الشرع يصل إلى أمريكا في زيارة رسمية    كرة القدم: "أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي" (إنفانتينو)    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    توقيف التجمعي يوسف مراد في المطار بشبهة التهريب الدولي للمخدرات    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    مونت-لا-جولي.. مغاربة فرنسا يحتفلون في أجواء من البهجة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    مقتل فلسطيني في قصف إسرائيلي    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة الى تصحيح المفهوم الايديولوجي الخاطيء للحضارة المغربية
نشر في مرايا برس يوم 17 - 10 - 2010

مثلما كان الناس من قبل لا يدركون ان الشمس في حقيقتها نجمة من نجوم السماء , بل كانوا يعتقدون ان الشمس شيء , والنجمة شيء اخر , وانهما تختلفان في طبيعتهما وفي حجمهما , كذلك الكثير من الناس ما يزالون لحد الان يعتقدون ان الحضارة المغربية شيء , والحضارة الامازيغية شيء اخر , تتمايزان عن بعضهما في التكوين والمكون , غير انه مثلما لم يصل الناس الى ادراك حقيقة وحدة الشمس والنجمة الا بعد التخلي عن الثقافة الايديولوجية المفبركة , والنظر الى الامور بمنظار العقل والعلم , كذلك ادراك الوحدة العضوية القائمة بين الحضارة المغربية و الامازيغية , لا يحصل ايضا الا بشرط معرفة حقيقة الحضارة الامازيغية , معرفة واضحة ومتميزة , استناذا الى ا لاحكام الموضوعية للنهج العلمي والمنطقي .
فما هي اذن حقيقة مفهوم هذه الحضارة ؟
مما لاشك فيه أن أغلب الناس مواطنين كانوا او اجانب مثقفين او عوام , يجدون الجواب عن هذا السؤال منقوشا في ذاكرتهم على الشكل التالي:
((الحضارة الأمازيغية هي كل ما أنتجه المغاربة "الامازيغ" في الجبال والقرى النائية من رقصات واغاني وحكايات الجدات، وحلي، وأطعمة وأعراف وعادات وقصبات الصحراء وغير ذلك من الإنتاج المادي والغير المادي الذي يطغى عليه في الغالب طابع الشفوية والصناعة الحرفية، مضاف اليه بعض الكتابات والإبداعات الحديثة التي أنتجها مثقفوا الحركة الثقافية الأمازيغية في عصرنا الراهن ))
وهذا الجواب الجاهز رسخ في الاذهان مفهوما مغلوطا عن الحضارة المغربية مفاده انقسام هذه الحضارة الى قسمين مختلفين :
1 - حضارة امازيغية متخلفة وذات طابع بدوي مزمن , تنتمي في الغالب الى المغاربة "الامازيغ" ,
2 - ثم حضارة عربية مدنية راقية , تنتمي الى المغاربة "العرب"
ونتيجة لهذا المفهوم الايديولوجي الذي جرد الامازيغ من عطاء اية حضارة متطورة , فقد اعتاد الناس على الاعتقاد بان كل ما يوجد في بلادنا من مدن تاريخية كمراكش وفاس وشالة (الرباط) ووليلي وتينجيس (طنجة) وبناسا والصويرة وغيرها , وكل ما انتج فيها من عمران وثقافة راقية , لاعلاقة له بالشعب الامازيغي او بالحضارة الامازيغية , معتبرين انه من انتاج شعوب اخرى كانت بحسب تسلسل العصور , اما فينيقية او رومانية او عربية .
هذا وقد ظلت الصورة الخاطئة لهذا المفهوم تطبع عقلية شعبنا وتوجه سياساته لمئات السنين , الى ان ظهر في العصر الحديث مفهوم جديد للهوية , يؤسس انتماء حضارات الشعوب عامة , على معيار الشعب والارض , وليس على معيار الدم والنسب العرقي , او على معيار اللغة والنمط الحضاري , المعتمد عليهما من طرف المفهوم السابق , فتوصل بهذا المعيار الموضوعي الى حقيقة الحضارة الامازيغية , تخالف جذريا ما سبق ان صاغه المفهوم القديم عنها من تعريف مغلوط .
