المغرب يحتفل بذكرى ميلاد ولي العهد    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    "العدالة والتنمية" يدعو وزارة الداخلية إلى إطلاق المشاورات بشأن الانتخابات المقبلة    تحذيرات من تدهور الوضع الصحي لمعطلين مضربين عن الطعام بإقليم تاونات ومطالب بإطلاق سراح رفاقهم    مطار محمد الخامس بالدار البيضاء: المكتب الوطني للمطارات يطلق طلبي إبداء اهتمام لإنجاز المحطة الجديدة    الجالية تحصل على أكبر حصة من دعم السكن.. والفئات الهشة خارج دائرة الدعم    إغراق السوق بال "PVC" المصري يدفع المغرب إلى فرض رسوم مضادة    منتخب الشبان في صدام ناري أمام تونس لحسم بطاقة العبور لربع نهائي كأس إفريقيا    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    قادمة من مليلية.. ضبط 1170 قرص ريفوتريل مخبأة تحت الملابس بمعبر بني أنصار    اختتام الدورة الأولى للمنتدى الدولي للصناعة والخدمات بجهة أكادير    المغرب يحتفي باليوم العالمي لشجرة الأركان كرافعة للتخفيف من آثار التغيرات المناخية    سانشيز: المغرب أنقذ إسبانيا من أزمة كهرباء غير مسبوقة    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    بركة: إحداث 52 ألف فرصة شغل بقطاع البناء والأشغال العمومية    فرنسا تواصل معركتها ضد الحجاب.. هذه المرة داخل الجامعات    قيادي حوثي: اتفاق وقف إطلاق النار مع أمريكا لا يشمل إسرائيل    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    دكاترة الصحة يذكرون بمطالب عالقة    قمة دوري الأبطال تستنفر أمن باريس    لامين يامال يقدم وعدًا إلى جماهير برشلونة بعد الإقصاء من دوري أبطال أوروبا    قتلى وجرحى في قصف متبادل بين الهند وباكستان    500 مليون دولار خسائر مطار صنعاء    الكرادلة يبدأون عصر الأربعاء أعمال المجمع المغلق لانتخاب بابا جديد    بورصة الدار البيضاء.. أداء إيجابي في تداولات الافتتاح    بايدن يتهم ترامب باسترضاء روسيا    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    المغرب يدخل خانة البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة وفقا لمعايير برنامج الأمم المتحدة للتنمية    صيحة قوية للفاعل الجمعوي افرير عبد العزيز عن وضعية ملاعب القرب بحي العامرية بعين الشق لالدارالبيضاء    القوات المسلحة الملكية: ندوة بالرباط تسلط الضوء على المساهمة الاستراتيجية للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    دافيد فراتيزي: اقتربت من فقدان الوعي بعد هدفي في شباك برشلونة    كيوسك الأربعاء | لفتيت يكشف الإجراءات الأمنية للتصدي للسياقة الاستعراضية    انتر ميلان يتغلب على برشلونة ويمر إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    الرؤية الملكية لقضية الصحراء المغربية من إدارة الأزمة إلى هندسة التغيير والتنمية    السياحة الريفية في الصين... هروب من صخب المدن نحو سحر القرى الهادئة    من النزاع إلى التسوية.. جماعة الجديدة تعتمد خيار المصالحة لتسوية غرامات شركة النظافة التي تتجاوز 300 مليون سنتيم    وهبي: نقابات تكذب... وقررت التوقف عن استقبال إحدى النقابات    مستشفى ورزازات يفتح باب الحوار    عاملات الفواكه الحمراء المغربيات يؤسسن أول نقابة في هويلفا    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تفتتح بباكو المعرض الرقمي "الزربية الرباطية، نسيج من الفنون"    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    نيروبي: افتتاح أشغال مؤتمر دولي لليونيسكو حول التراث الثقافي بإفريقيا بمشاركة المغرب    وزير إسرائيلي: "غزة ستدمر بالكامل"    موسم طانطان ينطلق في 14 ماي.. احتفاء بتقاليد الرحل وبالثقافة الحسانية    "قفطان المغرب" يكرم التراث الصحراوي    افتتاح فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    زوربا اليوناني    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن المخزن و فن الغلام
نشر في مرايا برس يوم 13 - 09 - 2010


فن المخزن
دولة المخزن تِنِّين قدِر – حسب توماس هوبز- أينما تململ أفسد، وكلما دخل إلى قرية إلا وقال له الفساد خُذني معك. أفسد التعليم والإعلام والقضاء والصحة والمال والسياسة والرياضة والمسجد والبادية والمدينة... وكذلك الفن. حيث ما وُجد فساد منظم وخطير إلا ووراءه تخطيط دار المخزن. هذا من الثوابت. وتذكَّر إن شئت من يحمي حِمى المخدرات والخمور والدعارة، ومن يُحصِّن المافيات وعصابات الاختطاف والتعذيب والقتل! وتفكَّر فيمن مكَّن المجرمين الكبار من مؤسسات الشَّعب حتى قتلوا فيها روح النزاهة والجدية والمروءة والوطنية! وانظر ما فُعِل بالنقابات والجمعيات والأحزاب كيف أُفرغت من جوهرها لتُمسي بوقا للتضليل! واقرأ ما نُشِر حول تمويل سهرات العبث والمجون من مال الشعب المُفَقَّر، "حيث كانت ميزانية هذه الأفراح تقتطع من الأموال المرصودة أصلا لتوفر بها الجماعات المحلية حاجيات السكان الأساسية" (1) ، لترى أموال المسلمين تصرف في شراء ذمم الفنانين والشعراء والمثقفين لمدح الحكام بالألقاب الكبيرة وترويج السفالة في صورة البطولة.
