* 08 يوليوز, 2016 - 01:28:00 إيطاليا بلد التاريخ العريق، وبلد الفن والمعمار والهندسة، يَرسُمُ له اليوم تَمثُّلاً جديدا، في مخيال عدد كبير من المغاربة، كبلد مُصدِّرٍ للأزبال. تَمثُّلٌ جديدٌ ارتبط بالجدل الذي تناولته الكثير من وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، حول استيراد المغرب لكمية 2500 طن من النفايات، خلال شهر يونيو الماضي، بُغية حرقها في معامل الإسمنت. هذا الجدل يطرح سؤال الوعي والتدبير البيئي بالمغرب، ويطرح كذلك سؤال الولوج إلى المعلومة البيئية. النقاش حول هذا الإشكال يستوجب استحضار مجموعة من النقاط : أولا : تلجأ الدول المتقدمة إلى تصدير بعض أنواع النفايات- بعضها خطير- إلى خارج حدودها، نظرا للتكلفة المادية الكبيرة لمعالجتها أو للتخلص منها. والمغرب يستورد ، منذ مدة طويلة، من مجموعة من الدول الأوروبية ومن بينها إيطاليا، وفق معاهدات دولية وقوانين وطنية، تتعلق بعبور وبنقل النفايات عبر الحدود. وتجب الإشارة أنه ليست هذه المرة الأولى التي يستقدم فيها المغرب نفايات الدول المتقدمة، عكس ما قد يُفهم من بعض المقالات والتدوينات. وبالتالي فإن غياب معطيات دقيقة، وذات مصداقية، تؤكد خطورة النفايات المستوردة من إيطاليا، فإن الإجراء يظل قانونيا من وجهة نظر القانون البيئي الدولي والوطني. ثانيا : ما يثير الإشكال في عملية استيراد النفايات، هذه المرة، هو مصدرها الجغرافي. فقبل وصولها إلى المغرب، عبر ميناء الجرف الأصفر، كانت معبئة بإحدى مناطق جهة (كامپانيا Campania) بالجنوب الإيطالي، وخصوصا بمنطقة تسمى "حانة الملك" "Taverna del re"، كما نقل موقع لاريپوبليكا الإيطالي "La repubblica" يوم الخامس من شهر يوليوز الحالي. وتعتبر جهة كامپانيا إحدى الجهات العشرين المشكَّلة للتراب الإيطالي، وهي تنتمي إلى مجال الجنوب المتميز بهشاشته، وضعف اقتصاده وبنياته التحتية، وخدماته الاجتماعية، مقارنة مع جهات الشمال. جزء كبير من التسيير اليومي لهذه الجهة يخضع لسيطرة إحدى فصائل المافيا الإيطالية المسماة Camorra. بدأت أولى أشكال "تحكُّم" المافيا في تدبير النفايات خلال بداية الثمانينات، من القرن الماضي، عندما عمدت جهة كامپانيا إلى سنّ سياسة التدبير المفوض، لتسيير النفايات الحضرية. هذا الشكل من التسيير ساعد في تغلغل المافيا في عمليات جمع ونقل ومعالجة النفايات، مما خلق نوعا من "الفوضى المُنَظَّمة" كرست أزمة هذا القطاع. كما ساهم تواطؤ المافيا مع كبار الصناعيين، في مناطق متعددة من إيطاليا، في استقدام نفايات صناعية خطيرة وطمرها بشكل سري، بدل التخلص منها ومعالجتها بشكل قانوني، مما ساهم في تشكل الكثير من المطارح المدفونة، التي أصبحت تشكل مصدرا لتلوث التربة والفرشاة المائية الباطنية. وتشير الكثير من التقارير الرسمية ،على رأسها تقارير المعهد الوطني للسرطان "پاسكال" بمدينة ناپولي، إلى ارتفاع نسبة التشوهات الخلقية وارتفاع نسبة الإصابة بأمراض السرطان، في معظم هذه المناطق. المناطق الملوثة والمصنفة بالخطرة بجهة كامپانيا.. خريطة عام 2005.. المصدر: جهة كامانيا ثالثا : إشكالات البيئة لم تكن، إلى عهد قريب، من أولويات القائمين على تدبير الشأن العمومي بالمغرب. فوزارة البيئة، كقطاع مستقل، تأسست في أواسط التسعينيات، بعد انعقاد مؤتمر الأرض بريو دي جانيرو، بدعم من البنك الدولي. كما تم إصدار أول قانون ينظم تدبير النفايات والتخلص منها، في سنة 2006، وهو قانون 28.00. فقبل هذا القانون، كانت مجموعة من النصوص القانونية المتفرقة بين قطاعات وزارية مختلفة كالتجهيز والداخلية والتعمير. وينص هذا القانون على إعداد مخططات مديريّة في ثلاثة مستويات مجالية، لثلاثة أنواع من النفايات (مخطط مديري وطني لتدبير النفايات الخطيرة، مخطط مديري جهوي لتدبير النفايات الصناعية والطبية والصيدلية غير الخطيرة والفلاحية والخاملة، ثم المخطط المديري الإقليمي لتدبير النفايات المنزلية وما شابهها). رابعا : استيراد النفايات يحكمه قوانين وطنية ودولية: وطنيا، قانون رقم 23.12، المتعلق باستيراد النفايات الخطرة والصادر في غشت 2012، والذي تغيرت بموجبه أحكام المادة 42 من القانون رقم 28.00، المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، حيث