والثلاثين من يناير 2026، تمنح الأطراف فرصة حقيقية للتوصل إلى حل نهائي. وهكذا يُتوقع أن يفتح المقترح الأمريكي صفحة جديدة في مسار تسوية النزاع في إطار حكم ذاتي تحت السيادة المغربية، وأن يُمهّد لانفراج تاريخي في العلاقات المغربية الجزائرية، على قاعدة السلام والديمقراطية والمصالح المشتركة بين الشعبين الشقيقين.