هذا هو فن المخزن الأصيل، أما ما تبقى فهو مادة للتسويق، وأوهام صالحة للاستعمال، وتتفاضل بتفاضل أدائها للدور المحدَّد لها، فقد تكون عيَْطة البلاط مفضلة بالأمس وقد يصبح "الرَّايْ" و"الرُّوك" هو الأفضل اليوم.
أما الفن الحر، والرِّسالي، الذي يُذكِّر بالله ويتغنى بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي لا يُقَوْلَبْ في قالب مخزني فهو محارَب ومتهَم.
فن الغلام
هذا ما وقع للفنان العالمي رشيد غلام منذ اليوم الذي امتنع فيه أن يشتغل خَمَّاساً عند الحُكام وصرَّح بضرورة تعالي الفن عن رغبات السلطة بقوله :"ففنِّي يخلو من السياسة ومن الخطاب الإيديولوجي، والفن أرقى من المتغيرات السياسية ويرتبط بصيرورة البشرية عموما. أنا أتكلم فقط في الحب الإلهي والحب النبوي" (2)، إذ يتعرض لتضييق منقطع النظير؛ محاصرة بيته، مراقبة تحركاته، التصنت على مكالماته، مساومته من طرف كبار المسؤولين في البلاد، تهديده بالاغتيال، عرقلة أشغاله...وأخيرا تم اختطافه من وسط مدينة البيضاء يوم الأحد 25 مارس2007، وتعذيبه بطرائق مختلفة و جد قاسية بإحدى الغابات، بعدما جُرِّد من جميع ملابسه، ولما بلغ منه الجهد حمله الذين تصالحت معهم لجنة "الإنصاف والمصالحة" مُسرِعين حتى رموه في "شقة مُعدة للدعارة" بمدينة الجديدة! ولفقوا سيناريو التضليل وبيتوا التهمة بليل، وقالوا: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}الشعراء19 بنِعَم المخزن. وقدموه للمحاكمة يوم الجمعة 30 مارس 2007 لتحكم عليه ابتدائية الجديدة في منتصف الليل بالسجن لمدة شهر نافذ! والتهمة هي التحريض على الفساد!!
فهل له بصيصُ عقلٍ من يصدِّق هذه الحكاية البليدة؟ وإلا كيف أن الأستاذ رشيد غلام -وهو يُعِد لإحياء ليلة المولد النبوي في القاهرة- خرج من بيته بالبيضاء ليطير إلى مزبلةٍ قدرةٍ لا يرتادها إلا "الشَّمْكارة"؟ وإن كانت تحميها السلطات.
