العرائش أنفو لم أكن أتصور أن أعود للكتابة على إدريس الأزمي المشهور بإدريس "البليكي والديبشخي" الذي سبق لي أن خصصت له مقالا مناسباتيا سنة 2020 بعنوان " إدريس 'البليكي والديبشخي' يقدم أسوأ صورة عن ممثلي الأمة في هذا الظرف العصيب" (نشر بالتتابع في الموقع الإليكتروني "سياسي" وموقع "أخبارنا"، على سبيل المثال، بتاريخ 18 و21 أكتوبر من السنة المذكورة). وما كنت لأهتم بهذا البرلماني عن مدينة فاس باسم حزب العدالة والتنمية، لولا وقاحته وسلاطة لسانه. ففي جلسة دستورية، قدم إدريس "البليكي والديبشخي" (كلمتان سوقيتان، استعملهما في سياق سيتضح في الفقرات الموالية) صورة سيئة عن ممثل الأمة وصورة مخجلة عن نفسه وعن الحزب الذي بمثله. فخلال اجتماع اللجنة المالية بالبرلمان حول موضوع تقاعد البرلمانيين، تبين لهذا المخلوق أن الاتجاه العام للمداخلات يسير نحو الإلغاء، فانفجر غضبا وحَنَقا على داعمي هذه الفكرة. ومما زاد من فورة غضبه وحدة تدخله، وجود مقترح قانون، تقدم به الفريق الاشتراكي، يرمي إلى القطع مع تعدد الأجور والتعويضات عن المهام التمثيلية، والتي تمنح للهيئات الترابية والمهنية المنتخبة، وللمؤسسات الدستورية والإدارية، على أساس أن يكتفي المسؤول المعني بتعويض واحد من اختياره. وهذا ما أصاب إدريس"البليكي والديبشخي" بالسعار لدرجة أنه أطلق كلاما لا مُسوِّغ له ولا معنى، حيث قال بالحرف في أكتوبر 2020: "واش بغيتوا البرلمانيين والحكومة والولاة والعمال والرؤساء والمدراء والموظفين يخدموا بيليكي وبدون أجر، وفي نهاية الشهر ما يلقوا ما يوكلوا لولادهم"؟. صاحب هذا القول الفضيحة في أكتوبر 2020، استضافته، يوم الثلاثاء 20 ماي 2025، الإعلامية المتميزة، الأستاذة صباح بنداود رفقة الصحافي المقتدر عبد الله لشكر، في إطار برنامج للنقاش السياسي على "الأولى"، يحمل عنوان "نفطة إلى السطر". وقد تمت استضافته بصفته نائب أول لعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية. وكان ملتمس الرقابة هو النقطة الأولى التي تناولها البرنامج من خلال الأسئلة التي طُرحت على الضيف؛ ومن بينها موضوع انسحاب الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية من المبادرة الرقابية، رغم أنه هو من كان وراءها. لم يكن الضيف لا محاورا لبقا ولا موضوعيا؛ بل كان وقحا، كذَّابا، حاقدا حد السفالة. فما كان يهمه، هو تصفية الحسابات مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكأن هذا الأخير فوت على حزب العدالة والتنمية فرصة العمر. فهذا الأخير لم يكن له من هدف سوى الركوب على مبادرة الفريق الاشتراكي، رغم أنه آخر من التحق بها، لجعلها فرصة للعودة إلى الواجهة من خلال تقديم ملتمس الرقابة أمام البرلمان. وقد بدا هذا واضحا من خلال ردة فعل الثلاثي الانتهازي بالفطرة (بنكيران، الأزمي، بوانو)، تمثلت في ندوة صحافيه، أطلقوا فيها العنان للكذب والافتراء وفجروا فيها أحقادهم على الاتحاد الاشتراكي الذي يشكل لهم عقدة بتاريخه وتضحياته وإسهاماته في البناء المؤسساتي ببلادنا؛ وهي عقدة تكاد تكون شبيهة بعقدة