في تفاعله مع سؤال حول الشواهد الطبية ودورها في القضايا الجنائية والمدنية، شدد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، على أن مراقبة الشهادة الطبية تطرح إشكالاً حقيقياً، متسائلاً بشكل مباشر عن الكيفية العملية لمراقبة الطبيب عند تسليم شهادة طبية، معتبراً أن "الطبيب كان يتمتع بسلطة تقديرية واسعة"، وأن هذه السلطة كانت تُواجَه أحياناً بخبرة مضادة، غير أن الأمر لم يعد خاضعاً لشروط دقيقة وواضحة كما في السابق. وخلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب المنعقدة يوم الاثنين 29 دجنبر الحالي، أبرز وهبي خطورة التلاعب بمضامين الشواهد الطبية، موضحاً أن فارقاً بسيطاً في نسبة العجز، مثل الانتقال من 20 في المائة إلى 21 في المائة، قد يترتب عنه سلب حرية شخص وإيداعه السجن، وهو ما يطرح، بحسب تعبيره، إشكالاً عميقاً في العدالة والإنصاف. وأضاف وهبي بصراحة: "أنا ليست لدي إجابة جاهزة"، مشيراً إلى أن الوزارة حاولت، قدر الإمكان، الاشتغال على تكوين الأطباء، وخاصة الأطباء الشرعيين، غير أنه أقرّ بوجود خصاص كبير في هذا التخصص داخل البلاد، معتبراً أن الطبيب الشرعي "نادر" ولا يواكب دائماً حجم القضايا المعروضة على القضاء.
وفي محور آخر مرتبط بالاكتظاظ داخل السجون، أوضح وزير العدل أن هذا الملف لا يدخل بشكل مباشر ضمن اختصاص وزارته، مؤكداً أن تدبير المؤسسات السجنية يندرج ضمن صلاحيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وأن النقاش حول أوضاع السجون ينبغي أن يتم مع الجهة الوصية مباشرة. ومع ذلك، توقف وهبي عند مسألة الاعتقال الاحتياطي، مبرزاً أن المشرّع حاول من خلال تعديلات المسطرة الجنائية إدخال آليات للتقليص من مدده، بما في ذلك تحديد سقف تمديد الاعتقال الاحتياطي في الجنايات، مع إقرار الإفراج في حالات معينة. وقال في هذا السياق إن الدولة خصصت ميزانيات مهمة للسجون، وإن القانون أتاح بدائل، غير أن تفعيلها يظل مرتبطاً بسلطة القضاء المستقل، مضيفاً: "القضاة مستقلون، ولا سلطة لنا عليهم"، ومشدداً على أن مسألة اللجوء إلى العقوبات البديلة أو عدمها تعود لتقديرهم، ولا يمكن تحميل السلطة التنفيذية وحدها مسؤولية هذا الوضع. أما بخصوص تنامي ظاهرة التشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد عبّر وهبي عن موقف حذر، مبرزاً تعقيد التوفيق بين حماية حرية التعبير وضمان صون كرامة الأفراد وحقوقهم. وأشار إلى أن النقاش حول التشهير لا يمكن فصله عن النقاش الأوسع حول الحقوق والحريات، معتبراً أن أي معالجة قانونية يجب أن تراعي هذا التوازن الدقيق، دون السقوط في تضييق غير مبرر على حرية الرأي والتعبير، أو التساهل مع ممارسات تمس بالحياة الخاصة للأشخاص وكرامتهم الإنسانية. وفي سياق آخر، تطرق وزير العدل إلى موضوع إحداث بنك وطني للبصمة الجينية، موضحاً أن هذا الملف كان موضوع نقاش بين مختلف المؤسسات الأمنية والإدارية والحكومية، وأن التفكير انصبّ على الإطار القانوني المنظم للبصمة الجينية، وكيفية حفظها، والضمانات القانونية والمؤسساتية المرتبطة باستعمالها، مشيراً إلى أن الأمر يتطلب حذراً كبيراً نظراً لحساسية المعطيات الشخصية وما تثيره من إشكالات مرتبطة بالحقوق والحريات.