أليس مَن صنع المؤامرة هو نفسه الذي يخطف الناس من بيوتهم ويدفنهم أحياء تحث الأرض أو يرميهم في معتقلات تازمامرت وقلعة مكونة ودار المقري...؟؟
أليس من يُنكر اليوم هو من أنكر البارحة وجود أية معتقلات سرية في المغرب؟؟
...وكيف حضرت السلطة بسرعة البرق الخاطف إلى عين المكان وهي التي لا تكاد تتململ حتى ولو وقع زلزال في الحسيمة أو مات عشرات الأطفال في خنيفرة؟ وبأمر من النيابة العامة!!! ووكالة المخزن العربي للإدعاء؟
كيف يُسرع القضاء في الحكم؟ ويرفض إجراء حتى الخبرة الطبية أو المتابعة في حالة سراح؟؟
ولماذا لم تفعل السلطات شيئا مع الخنزير البلجيكي الذي هتك الأعراض في أكادير ووجدة والبيضاء شهورا عديدة؟؟
"فهل يحقُّ للدولة أن تمنع {رشيد غلام}، وتقول بأنها دولة مسلمة، في حين لا تمنع تجمعاتٍ عن الأفعال القبيحة، ولا تمنع السهرات، والتي تكون بشكل مياوم، بل قد توفر لها الأمن والحماية، بل تنعشها من باب إنعاش الاقتصاد وإنعاش السياحة الجنسية؟"
"إن كانت مشقتكم واحدة فإن ربحكم ألف إن شاء الله"
يظن الظالمون أن الأساليب الخِسِّيسة: السجن، التشنيع، الاختطاف، التعذيب،... تثني الصادقين عن قول الحق وفضح الباطل، وتلجم الدعاة عن التصدي لغطرسة الحكام. وينسون أن المحنة تنقلب بإذن الله إلى مِنحة ربانية تمحِّص القلوب، وترفع الذِّكر، وتُقوي الشوكة، وتُمتِّن الدين، وتُعجل النصر، واقرأ سير الأنبياء الكرام عليهم السلام لتأخذ العبرة، وتدبر قول الحق جل وعلا: {ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:1-3).
فكلٌّ يُبتلى على حسب دينه، كلما زاد إيمانه كلما كبر ابتلاؤه، سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرَّجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد صلابة وإن كان في دينه رِقَّة خُفف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ماله خطيئة"( 3). قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أشدِّ الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يَلُونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"(4 )
لهذا ف"إن الله قَرَن البلاء بالولاية كيلا تُدَّعَى" كما قال الجيلاني رحمه الله، فلا اصطفاء من غير ابتلاء، وإذا أحب الله عبدا ابتلاه. والابتلاء هو الذي يميز الضعيف من القوي، والصادق من المُدعي.
السجن ضريبة الحرية، أداها كلُّ حرٍّ أبيٍّ في تاريخ البشرية، والابتلاء مدرسة نبوية تربى فيها كل رسول ونبي وكل مُخلصٍ وولِي. وأُذكر نفسي وإياك بسير سادتنا العلماء: مالك والنُّعمان وابن إدريس وابن حنبل وابن جبير وابن تيمية وعز الدين والبنا والقطب وياسين...
أخي رشيد لقد أضفت إلى صيتك مالا تملك أن تدركه بصوتك
أخي رشيد زادكم الله رشدا وكمالا ولَ "إن كانت مشقتكم واحدة فإن ربحكم ألف إن شاء الله" كما يقول بديع زمانه سعيد النورسي، وهو الذي سبقك رحمه الله في الابتلاء.
أخي رشيد: ما عند الله خير مما عند المخزن وقديما قال فيلسوف المطرقة: "الأفكار العظيمة هي التي نسقيها بدمائنا"، والمبادئ الصادقة هي التي تزداد رسوخا بعد الابتلاء. نسأل الله التبات وحسن الخاتمة.
ثم ماذا بعد؟
ها أنتم هؤلاء منعتم مجالس النصيحة، وشمَّعتم البيوت، وحاكمتم الأبرياء، واعتقلتم العلماء، وأوقفتم الأئمة، وأهنتم الدعاة، وطردتم الطلبة، وحاصرتم الجامعات، وكسَّرتم العظام، وأكلتم أموال الأيتام، ولفقتم التهم الباطلة، وتواطأتم على الظلم.
ها أنتم قد أوصلتمونا إلى الفشل؛ جوَّعتم شعبنا، ونشرتم البؤس في أمتنا، وأنتجتم اليأس في شبابنا، وقتلتم الأطفال الرضع، وأهملتم البادية وميَّعتم المدينة. فأي مستقبل ينتظركم؟
"إن القوة لا تصنع حقا، وإننا لسنا ملزَمين بالطاعة إلا لما هو شرعي" (روسو)، وكل استعباد باسم الحق فهو باطل. وما يبنى عليه فهو باطل أيضا. والظلم آيل للأفول، والعاقل من يصدع بالحق ويجأر بِ: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ}.
---------------------------------------
1- جريدة "الأيام" عدد176
2- حوار مع جريدة "المساء" عدد53
3- سنن الدارمي، (2783)، 2 / 412
4- مسند أحمد بن حنبل، (27124)، 6/369.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.