ينص على أنه " يمكن للإدارة الترخيص باستيراد النفايات الخطرة، الناتجة عن أنشطة مناطق التصدير الحرة، المحدثة طبقا للقانون رقم 19.94 إذا: - التزم صاحب طلب الترخيص بمعالجة هذه النفايات، أو العمل على معالجتها، قصد التخلص منها أو تثمينها في إحدى المنشآت المشار إليها في المادة 29 أعلاه؛ - كان صاحب الطلب يتوفر على الكفاءات و الموارد البشرية والمادية التي تمكنه من تدبير عملية الاستيراد، وفق طرق معقلنة من الناحية البيئية، وذلك طبقا لشروط تُحدد بنص تنظيمي". كما ينص على أن عبور النفايات الخطرة للتراب الوطني يخضع لترخيص من الإدارة، وفق شروط و كيفيات تُحدَّد بنص تنظيمي. أما على المستوى الدولي، تُنظّم اتفاقية بازل (La convention de Bâle) التحكم في نقل النفايات الخطرة والتحكم فيها. خامسا : الحلقة الأضعف في هذا الملف هي إشكالية الولوج إلى المعلومة البيئية بالمغرب، باعتبارها حقا من حقوق الإنسان الأساسية، حيث يتعذر على المواطنين الولوج إلى مصادر المعلومات المرتبطة بالبيئة، بالرغم من كون المغرب وقّع على اتفاقية ريو دي جانيرو (برنامج مذكرات 21)، التي تتضمن، في إحدى فصولها، مبدأ الحق في الحصول على المعلومة البيئية، واتخاذ القرارات بشكل تشاوري وتشاركي، ويمكن للصحافة أن تلعب دورا مهما في إيصال المعلومة البيئية ونشر الوعي البيئي، حيث يجب على صحافة التحقيق أن تتخصص في المواضيع ذات الشأن البيئي (الإشكاليات البيئية بالمجالات المختلفة، التشريع البيئي، الفاعلون المتدخلون واستراتيجياتهم، إلخ ) وأن ترصد مبالغ مالية لهذه المهمة. خصوصا المؤسسات الإعلامية الكبيرة التي تحقق مبيعات عالية ولها مداخيل مهمة من الإشهار. فموضوع بهذه الحساسية يفترض إنجاز تحقيقات ميدانية بالمغرب، وكذلك بإيطاليا، كما يفترض تكوين صحفيين في "صحافة البيئة". سادسا : "زيرو ميكة" هي مبادرة مستوحاة من تجارب أوربية عديدة. حيث تأسست بكل من إيطاليا شبكة Zero rifiuti و بفرنسا شبكة Zero waste و Zero déchets. كما تأسست بالمغرب جمعية اسمها Zero zbel. وجميعها مبادرات مدنية تهدف إلى التنسيق فيما بينها، من أجل توحيد استراتيجيات العمل الهادفة إلى تقليص إنتاج النفايات عند المصدر "Réduction des déchets à la source"، وتنفيذ برامج إيكولوجية من أجل تسيير النفايات المنزلية. تجربة "زيرو ميكة" المغربية، هي مبادرة فوقية، جاءت فجائية حتى يتم تسويقها بمحطة Cop22 بمراكش، كانجاز إيكولوجي. وهي بذلك لا تستند على رؤية متكاملة لإشكالية تدبير النفايات، لأن هذه الإشكالية لا يمكن معالجتها بالحلول التقنية فقط، بل وجب اعتماد مقاربة مندمجة ومستدامة، تأخذ بعين الاعتبار الجوانب القانونية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية. ولذلك فإن ما يخيف المغاربة في الوقت الراهن، ليس هو "الميكا"، وإنما يؤرقهم الفقر والبطالة، وغياب الخدمات الاجتماعية الأساسية، وانتشار الفساد. أما من الجانب الإيطالي، توصف حالة التسيب، في التسيير البيئي، ب "حانة الملك" وبمناطق أخرى من الجنوب العميق، نتاجا للتّلاعبات التي تقوم بها المافيا الإيطالية، باعتبارها سلطة موازية "Pouvoir parallèle". وهي تتميز بتواجد "دولة داخل الدولة" و بقدرتها على "التحكم" سياسيا واقتصاديا، وإضعاف دور المؤسسات. كما باستطاعتها القيام بجرائم سياسية أو اقتصادية أو بيئية، والتي غالبا ما تُنسب إلى مجهول. أخيرا، على وزارة البيئة المغربية أن تقدم توضيحات للرأي العام الوطني، حول سياق توقيع عقد استيراد النفايات من جهة كامپانيا الإيطالية، وتوضيح لماذا تمَّ استيراد هذه النفايات؟ ومع من تمَّ توقيع عقد الاستيراد؟ ماهي شروط الجانبين المغربي والإيطالي لتوقيع عقد الاستيراد؟ ما هي تكلفته الإقتصادية والسياسية والبيئية؟ ماهي الضمانات المرتبطة بالتأثير البيئي، لهذه النفايات، على المدى المتوسط والبعيد؟ وعليها أن تجعل عقد الشراكة عموميا، يطَّلع عليه جميع المغاربة. كما يجب عليها تعميم نتائج التحليلات المخبريّة للنفايات التي تم استيرادها، وتقديم ضمانات حول مصداقية المختبرات التي تقوم بالتحليلات الفيزيائية والكيميائية للنفايات. * أستاذ باحث، مختص بالحكامة والبيئة الحضرية.