وهذه الحقيقة كالتالي :
الحضارة الامازيغية هي كل ما انتجه الشعب الامازيغي من ثقافة مادية او غير مادية , في فترات استقلاله , على امتداد تاريخه كله , مستعملا في ذلك اما لغته الامازيغية واما لغة اجنبية متبناة , انطلااقا من نقائش وادوات العصر الحجري , الى بناء صرح مسجد الحسن الثاني في عصرنا الراهن .
وطبعا كل متامل في هذه الحقيقة يجدها صادقة و صحيحة , لارتكازها على معيار موضوعي وعادل , يتجلى في البناء الفعلي لاعمال حضارية , بغض النظر عن اللغة المستعملة في هذا البناء , او عن الاصول العرقية لافراد الشعب .
ومما لاشك فيه ان منطق هذه الحقيقة يفرض بداهة ان تنسب الى الشعب الامازيغي كل الحضارات التي ثبت فعليا انه هو الذي بناها بمجهوده وعرق جبينه , كما يفرض كذلك ان يسترد هذا الشعب كل منجزاته الحضارية التي اختلسها منه المفهوم السابق , لضمها الى شعوب اخرى , استناذا الى معياري اللغة والنسب العرقي العنصريان .
ويبدو ان مشروعية هذا المنطق تستمد قوتها من تجربة بعض الشعوب التي تبني حاليا حضارتها على لغة اوروبية متبناة , وعلى النمط الحضاري الغربي السائد في العالم , مثل الشعب السينغالي والافواري في افريقيا , والشعب الهندي في اسيا , ذلك انه لا يعقل ان تسلب هذه الشعوب من حضارتها الحديثة , وتنسب اما الى الشعب الفرنسي , او الى الشعب الانجليزي , لا لشيء الا لانها شيدت حضارتها الجديدة هذه على اللغة الفرنسية او على اللغة الانجليزية .
اذن اذا ما تخلينا في تصنيف الحضارة الامازيغية , عن معياري اللغة المتباة , والنسب العرقي , المتجاوزين علميا وعالميا , واعتمدنا على معيار الشعب والارض الموضوعي , فان ذلك سيفضي بنا حتما الى قراءة جديدة لهذه الحضارة , تعيد تشكيل مراحلها التاريخية كما يلي :
أولا: ان الحضارة القرطاجية في حقيقتها هي حضارة أمازيغية , لأن الذي بناها هو الملك الأمازيغي (أيارباس) وخلفاؤه، وليس – كما يعتقد خطا - الأميرة الفينيقية (عليسا) او (ديدون) وأتباعها التي التجأت الى هذا الملك القوي لحمايتها من أخيها (بيجماليون) الراغب في قتلها , وانه نظرا لتبوث تاريخيا قيام هذه الأميرة باحراق نفسها هي ومن جاء معها ، لرفضها الاقتران بهذا الملك الذي طلب منها الزواج، فان قراءة التاريخ القديم قراءة سليمة تعلمنا أن لا علاقة للأميرة المذكورة ولا للفينيقيين بتأسيس مملكة قرطاج ، لأن التاريخ يشهد أن هؤلاء عندما جاؤوا الى تامازغا (شمال افريقيا) وجدوا مملكة (ايارباس) قائمة وقوية بجيشها وحدودها وكل مؤسساتها , وأنهم عندما احرقوا أنفسهم ، تركوا هذه المملكة التي استمرت في قوتها , بل وفي توسعها في ضفتي البحر الابيض المتوسط الجنوبية والشمالية , الى أن قضى عليها الملك الامازيغي ماسينيسا بعد تحالفه مع الرومان .
