سبق لي أن أشرت بسرعة خاطفة على قناتي "المسافة صفر" إلى قناعة مؤلمة ترسخت لدي بأن الصحافة في المغرب قد يبست وحل بها البوار. وهذا المقطع (أسفله) هو الذي قدمت به الفيديو على أساس أن أعود إلى تفصيل تجربتي مع الصحافة والصحفيين لاحقا في مقالات أخرى. إن شاء الله. وتعلمون أن عرض التجارب الشخصية هي أوقع أثرا من أي فن أو أسلوب آخر. وكنت قد كرست الفيديو، الذي كان عنوانه "الرجال فيهم وفيهم" للصحفي والكاتب والمناضل سعيد الصديقي الملقب ب "عزيزي". إليكم هذا المقطع: (في هذه الحلقة سأتحدث بإشارات موجزة عن الصحافة ومؤسسات الإعلام، مثل النقابة الوطنية للصحافة المغربية، المجلس الوطني للصحافة، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وفيدرالية ناشري الصحف بالمغرب، والجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال التابعة للاتحاد المغربي للشغل.. وهاد المؤسسات "باينا من البعد" فهي مجرد بنايات عبارة عن بوّاب، ويافطة، وكراسي فارغة في أغلب الأوقات. ولأنني أحب التصويرالأدبي وفن الإسقاط، أصحبكم مع قصة ظريفة، بطلها أحد رجال حينا، اسمه الرحماني كان "مغامر وزهواني"، وأهدر الكثير من المال في شبابه، ولما كبُر "لقا راسو على الضس"، فاجتمع أبناؤه، واشتروا له شقة، وقدموا له "رأس مال صغير حتى يتسلى". وبالفعل، اقتنى عربة لبيع الفواكه. كان سعيدا في البداية، ثم بدأ يفتُر ويمَلّ. ورجع للدرب، ففرح أصحابه بعودته، لأنه شخصية مسلية. كان أحد أصدقائه يُحسِن استفزازه ويعرف كيف ينتزع منه المستملحات والقفشات. في أحد الأيام، تصادف أن كنت موجودا مع أصدقائي في المقهى، حين دخل الرحماني. استبشرنا خيرا. لم تمر دقائق قليلة حتى عاجله صديق يعرف كيف يستفزه: "والرحماني كيدايرا هاديك البارطما ديالك؟" نظر إليه وأجابه: "أش من بارطما؟ الحيوط زاكَيين فبلاصتهم ونا تَنخلّص عليهم 1000 درهم فالشهر" (يقصد الطريطات ديال البنكا) ثم انفجر ضاحكا، وقال، "والله كون كانوا هادوك الحيوطا ديال الشقة للي تابعيني فيها ديمونطابل "كون فصّلتهم ودّيتهم بعت بوهم، وطَبّيت فلوسهم. ولكن ملقايتش الجهد". شقة الرحماني تشبه المؤسسات الإعلامية سالفة الذكر. فهي مجرد "جدران "زاكَيين فبلاصتهم". مجرد هياكل فارغة. وباختصار شديد، هي مجرد عبء مادي، وعبث سياسي، الهدف من هذه المؤسسات هو "ميمّي". هو "البينكَا" التي تلهفها فئات هجينة، لقيطة، كسولة. أمّا المقابل؟ فهو زيرو اجتهاد، زيرو نضال، زيرو تكوين، زيرو، زيرو.. إذن مرحبا بالريع. وهذا الريع أمات القلوب، وأعمى البصائر والضمائر. وأصاب الصحافة في مقتل. أتذكر- بالمناسبة – مشهدا من فيلم تلفزي قديم جدا من عهد اللونين الأبيض والأسود: ففي إحدى الرحلات الجوية في أمريكا سقطت طائرة في المحيط الأطلسي. ووصلت قوارب الإنقاذ بسرعة. وبدأ المنقذون يُخرِجون الركاب. كانت بين سيدة خمسينية، تبدو ثرية، لكنها متكبرة ومغرورة. كانت تضع في أصبعها خاتما من الألماز، قبل الكارثة كانت تتباهى به أمام الركاب وكلما نظر إليها الناس تلَوِّح بيدها ليروا خاتمها البديع، وتقول إن ثمنه باهض جدا. وحين وصل إليها المنقذون وحملوها، سقط منها ذلك الخاتم فصرخت وأفلتت منهم، وبدأت تبحث عن خاتمها بين المقاعد، وهي تصرخ وهي مضطربة: خاتمي خاتمي. في تلك اللحظة بدأت المياه تدخل إلى الطائرة من كل الجهات، وعاد المنقذون إليها، وحاولوا إنقاذها مرة أخرى، لكنها أصرت أن تبحث عن خاتمها. ثم غمرتها المياه وغرقت. وعندما تم جر الطائرة المنكوبة إلى الميناء، دخل فريق الإنقاذ إلى الطائرة المنكوبة ليخرجوا أغراض الركاب. انتبه أحدهم إلى الخاتم، فالتقطه، وسلمه إلى السلطات.. ولما فحصه الخبراء اكتشفوا أن ذلك الخاتم مزيف. تلك هي أنت سيدتي فاطمة الزهراء، إنك مزيفة، قد تكوني لطيفة مع أهلك وأصحابك، لكنك مستعدة أن تفعلي أي شيء من أجل حصتك من الريع. لكن "الكاميرا" أظهرتك عارية من الأنوثة والرقة مع أنك لست صحفية حقا. وتتنطعين وتقدمين الاقتراحات السادية، ثم تحيين زميلك في المؤامرة. عندما كنت أعمل في "دوزيم"، معدا ومقدما للبرامج التلفزية، طلب مني مدير القناة سليم