يدلي سكان نيويورك، الثلاثاء، بأصواتهم لاختيار عمدة جديد لمدينتهم، في انتخابات تُعتبر من الأكثر رمزية وتأثيراً في تاريخ الحزب الديمقراطي الحديث، إذ تكشف عمق الانقسام داخل الحزب بين جناحه التقليدي المحافظ وجيلٍ صاعد من القيادات التقدمية، وتعبّر في الوقت ذاته عن تحوّلٍ واسع في المزاج الشعبي الأميركي، وخصوصاً بين الشباب، على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة وما خلّفته من زلزال سياسي وأخلاقي في الرأي العام. صدام جيلين واتجاهين داخل الحزب
يتنافس في هذه الانتخابات زهران ممداني، الأميركي المسلم من أصل هندي (34 عاماً) وأحد أبرز وجوه الجناح التقدّمي في الحزب الديمقراطي، مع حاكم الولاية السابق أندرو كومو (67 عاماً) الذي يخوض السباق كمستقل بعد خسارته في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب. أما المرشح الجمهوري كورتيس سيلوا (71 عاماً)، فحظوظه محدودة وفق استطلاعات الرأي. وترى أوساط سياسية أن هذا السباق يتجاوز مجرد انتخاب محلي إلى كونه اختباراً لمستقبل الحزب الديمقراطي بعد سلسلة اهتزازات طالت صورته منذ الحرب على غزة، إذ تتسع الهوة بين القاعدة الشابة للحزب، المتعاطفة بقوة مع القضية الفلسطينية، وبين قياداته التقليدية الداعمة لإسرائيل. ويعتبر كثيرون أن صعود ممداني يعكس هذا التحول القيمي العميق، لا سيما بعد أن وصف ما يجري في غزة بأنه "إبادة جماعية" وتعهد باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا دخل نيويورك "تطبيقاً لقرار المحكمة الجنائية الدولية". حملة تمرد على "أرستقراطية الحزب" قاد ممداني حملة ميدانية غير تقليدية، اعتمدت على أكثر من 95 ألف متطوع وتمويل شعبي واسع، مقابل حملة كومو المدعومة بملايين الدولارات من رجال أعمال وشركات عقارية كبرى. وحظي ممداني بدعم شخصيات ديمقراطية بارزة من بينها باراك أوباما، بيرني ساندرز، وحاكمة نيويورك كاثي هوكل، في حين أيّد العمدة المنتهية ولايته إريك آدامز منافسه كومو، وسانده رجال الأعمال إيلون ماسك ومايكل بلومبرغ. ويقول محللون إن المواجهة بين ممداني وكومو تجسد صراعاً بين "الاشتراكية الديمقراطية الجديدة" التي تدعو إلى نقل مجاني بالحافلات، وتجميد الإيجارات، وفرض ضرائب على الأغنياء، وبين "الليبرالية القديمة" التي تراهن على الوسطية والتحالف مع رأس المال. تحوّل في المزاج الأميركي تجري الانتخابات وسط مشاركة قياسية، مع تصويت مبكر لأكثر من 735 ألف ناخب، ما يعكس حماسة غير مسبوقة في المدينة ذات الغالبية الديمقراطية. وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدم ممداني بفارق يتراوح بين 7 و26 نقطة مئوية، لكن محللين يحذرون من مفاجآت محتملة، خاصة في ظل الدعم المالي الكبير الذي يحظى به منافسه. وتكتسب الانتخابات بعداً وطنياً لأن نتيجتها قد تحدد ملامح الحزب الديمقراطي قبل الاستحقاقات الرئاسية المقبلة. فصعود ممداني، إذا تُوّج بفوز واضح، سيعني أن تياراً شبابياً تقدّمياً نجح في فرض أجندته داخل أحد أهم معاقل الحزب، وأن موجة الغضب على سياسات بايدن في غزة لم تبقَ في الشارع فقط بل ترجمت سياسياً في صناديق الاقتراع. دلالات أبعد من نيويورك ويرى مراقبون أن فوز ممداني – وهو أول مسلم محتمل يتولى رئاسة بلدية نيويورك – سيعيد تعريف العلاقة بين الديمقراطيين وقواعدهم الاجتماعية، وقد يشجع تيارات اليسار الأميركي والأوروبي على إعادة صياغة خطابها حيال قضايا العدالة الدولية وفلسطين. أما في حال فوز كومو، فسيُقرأ ذلك كتمسك المؤسسة الديمقراطية القديمة بزمام المبادرة ولو مؤقتاً. أياً تكن النتيجة، فإن انتخابات نيويورك لعام 2025 تُعد مؤشراً حاسماً على اهتزاز الثقة في الطبقة السياسية التقليدية وصعود جيل جديد يرى في قضايا غزة والعدالة الاجتماعية معياراً للشرعية الأخلاقية والسياسية في الولاياتالمتحدة الحديثة.