ولكن رغم تاكيد التاريخ لحقيقة وجود مملكة ( ايرباس ) قبل مجيء الاميرة الفينيقية , ورغم تاكيده ايضا لحقيقة استمرار هذه المملكة بعد هلاك هذه الاميرة هي والفينيقيين الذين اتوا معها , فان وزارة التربية الوطنية مع الاسف الشديد تصادق على كتب مادة التاريخ والاجتماعيات تدرس لناشئتنا تاريخا محرفا مفاده ان الاميرة (ديدون) المذكورة هي التي اسست مملكة قرطاج وان مواطني هذه المملكة فينيقيون , اصلهم من مدينة (صور) اللبنانية .
ولذلك ينبغي لهذه الوزارة في تقديري ان تتراجع عن اعتماد معيار اللغة الايديولوجي الذي يلحق هذه الحضارة ظلما بالفينيقيين , لا لشيء الا لان الامازيغ اعتمدوا في بنائها على اللغة البونيقية , التي كانت في اصلها لغة عامية انبتقت من خليط من الفينيقية و الامازيغية.
وفي هذا السياق أشير أن هذا التحريف التاريخي للحضارة الامازيغية القرطاجية المعتمد على حكاية ديدون الهاربة من الشرق , قد تكرر واعاد نفسه ايضا مع حكاية ادريس الاول الهارب كذلك من الشرق , حيث لقنت لنا كتب التاريخ الايديولوجي خرافة كونه مؤسس الدولة الإدريسية، مع العلم أنه كان بعيدا عن هذا التأسيس , لثبوت تاريخيا أنه لما جاء الى المغرب , وجد دولة قوية قائمة , بحدودها وبجيشها وبعاصمتها الراقية مدينة وليلي المبنية على الطراز الروماني الرفيع ، وبملكها الشجاع عبد الحميد الأوربي الذي حماه من الدولة العباسية ، مثلما حمى في السابق الملك ايارباس الاميرة عليسا من اخيها بيجماليون , ثم ايضا بماضيها العريق الذي يعود الى ما قبل الفتح الاسلامي , كما يشهد على ذلك كتاب (البيان المغرب) لابن عذاري الذي ذكر ان موسى بن نصير لما عاد الى الشام صحب معه عشرين ملكا من ملوك المدائن التي فتحها في شمال افرييقيا من بينهم ملك اوربة المسمى ( مزدانة ) .
ولكن مؤسساتنا التعليمية والاعلامية وغيرها تركت مرة اخرى العلم والعقل وتبنت الخرافة الايديولوجية التي توحي لناشئتنا كون المغرب كان عبارة عن قبائل بدوية مشتتة ومتصارعة , الى ان جاء ادريس الاول , فجمعها في دولة , وعلمها ان تعيش لاول مرة في مدينة راقية .
ومن هنا فان النزاهة العلمية تقتضي كذلك ان تتخلى كل الوزارات المعنية عن معيار النسب العرقي العنصري في تحديد هوية الدولة الادريسية التي ينبغي ان تسمى هكذا الدولة الاوربية , نسبة الى الاوربيين مؤسسيها الحقيقيين , على اعتبار ان الدول تحتفظ عادة باسم مؤسسيها الاولين , ولا يتغير اسمها بملوكها المتعاقبين , مهما بلغوا من قوة ومهما كان لهم من تاثير , بدليل ان الدولة العلوية بقيت محتفظة باسم مؤسسها الاول الذي لم يتغير ليحمل اسما اخر لاحد ملوكها العظماء الذين تعاقبوا على عرشها , كما ينبغي لهذه الوزارات ايضا ان تتخلى عن ذلك المعيار العرقي في تحديد هوية ادريس الاول , فتعتبره ملكا امازيغيا من ملوك الدولة الاوربية , استناذا الى واقعة تجنيسه , واندماجه في الشعب والوطن الامازيغيين , هذا التجنيس الذي خول له طبعا الاستمتاع بكافة حقوقه المدنية والسياسية , اذ المنطق والحس السليم يؤكدان ان الاوربيين ما كانوا ليسندوا اليه وظيفة الامامة والملك لو لم يكونوا متاكدين فعلا من اندماجه فيهم , ومن اخلاص ولائه لدولتهم .