الشيخ أن أعد برنامجا على راديو دوزيم. ولم أوافق. ولما ألحَّ علي، اشترطت عليه أن أقول ما أشاء، قال لي "أوكي". وهكذا أعددت برنامجا يوميا من 10 إلى 12 ليلا تحت عنوان "الجورنال الاجتماعي". في إحدى الحلقات تناولت قضية التناوب، وكان لابد أن أرجع تاريخيا إلى الوراء، فتوقفت عند نوايا مشاركة الاتحاديين في التخطيط للانقلاب على الملكية. وقلت إن الملك الحسن الثاني انتصر. وأكدت أنه كان مخطئا عندما سجن أبناء أوفقير وهم أبرياء. ثم انتقلت إلى قضية التناوب الذي لم يوفّق، وأن أقوى ضربة تعرض لها كانت من داخل حزب الاتحاد الاشتراكي. وأشرت إلى الدور المركزي الذي لعبه إدريس لشكر. في هدم حكومة التناوب. ثلاثة أيام بعد هذه الحلقة، أرسل لي المدير العام مقالا بقلم يونس مجاهد تحت عنوان "مهزلة". اتصلت بالمدير، وقلت له "لن أجيب". مرت سنوات، وها أنا سأجيب: وسأرضيك كم ينبغي. لقد ذكر يونس في مقاله الذي ينضح بالغل، أنني مجرد مذيع في قناة عمومية، أبشرك أنني صحفي أصيل وثقيل. أخذتُ البكالوريا بامتياز. ودرستُ عند أهم وأرفع دكاترة الإعلام في العالم العربي بينهم مصريون، وسوريون، وفلسطينيون. آثاري تعرِّفُني. وأثارك تعرِّفُك. لقد اتهمتني أنني "من أيتام إدريس البصري". أنا لم رأيت إدريس البصري مرة واحدة في حياتي رؤية العين مباشرة ومن بعيد، كان ذلك في مجلس النواب، وكنت أتابعه مع الصحفيين من مقاعد الصحفيين. فيا سيدي أنت الذي تعرف وزير الداخلية وليس أنا. أنت الذي حصلت على "فيلا" من إدريس البصري، وليس أنا. فمن الثمن الذي جعل إدريس البصري يسلمك فيلا. والدك لا يمكنه أن يسلمك فيلا، فلماذا يفعل البصري ذلك. هناك جواب واحد: "حتى تقبض يتعين أن تقدم المقابل". أنت الذي تعيش اليوم في فرنسا، وليس أنا، فمن أين حصلت على الأموال الطائلة؟ وأنت لم تبدع شيئا في حياتك، فمن أين لك ذلك. من جهة أخرى أنا أجزم بأنك لم تكن مناضلا نقيا خالصا، تعلمون يا إخواني أن الحكومات غير الديموقراطية عندما تواجهها تنظيمات سياسية معارضة، تعتقل قادتها وزعماءها وتستقطب بعض الطلبة الجامعيين وعناصر من الجمعيات المدنية والحقوقية، وتكونهم وتدسهم ليتكفلوا بنقل المعلومات عن السياسيين الحقيقيين. وهؤلاء يُكمِلون المهمة بعد أن يُفرَج عنهمُ، ليكملوا مهماتهم الاستخبارية حتى الموت. ولنفترض أنك كنت مناضلا من مستوى عال، وها أنا أصفق لك على مسيرتك البطولية الناصعة البياض (طق طق طق) فماذا تقول عن نفسك اليوم؟ لقد أوقعت رأسك على المقصلة أيها المنافق، أيها الانتهازي. ألم تكن تعلم أن "الماضي يلحق بنا دائما". وماضيك المشبوه قد لحق بك اليوم. أما أنا والله أنك لن تبلغ كعبي. أما عن أني فاشي، وشعبوي (هذا مجرد حشو) ذاعب به أنانيتك المشوهة "أيها لبتي مو Un petit mot" للي عندو "لي كغان مو gros mot ". غاب عن الغرفة النتنة التي جمعت أربع كائنات، أعضاء آخرون. وسبق أن ابتهج حميد المهداوي من غياب حميد ساعدني ونورالدين مفتاح وآخرين لم يذكرهم. وأنا أسّي حميد المهداوي أرى أن أخطأت التقدير، وغاب عنك أمر في منتهى الأهمية وهو أن الذين غابوا قد فطنوا للعبة القذرة وتخلوا: "كل يعوم فبحرو". لكن يا أخي حميد المهداوي، الذين غابوا هم على درجة عالية من الذكاء (وأنا أعرف حميد ساعدني جيدا. ونورالدين مفتاح). ولكنهم على درجة عالية من الجبن. فلا يحدثني أحد عن النضال. كان عليهم الالتحاق بالغرفة النتنة والدفاع عن الحق، والانتصار للصحافة. فالجبن لم يكن أبدا حكمة. أما الأستاذ الجامعي خالد الحري فهو نافخ الكير. بل هو شايلوك في مسرحية تاجر البندقية. بل هو أكثر خزيا من شاي.لوك، على الأقل شايلوك له قرض عند غريمه. أما أنت أيها الجامعي كيف تصارع بحدة وعنف وبالقذارات اللغوية الفاحشة وكأن المهداوي جنس آخر يجب إطلاق النار عليه. يا إخواني الصحفيين والصحفيات، يقول أحدهم "من الضمير المرتاح لا يخشى من منتصف الليل أن يأتي". أما صاحب المقعد الذي كان يجلس عليه محمد السلهامي " لقد مرضت مرضا صعبا، وأشفاك الله، ليس غيره تعالى. فانظر إلى الخلف فمعظم زملائك رحلوا، فلا تتبوأ مقعدك من النار بسبب مقعد من ظلم وظلمات.