النظام الجزائري المريض بالمغرب. شخصيا، لم أستغرب وقاحة وسفالة ضيف برنامج "نقطة إلى السطر"، نظرا لسوابقه في هذا الباب ونظرا للحاضنة الإيديولوجية التي نشأ فيها. ولن أفاجأ إذا ما فاق أستاذه في البلطجة السياسية وفي سوء الأخلاق وصناعة الأكاذيب والأراجيف. لقد اتهم الاتحاد الاشتراكي بالتآمر وتحدث عن البيع والشراء داخل المعارضة، وذكر تفاوضا عن 12 دائرة، أقحمها في هذيانه دون مسوغ ولا مبرر يقبله العقل، وغير هذا من السفاسف والقذارات التي تكشف معدن صاحبها وتفضح خباياه. ألا تقول الحكمة الشعبية: "السفيه ينطق بما فيه"؟ ولم يكن قرار الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بتوقيف المبادرة الدستورية التي أطلقها لأهداف سياسية وطنية وليس لأهداف حزبية ضيقة، لم يكن ليمر دون تأثير نفسي قوي على القوم الذين "يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا" والذين لا يخشون أكل السحت ولا يتورعون عن قطف ثمار مجهودات غيرهم؛ لذلك جن جنونهم وفقدوا صوابهم، فراحوا يكيلون الاتهامات للاتحاد الاشتراكي الذي فوَّت عليهم فرصة السطو على مجهودات فريقه البرلماني وحرمهم من استعراض عضلاتهم على حسابه بانتهازية مقيتة لا تقيم وزنا لا للأعراف المؤسساتية ولا للأخلاق السياسية. خلاصة القول، هناك فرق كبير بين الحزب الذي يقدم مصلحة الوطن على مصلحة الحزب والحزب الذي يقدم مصلحته على مصلحة الوطن. وبمعنى آخر، لا مجال للمقارنة بين حزب يجعل من السياسة وسيلة للإثراء وخدمة الأتباع وترقيتهم اجتماعيا، وبين حزب يجعل من السياسة وسيلة لخدمة الوطن وتوعية المواطن، بغض النظر عن الموقع الذي يحتله، إن في الأغلبية أو المعارضة. بالنسبة للاتحاد الاشتراكي، ستبقى حكومة عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله علامة فارقة في تاريخ الحكومات المغربية؛ أما بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، فحكومة عبد الإله بنكيران قد تدخل التاريخ على أساس أنها كانت مجرد حادث مروري خلَّف وراءه العديد من الضحايا في المجتمع المغربي. وبما أن المقام لا يسمح بتناول الحكومتين معا والمقارنة بينهما من حيث الإيجابيات والسلبيات، فإنني أكتفي بالإحالة على مقال لي بعنوان "الانتقال الديمقراطي في المغرب بين التناوب المغدور والتناوب المهدور" (نشر بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" يوم 22 أبريل 2016)؛ وهو مقال يلخص، من جهة، تجربة التناوب التوافقي بقيادة عبد الرحمن اليوسفي، والتي تم الغدر بها من قبل أصحاب شعار "أمولا نوبة" وحلفاؤهم الجدد؛ ومن هنا، جاءت فكرة التناوب المغدور؛ ومن جهة أخرى، يلخص تجربة التناوب الديمقراطي الذي خرج من صناديق الاقتراع، واحتُرمت في تشكيل حكومته المنهجية الديمقراطية التي أصبحت مُتَضَمَّنة في دستور 2011 باقتراح من الاتحاد الاشتراكي. لكن مع الأسف، لم يكن رئيس الحكومة من رجال الدولة الأكفاء ولم يكن الحزب الأغلبي في مستوى الدستور الجديد، فأهدروا التجربة وأعادوا عقرب الديمقراطية إلى الوراء؛ ومن هنا، جاءت فكرة التناوب المهدور.