واعتقد انني لست بحاجة الى البرهنة على صحة معيار الشعب في تحديد الهوية الوطنية للاشخاص , والبرهنة كذلك على العمل به وتطبيقه عالميا في الماضي والحاضر , بدليل اعتماده من طرف الرسول محمد (ص) , حينما اعتبر نفسه عربيا على الرغم من انتساب جده ابراهيم عليه السلام الى هوية اخرى غير عربية , واعتماده ايضا من طرف الشعب الفرنسي الذي يعتبر الرئيس نيكولا ساركوزي مواطنا فرنسيا على الرغم من انتماء اصوله العرقية ال شعب اخر , ثم اعتماده ايضا من طرف شعوب اخرى كثيرة .
وبعد هذه الاشارة التوضيحية لحقيقة تاريخ ادريس الاول التي دفعنا اليها الاستطراد في معرض الحديث عن الدولة الامازيغية القرطاجية نعود لنواصل سرد القراءة الجديدة لمختلف الحضارات الامازيغية المتعاقبة بعد سقوط هذه الدولة .
ثانيا : ثم أن ما بناه الشعب الأمازيغي من ثقافة وحضارة بواسطة ملوكه ماسينيا وجوبا الأول وجوبا الثاني وبطليموس وباخوس قبل الاحتلال الفعلي الروماني يجب أن يدمج في الحضارة الأمازيغية على الرغم من بناء هذه الحضارة باللغة اللاتينية وبالنمط الحضاري الروماني.
ثالثا : وأيضا ان الانتاجات الفكرية والإبداعية للكتاب والمبدعين الأمازيغ في عهد الاحتلال الروماني مثل القديس اوغسطين، وأبوليوس، ودوناتوس، واراطوسطينس وفرونطوماركوس وتيكينيوس وغيرهم يجب عدلا وانصافا ان تدخل في عداد الثقافة الأمازيغية وليس في عداد الثقافة الرومانية بالرغم من عدم انتاج هذه الابداعات باللغة الأمازيغية.
رابعا : وأخيرا فان كل ما أنتجه هذا الشعب في العهد الإسلامي بعد استقلاله عن الخلافة العربية في المشرق , وحكم نفسه بنفسه بواسطة اماراته ودوله وامبراطورياته انطلاقا من الدولة الأوربية (الإدريسية) مرورا بالدولة المرابطية والموحدية الى الدولة العلوية في عصرنا الحاضر , يجب أن يدرج في خانة الحضارة الأمازيغية وليس في خانة الحضارة العربية , لكي لا ندخل بذلك في اطار الاختلاس الحضاري الفج المضاد للعقل وللقانون الطبيعي.
وهكذا فاذا ما طرحنا جانبا ايضا الفكرة الخاطئة للمفهوم القديم الذي تختزل الشعب الامازيغي في سكان الجبال والمناطق النائية من شمال افريقيا , فان حقيقته ستبدو جلية واضحة كالتالي :
1) – انه الشعب الذي اتخد من أرض شمال افريقيا وطنا له منذ ان كان يتواصل فيه فقط بالإشارات، أي قبل توليده في نفس هذه الأرض لغته الأمازيغية التي تميزه عن باقي شعوب العالم.
2) – ان هذا الشعب كان مثله مثل جل شعوب المعمور يغزو في فترات طغيانه أوطان شعوب أخرى مثلما فعل في عهد قائده (شيشونغ) الذي يقال انه احتل أرض مصر مؤسسا فيها الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين، وكما فعل أيضا في العهد القرطاجي حينما استولى على اسبانيا وجنوب ايطاليا، وبعض جزر البحر الأبيض المتوسط، ثم كما كرر هذا الفعل أيضا في العصور الوسطى حينما اكتسحت جحافل جيوشه أرض مصر والشام موطدة فيها دولته الفاطمية، وأخيرا عندما عادت جيوشه الى الأندلس بواسطة امبراطورياته المرابطية والموحدية ، لكن في مقابل ذلك يخضع هو أيضا طبعا للغزو والاستعمار في فترات ضعفه وانقسامه ، وقد كان أول استعمار تعرض له هو الاستعمار الروماني (وليس الفينيقي كما يعتقد) وآخره الاستعمار الفرنسي والاسباني والايطالي.
