إلى عبد الإله بنكيران، أما آنَ لك أن تستريح وتُريح، وأن تكفّ لسانك عن الناس؟! أكتب إليك اليوم، أنا ابن الحركة والحزب، قضيتُ فيهما نصف عمري. ربّاني رجال ونساء في حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية بمدينة الدارالبيضاء على قيمة الصدق أولًا، ثم قيمة التضحية. عرفتيها؟! ثم رأيتُ رجالًا في القيادة، مثلك، لا يكفّون عن الكذب، وخلط الحق بالباطل، وتزويق الكلام، واستغلال عرق الصغار لتحصيل الغنائم. جئتك من زمن الصدق والقلة المؤمنة من العباد السائرين في خدمة الناس والبذل. عقلتي؟ هل تذكر يوم كان يتنافس مصطفى لحيا مع محمد حفيظ؟ أنت تذكر باليقين، فما زلتَ تعود لذلك اليوم في كلامك. اسمي حمزة، أمي وأبي من مبروكة، وأنا من برنازيل. كنتُ هناك، أنام في مقر حزب العدالة والتنمية (قبل أن يحمل هذا الاسم)، متفرغًا للانتخابات، أصل الليل بالنهار، لا يهدّنا سوى التعب. أكلتُ ليلتها سندويش بيض مقلي، ما زلتُ أذكر مذاقه. أرهقني التعب المتراكم لأسابيع في الحملة، نقنع الناس بأن التصويت لنا سينقلنا إلى بلد لا يُظلَم فيه أحد. نمتُ ساعة بين كرسيين، ثم تعبتُ من قسوة الخشب والفراغ بينهما، فافترشت لنفسي كرتونة تحت السبورة التي كنتُ أسجل عليها نتائج التصويت بالتواصل مع إخواننا المراقبين في المكاتب. ثم، لما استغرقتُ في نومي، أيقظني صراخ الناس وهم يتحدثون عن النتائج بهرج في القول. عندما أعلن الشاب اليساري محمد حفيظ أنه يرفض أن يصير نائبًا بالتزوير الذي قامت به الدولة لصالحه، وقع موقفه في قلبي موقعًا عظيمًا. كنتُ هناك، شاهدًا ومفتونًا بأخلاق منافسينا ونُبلهم. قبل ذلك بأسبوعين، حضرتُ مجلسًا في مقر حي السدري مع المقرئ أبو زيد الإدريسي. أبكانا الرجل جميعًا وهو يُقسم بأغلظ الأيمان أنه لن يعود للترشح في الانتخابات مرة أخرى. أذكر أنني بكيتُ حتى شهقت تلك الليلة. كنتُ غِرًّا، أصدق الحديث ما إن يُخلط بكلام الله وسجع الكهّان. لكن اليوم، وبعد عشرين سنة أو يزيد، نرى واقعًا غير ما افترضتُ حينها: ما يزال الإسلامي الذي أبكاني بقسمه المؤثر يلهث برلمانيًا وراء التعويضات، مثلك (أو لعله أقل منك فُجورًا)، وما يزال اليساري مقاومًا، متماسكًا بالحلم الجماعي في الديمقراطية، يطوّر نفسه، يقرأ ويكتب ويجتهد. شاركتُ طفلًا ومراهقًا في الحملات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في معظم دوائر الدارالبيضاء. ولم أشارك وحدي – لا أنسب لنفسي فضل المجموع كما تفعل أنت – بل شاركني مئات الفتية الصادقين، والرجال الصادقين، والأخوات الصادقات. إلى درجة أن مجهودنا الجماعي جعل الحزب يتبوأ المقاعد الأولى في أغلب دوائر مدينتنا الحبيبة. لكنني لم ألمس في حديثك ولا في فعلك تلك القيم والخصال التي كنا نربّي عليها بعضنا في مجالسنا التربوية ومخيماتنا الشبابية. ولستُ وحدي من أُحبط بسبب كذبك وكذب كثير من قيادات الحزب؛ تأمرون الناس بالبذل والصدق، وتراكمون الأموال والتعويضات. غادرتُ الحركة والانتخابات، ثم غادرتُ البلاد التي تحالفتَ فيها مع الظلم علينا وأسهمتَ في تكريس السلطوية، لكنني بقيتُ أحمل عرفانًا وامتنانًا لكثير من إخوتي الذين ضحّوا بأجزاء كبيرة من أعمارهم وطاقاتهم، وأحمل في المقابل احتقارًا للقيادات المتعيّشة التي تراكم الأموال والامتيازات. هل تظن أن الحركة والحزب والمغاربة لم يُنجبوا غيرك؟ أم تفترض أنك أكثر استحقاقًا للمناصب والتعويضات وتراكمها من إخوتك؟! والصدق أن هذا ليس ما دفعني للكتابة إليك اليوم. راكم ما شئتَ من أوساخ الدنيا، فإنك ميتٌ وإننا ميتون. لكن أن تسيء إلى ناصر الزفزافي وهو في سجنه، وقد فقد أباه البطل أحمد الزفزافي منذ أسابيع، وهو صابر في ابتلائه تحت ظلم من يدفعونك إلى التفحش في القول، فبالله عليك، ألم يبقَ لك من الحياء شيء تستر به سوأتك؟! ألم يبلغك قولهم: «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»؟! أنت لم تجُع كما جاع نبلاء ومقاومون، ولم تُسجن كما سُجن كثير من أبطالنا، ولم تُدكّ الأرض عليك كما فُعل بغيرك من المقاومين، ولم تُطرد من أهلك وبلادك كما عاش رفاق لنا، فلماذا تأتي أفعالًا كهذه؟! لا أملك أن أختم لك بعبارة «مع الاحترام»، بل أقول: السلام على من ربّونا على الصدق. السلام على من ربّونا على عفة اليد وعفة اللسان. السلام على من ضحّوا بكل شيء ولم يذكرهم أحد. السلام على من ربّونا على التضحية والبذل، ومقاومة الظلم، وقول كلمة حق عند الجائرين.