الجزائر تفتح مشوارها في كأس إفريقيا بالفوز على السودان بثلاثية نظيفة    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الملاعب المغربية تتغلب على تقلبات أحوال الطقس    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقيف شخص بحوزته أقراص مهلوسة وكوكايين بنقطة المراقبة المرورية بطنجة    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر        قضية البرلماني بولعيش بين الحكم القضائي وتسريب المعطيات الشخصية .. أسئلة مشروعة حول الخلفيات وحدود النشر    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. منتخب بوركينا فاسو يحقق فوزا مثيرا على غينيا الاستوائية    توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة    المخرج عبد الكريم الدرقاوي يفجر قنبلة بمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي ويكشف عن «مفارقة مؤلمة في السينما المغربية»        نشرة إنذارية.. زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت    شخص يزهق روح زوجته خنقا بطنجة‬    وفاة رئيس أركان وعدد من قادة الجيش الليبي في حادث سقوط طائرة في تركيا    نص: عصافير محتجزة    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    بنسعيد: الحكومة لا تخدم أي أجندة بطرح الصيغة الحالية لقانون مجلس الصحافة    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر خلال عقد    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الأمطار لم توقّف الكرة .. مدرب تونس يُثني على ملاعب المغرب    الاقتصاد المغربي في 2025 عنوان مرونة هيكلية وطموحات نحو نمو مستدام    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    بول بوت: العناصر الأوغندية افتقدت للروح القتالية    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    كأس إفريقيا بالمغرب .. مباريات الأربعاء    انفجار دموي يهز العاصمة الروسية    هذه تفاصيل تغييرات جوهرية في شروط ولوج مهنة المحاماة بالمغرب        فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    مواجهات قوية للمجموعتين الخامسة والسادسة في كأس إفريقيا    مزراري: هنا المغرب.. ترويج إعلامي عالمي بالمجان    محامو المغرب يرفضون مشروع قانون المهنة ويرونه خطرا على استقلاليتهم    "أفريكا انتلجانس" ترصد شبكات نفوذ ممتدة حول فؤاد علي الهمة في قلب دوائر القرار بالمغرب    فدرالية الجمعيات الأمازيغية تهاجم "الدستور المركزي" وتطالب بفصل السلط والمساواة اللغوية    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    الأمطار تغرق حي سعيد حجي بسلا وتربك الساكنة    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    كيوسك الأربعاء | وزارة الداخلية تتخذ إجراءات استباقية لمواجهة موجات البرد    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن        دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورتريهI محمد الطالبي: مسلم دينه الحرية
نشر في لكم يوم 07 - 05 - 2017


* 07 ماي, 2017 - 09:44:00
توفي الاثنين محمد الطالبي، المؤرخ والمفكر التونسي الذي حارب لعقود الظلامية الدينية، عن 95 عاما. أعلنت وزارة الثقافة التونسية الاثنين وفاة محمد الطالبي، المؤرخ والمفكر التونسي، كان أحد مؤسسي الجامعة الحديثة في البلاد، والذي حارب لعقود الظلامية الدينية. ولد الطالبي العام 1921 في العاصمة التونسية وتلقى علومه بالمدرسة الصادقية العريقة في تونس ثم في جامعة السوربون بباريس، وهو مجاز في اللغة العربية ودكتور في مادة التاريخ. وكان أول عميد لكلية الآداب بتونس العام 1955 وكتب هذا "المثقف الكبير" ثلاثين مؤلفا ومئات المقالات بالعربية والفرنسية، وحاز على العديد من الجوائز. وواجه الطالبي المؤمن المتعمق لأكثر من نصف قرن الأفكار المتطرفة والبالية عن الإسلام داعيا بقوة إلى رؤية مبتكرة للفكر الإسلامي.
وفيما يلي مقال بورتريه عن هذا العالم :
كان اول لقائي به في يوم شديد الحر، في بدايات هذا القرن ، حين كنا مجموعة صغيرة من المحتجين على ايقاف احدى المناضلات بسجن منوبة ،
نحاول الخروج من محطة المترو بباردو ، كان يتصبب عرقا امامنا في مواجهة فرق مختلفة من الامن الذين كانوا يتأهبون لمنعنا ، جمعت شجاعتي ، التي كانت كثيرا ما تغيب عند ملاقاة قيمة أدبية أو علمية والتي رافقتني منذ ايام «الكُتّاب» وقلت له مازحا بعد ان قدمت نفسي (ولم يكن يسمع عني شيئا) «دكتور، قرأت لكم مشاكسا بالفكر ولم اعرف انكم كذلك بالفعل.» اجابني :» وما فائدة الفكر دون ممارسة؟» لم أكن اعرف وقتها انه كان عضوا بالمجلس الوطني للحريات الذي قدّم الكثير حين ضُربت الرابطة التونسية لحقوق الانسان واعتقد ان كلمة «مشاكس» لم تعجبه كثيرا ، اذ قال لي بعد ذلك ، انه يريد تحريك السواكن وإعمال العقل لإثراء النص الديني وتلك هي مهمة المفكر والفيلسوف الاولى.