3) – انه معروف بحرصه على حماية وطنه وسيادة كيانه، ومشهود له تاريخيا أنه لا يستكين أبدا اذا ما هوجم في أرضه، وأنه يظل يقاوم ويحارب المستعمر كيفما كان الى أن يستعيد حريته ولو كلفه ذلك زمنا طويلا وكفاحا مريرا، بدليل أنه كان آخر الشعوب التي خضعت للاستعمار الروماني وأول الشعوب المسلمة التي استردت سيادتها من الخلافة العربية في المشرق وأخذت تحكم نفسها بنفسها انطلاقا من الدولة الأوربية (الإدريسية) الى الدولة العلوية في العصر الحاضر كما سبقت الاشارة الى ذلك من قبل .
4) – أنه لم يعرف عنه قيامه بابادة الشعوب التي غزاها، كما لم يعرف عنه ايضا قيام أي غاز أو مستعمر بابادته كليا أو جزئيا، أو وقوع تهجيره من وطنه، وبذلك لم يكن مصيره شبيها بمصير الهنود الحمر في أمريكا أو الشعب الأسترالي الأصلي في قارة استراليا، وهذه الحقيقة تؤكد اذن أنه مثلما كان حائزا لوطنه في الماضي، فانه حائز له أيضا في الحاضر، كما تؤكد ايضا أن كل مواطني شمال أفريقيا حاليا بدون استثناء هم الدين يشكلون لحمته ، واستمرار وجوده في أرضه.
5) – أنه لا يؤسس هويته الأمازيغية على عنصر العرق أو الجنس بل على الانتماء للشعب والوطن الأمازيغيين، معتبرا ان كل منتم لهما مواطنا أمازيغيا ولو كانت أصوله العرقية من شعب آخر ، مثلما يعتبر كذلك أن الأمازيغ القدامى المستوطنين للأندلس اسبانيي الهوية ، والأمازيغ الفاطميين المستوطنين في مصر والشام , مصريين وشاميي الهوية، ونفس الشئ بالنسبة للأمازيغ المستقرين في بلاد السينغال وفي دول افريقية أخرى.
وبعد :
فان كل هذه الأسباب والمعطيات الموضوعية تفضي بنا الى نتيجتين هامتين :
الأولى هي كون المفهوم السابق لحضارتنا ليس سطحيا أو ايديولوجيا فحسب، بل هو خطير أيضا على وحدة شعبنا وعلى وحدة تاريخنا، لأنه يرسخ في الأذهان أن الشعب الأمازيغي شيء ، والشعب المغربي والمغاربي شيء آخر، وأن الحضارة الأمازيغية شيء ، والحضارة المغربية والمغاربية شيء آخر.
أما الثانية فهي أن الشعب الأمازيغي هو نفسه الشعب المغربي والمغاربي ، وأنهما لا يختلفان الا في الاسم ، وأن الحضارة الأمازيغية والحضارة المغاربية هما أيضا اسمان مترادفان لمسمى واحد.
الصافي مومن علي
محام بالدارالبيضاء
المصادر
قصة الحضارة - ويل ديورانت
تاريخ قرطاج - مادلين هوراس ميادان
البيان المغرب - ابن عذاري
الدولة والمجتمع في العصر الموحدي – ذ الحسين اسكان
كتاب الجديد في الاجتماعيات المصادق عليه من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الاطر والبحث العلمي – السنة السادسة من التعليم الابتدائي .
الوعي بذاتنا الامازيغية - الصافي مومن علي
الامام ادريس مؤسس الدولة الادريسية - علال الفاسي , عبدالله كنون , عبدالهادي التازي , محمد المنوني .
تاسيس اول دولة عربية اسلامية في المغرب الاقصى - د العربي اكنينح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.