لا ندري ما هو السر في انحسار توجيه الدعوات لمحاورة الضيوف في ( حوار) في بعض الصحافيين، ولا يتوسع هذا التوجيه للدعوات، ليشمل صحافيين آخرين. ولا نعلم من هو الذي يقف خلف الاختيار للصحافيين الذين يحضرون لهذا البرنامج، هل هو صاحب البرنامج مصطفى العلوي، أم مدير الأخبار، أم الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية..؟ يكون مع الصحافيين وصاحب البرنامج مصطفى العلوي دائما أستاذ جامعي. يصعب إدراك لماذا يكون هذا الأستاذ الجامعي مع رجال ونساء الإعلام؟ هو أيضا يسأل الضيوف. نتصور أن الصحافيين الذين يوجه لهم مصطفى العلوي الدعوة للتحاور مع ضيوفه هم في أغلبيتهم صحافيون متمكنون، أي أنهم قادرون على أن يطرحوا على الضيوف الأسئلة التي تؤرق بال الرأي العام الوطني، فلماذا استحضار أستاذ جامعي معهم؟ ألا يستبطن توجيه الدعوة لأستاذ جامعي لطرح الأسئلة على ضيوف ( حوار)، نوعا من التبخيس من كفاءة الصحافيين، وتشكيكا في قدرتهم على محاورة الضيوف بالأهلية المطلوبة، الأمر الذي يستوجب الاستعانة بأساتذة جامعيين للتعويض عن النقص الحاصل لدى رجال الإعلام؟ حين نطرح هذه الأسئلة لا يعني ذلك أننا نجيب عليها بالإيجاب، ونتهم الصحافيين الذين يستضيفهم ( حوار) لمناقشة الضيوف بانعدام الكفاءة المهنية، إنهم زملاء في المهنة، ونكن لهم كامل الاحترام، وإنما نطرح أسئلة ينتجها بشكل تلقائي وجود دائم لأستاذ جامعي بمعيتهم، مع مصطفى العلوي في برنامجه. ما يحفز على التساؤل حول هذا الحضور، هو كون الأستاذ الجامعي، قبل أن يطرح أي سؤال من أسئلته على الضيف، فإنه في الغالب الأعم، يدخل في تحليل نظري يكون معقدا ومركبا. هذه التحليلات قد تكون جيدة ومفيدة، ولكن مكانها ليس برنامجا حواريا على شاشة التلفزيون. مكانها الطبيعي هو مدرجات الجامعات، أو المجلات المتخصصة التي لها روادها القادرون على استيعاب موادها بما يتطلبه الأمر من جهد وتركيز. في برنامج تلفزيوني، السؤال يتعين أن يكون بسيطا وواضحا وموجزا، لكي يستوعبه أولا الجمهور الواسع، وليتابع المشاهد إن كان الضيف سيقدم بشأنه الجواب المطلوب، أم أنه سيراوغ. حين يسبق طرح السؤال تحليل أكاديمي بمصطلحات طويلة وعريضة ومخيفة، كما يفعل الأستاذ الجامعي في ( حوار)، جمهور التلفزيون يشعر بالضجر، وقد يغير القناة لمشاهدة برامج أخرى تكون في متناوله، والضيف سيجيب على السؤال بالطريقة التي ترضيه لجمهور قد يكون انتقص عدده هروبا من تحليلات الأستاذ. في كثير من الأحيان، المقدمات التي يقع الاستهلال بها في ( حوار) من طرف الأستاذ الجامعي لتقديم الأسئلة تكون غير ذات جدوى، وبالإمكان الاستغناء عنها كليا، للمرور مباشرة إلى السؤال، وطرحه على ضيف البرنامج دون مقدمة. فلماذا إذن إقحام أستاذ جامعي في برنامج تلفزيوني ليقوم بطرح لأسئلة، بشكل معقد، أسئلة بإمكان الصحافيين طرحها ببساطة ويسر؟ ما الجدوى من هذا الإقحام؟ بسبب غياب المنهجية في ضبط النقاش في ( حوار) يتحول البرنامج في بعض حلقاته إلى مجال للصراخ والزعيق، كل يسأل في الميدان الذي يعجبه، وكل يتناول الموضوع بالصيغة التي تبدو له مناسبة، فترتفع الأصوات، ويتم الانتقال من هنا إلى هناك، ومن قضية إلى أخرى، ويغيب النقاش الهادئ، وتنعدم الأسئلة الدقيقة، ولا نحصل إلا على الكلام العام المصحوب بالضجيج وأحيانا التصفيق.. كما أن سعي بعض الصحافيين للمزايدة على الضيوف الوزراء والسياسيين في الوطنية، ومحاولة التموقع على يمينهم، يفقد البرنامج طابعه الحواري، ويحوله في الكثير من حلقاته إلى مونولوغ. مهمة الصحافي هي أن يسأل، ويشاكس، ويحاسب السياسي، وأن يترك له حرية تقديم أجوبته، لا أن ينوه بتدابيره، ويجامله، ويتفوق عليه في مواقفه التي يتخذها. وطنية الصحافي هي مهنيته التي يوظفها لتبليغ رسالته الإعلامية في برنامجه، بطريقة مهنية وراقية وحضارية. في عصر البارابول لا نخاطب فقط أنفسنا في برامجنا التلفزيونية، إننا نخاطب العالم الكبير الشاسع الأطراف، ولذلك يتعين أن يكون خطابنا هادئا ومتزنا وعقلانيا لكي نوفر له مقومات إقناع الآخرين بما يحتويه، وليس إقناع أنفسنا نحن..