ذلك جانب لم يعرفه الكثير من الناس الذين لا يرون من محمد الطالبي سوى ارائه الجريئة على الشاشة وبعض القراءات السطحية لمواقفه: حول تحليل شرب الخمر والزنا والتشكيك في الموروث السني ، ولم يدرك أولئك الذين لا يريدون تقبل ما اختلف عنهم من افكار ان الدين ، اذا ما اقمناه حائطا سميكا ضد سنة التطور ومرجعا لكل تفاصيل أمورنا الدنيوية سيصبح مرجعية إيديولوجية تشرع كل التجاوزات ، باسم الدين وباسم المقدس، وهو بذلك يضيّق على حامله (وحتى على من حوله) و يقوده إلى التعصّب والعنف و يبعده عما يراه العديد من المفكرين مقاصد الدين نفسه ، اي أن يكون هداية وتسامحا وسلوكا اجتماعيا قويما، ينشر قيم الحب والتالف بين الناس مهما اختلفوا.
بني محمد الطالبي فكره على القرآن وحده ، كمصدر للدين وليس للتدين، يعتبر أن الاسلام دين حرية ، يحترم الاديان الاخرى ويكفل حرية المعتقد ، «لا اكراه في الدين» في رأيه، هي بداية لائكية الاسلام ولا توجد هذه الاية، في تقديره ،في اية ديانة أخرى وذلك هو سبب تشكيكه في السنة ، كثرة الأحاديث واختلافها وتناقضها، وكذلك العنف التي تستنبطه بعض السير مثل الرجم وحدّ الردة والانسلاخ من الدين ، حيث يقول عنها انها غير موجودة في القران و»لقد اوجدتها الشريعة لتبرير قمع الطغاة وقتلهم لكل مخالف لهم».
لم يشجع الطالبي على الزنا مثلما كتب العديد من محترفي النميمة على شبكات التواصل الاجتماعي ، الذين بلغ بهم الحقد حد عدم الترحم عليه ، بل انه يعتبر نفسه محايدا، مؤمنا بالحرية في كل مشارب الحياة، ليست مهمته تقديم الدروس الأخلاقية التي تعودت المشايخ تقديمها لتبرير علوية مكانتها الدينية والدنيوية،و ليست مهمته التشجيع أو النهي عن اي فعل انساني ، حيث يقول «أنا كعالم إسلامي ، أفسر النص ألقراني ولا أشجع على أي فعل ، لان كل إنسان حر في حياته الجنسية».
إنها إرادة فيلسوف مؤمن وجرأة باحث متحرر من هواجس الخوف وإرادة مفكر واثق من نفسه، يحاول ان يجعل دينه مواكبا لكل تعقيدات الحياة في عصرنا ، ان يواكب ما بلغته الإنسانية من حرية ومن توق لها ، بل ان يكون دينه هو عامل تحرر من شوائب الماضي ومن أولئك الذين يريدون ان تلتوي أعناقنا دائما بحثا عن حاضرنا في غياهب ماضينا، وان يكون تأويل النص الديني متقاطعا مع العقل ومع ما بلغته الإنسانية من تطور علمي واجتماعي،
اعتبر المرحوم الطالبي ، محقا، ان «الاطار الكاهنوتي الذي واجه آراءه دون معرفة بأصول الدين ومقاصده لا يختلف عن «الاطار القمعي» الذي حمله الاستبداد ، كلاهما يرفض الفكر المخالف ويرى نفسه المالك الوحيد للحقيقة المطلقة ، وكلاهما يشرّع للعنف بكل انواعه...
لكن احترامنا للدكتور الطالبي لا يعني اننا نلتقي مع كل افكاره ، فالعديد من القضايا التي عالجها وقدّم رأيه فيها تستحق المراجعة والتطوير والنقاش، مثل ضعف دفاعه عن المساواة بين الجنسين أو نقده الغامض للأستاذ عبد المجيد الشرفي الذي اعتبره منسلخا (ولم يقل انه كافر، حسب علمي) أو رأيه في نظرية النشوء والتطور وعلاقتها بالنص القراني ...
احترامنا له ينطلق من ايماننا بضرورة تجديد الفكر الديني وخروجه من دائرة النصوص المحنطة ومحاولته تطوير الفكر الديني حتى يتماهى مع متطلبات العصر وتوخيه منهجا ، من داخل المنظومة نفسها ، يقفز عن المذاهب والمدارس التي تدعي انها وحدها تمتلك الرؤية الدينية الصائبة والتفسير السليم ، لكنها تشرّع للعنف وامتهان كرامة الانسان وتسلبه اغلى ما وُهب ،حريته التي يرى الدكتور الطالبي انها ميزة النص القراني الاساسية وسبب نزوله.
واحترامنا له ينطلق من التنسيب الذي يعتبر كل عمل بشري ، حتى لو كان في امور الدين اجتهادا يخطئ ويصيب ، وبالتالي فعلى المفكر أن ينزع عنه كل قداسة مزيفة، وخاصة لاعتباره ان النص الديني يجب ان يكون منفتحا على الاجتهاد ، لا عبر الرجوع الى نصوص تاريخية جامدة ، بل عبر مسايرة العصر والدخول في معاركه السامية من اجل كرامة الانسان وحريته وتقدمه .
ملاحظة اخيرة من قيمة فكرية تضاهي فقيدنا: يقول المفكر يوسف الصديق انه يعرف الفقيد ويحترمه ، رغم اختلافه معه، وان «محمد الطالبي كان يقيم صلواته وكان تقيا ولا يشرب الخمر بتاتا.» لعل ذلك يكون درسا لدعاة التدين ، فتحليله لشرب الخمر مرده التزامه بالنص القراني واحترامه لحق ألاختلاف،كضمانة للتعايش، وفي ذلك عبرة لذوي الالباب .
المصدر: موقع "المغرب" التونسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.