انعقاد مجلس الحكومة غدا الخميس    تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية.. تنفيذ 98% من مخططه الاستراتيجي وتصفية أكثر من 4,4 ملايين قضية خلال سنة 2024    الصين تختبر أسرع قطار فائق السرعة في العالم ب 453 كيلومتر في الساعة    بكين تستضيف جلسة خاصة لتخليد ذكرى عودة تايوان إلى الوطن الأم    أكاديمية محمد السادس مبادرة رائدة لجلالة الملك أسهمت في تطوير كرة القدم المغربية وبروز المواهب الشابة (قناة مكسيكية)    مونديال كرة القدم للسيدات لأقل من 17 سنة (المغرب 2025 ) المنتخب الأمريكي يفوز على نظيره الصيني ( 5-2)    شريفة مسكاوي تحمل العلم الوطني في المرحلة الخامسة من "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء"    الدار البيضاء.. مصرع شخصين وإصابة اثنين آخرين بجروح في انهيار منزل بالمدينة القديمة (سلطات محلية)    محكمة أكادير تدين 33 شخصا ب260 سجناً سنة بسبب أحداث التخريب التي رافقت احتجاجات "جيل زد"    متحف اللوفر في باريس يعيد فتح أبوابه أمام الجمهور ثلاثة أيام بعد تعرضه لعملية سطو    وزير الصحة يرد على جدل ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الطبية    باراغواي تجدد التأكيد على دعمها "الراسخ" لسيادة المغرب على صحرائه    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    أبطال أوروبا.. باريس وإنتر وأرسنال يواصلون الانتصارات وبرشلونة يستعيد الثقة بسداسية    هزيمة ثانية للمنتخب المغربي ضد نظيره الإيطالي في مونديال الفتيات    عطل فني في طائرة ليفربول يورط "الريدز" وسلوت: العطل ليس عذرا قبل مواجهة فرانكفورت    واتفورد يطلق مسابقة للفوز بقميص موقع من النجم المغربي عثمان معما    محكمة العدل الدولية تصدر حكمها الأربعاء بشأن التزامات إسرائيل تجاه المساعدات إلى غزة    الإمارات: طبعنا العلاقات مع إسرائيل لتغيير طريقة التفكير في المنطقة    التخريب يستنفر أمن مرس السلطان    طقس حار في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    كيوسك الأربعاء | المنتجات المغربية تدخل 24 سوقا إفريقيا بدون رسوم    تقرير يسجل ارتفاع أسعار الخضر والفواكه واللحوم.. والرشيدية أغلى مدن المغرب    مواجهات مع مطالبين بطرد اللاجئين من إيرلندا    لجنة مشتركة بين المغرب وإسبانيا والبرتغال لتعزيز أثر تظاهرة مونديال 2030    الرباط تحتضن ندوة وطنية لإطلاق مشروع "معا من أجل عدالة حمائية للأطفال والنساء المحتجزات مع أطفالهن"    كتاب فرنسي جديد: المهدي بن بركة قُتل غرقاً في حوض الاستحمام بإشراف الدليمي وبتنسيق مع "الموساد"    سانشيز يطالب الاتحاد الإوروبي بإلغاء التوقيت الصيفي نهائيا    انطلاق المنظومة الجديدة للدعم المباشر للمقاولات الصغرى والمتوسطة في 2026    مجلة ليكسوس تدخل تصنيفات معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي"    اصطدام حافلتين يسلب حياة العشرات في أوغندا    انهيار منزل يقتل شخصين بالبيضاء    فنانون من 12 دولة يثرون الدورة 14 لمهرجان العرائش الدولي    إسرائيل تتعرف على "جثتي رهينتين"    تخفيضات الميزانية تهدد جهود الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بالعالم    مشاركة منتدى الصحراء للحوار والثقافات في المؤتمر الدولي بمدينة الصويرة    الممثل عبد القادر مطاع يودع الدنيا عن 85 سنة    المغرب: عجز ميزانية متوقع في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2026 (تقرير)    رحيل قامة فنية مغربية: عبد القادر مطاع في ذمة الله    الملحمة الأوروبية تعود من جديد : ريال مدريد ويوفنتوس يشعلان المنافسة الأسطورية لعشّاق الكرة في المغرب    إدريس لشكر… قائد التجديد وواضع أسس المستقبل الاتحادي    بعد تسجيل مستويات قياسية.. الذهب يشهد أسرع تراجع منذ سنوات    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    رابطة ترفض "إقصاء الفيلم الأمازيغي"    بين "أوتيستو" و"طريق السلامة" .. المهرجان الوطني للفيلم يستقبل الهامش    بين الأعلام والمطالب.. الجيل الذي انتصر في الملعب واتُّهم في الشارع    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    "لارام" تدشن خطا مباشرا بين الدار البيضاء وميونيخ    كنزة الغالي.. سفيرة بروح وطنية عالية تجسد الوجه المشرق للمغرب في الشيلي    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصيدة الإصلاح من الداخل
نشر في بوابة إقليم ميدلت يوم 20 - 11 - 2013

شكل ترأس عبد الإله بن كيران لأول حكومة بعد ما سمي ب" الربيع المغربي" والمناورة المخزنية على الشارع المغربي بطرح دستور ممنوح منقح باختصاصات وصلاحيات شكلية من طرف طهاة المخزن، والتي ظهر زيفها منذ شهورها الأولى لتنفيذه على أرض الواقع، والمقصد الأساس منه، احتواء الانفجار الشعبي الذي خلفته عقود من الاستبداد والفساد الذي شل جل القطاعات والمجالات في البلد، واستعمال ورقة حزب العدالة والتنمية في هذه الظرفية السياسية التي تشهدها المنطقة إقليميا لم يكن عبثيا، وجاء من أجل امتصاص الغضب الشعبي والركوب على الموجة.
اختيار البيجدي لإنقاذ المخزن من سخط الشارع الذي تلقف رسائله منذ الوهلة الأولى، كان اختيار ماكر واعتمد على عدة فرضيات نجح صناعها في الأخير، بإيهام المواطن المغربي "الغلبان"، أن المغرب بالفعل عرف قفزة إلى الإمام بعد حراك 20 فبراير والاستفتاء على دستور يخول للحكومة والبرلمان صلاحيات لم تكن ضمن اختصاصاتهم من قبل، ونزع صلاحيات كانت بالأمس في يد المؤسسة الملكية، وتزعم حزب العدالة والتنمية الحزب "الإسلامي المعارض" الذي لم يسبق له منذ تأسيسه المشاركة في أي حكومة.
كلها كانت سيناريوهات محبوكة وماكرة للانقلاب عن التحرك الشعبي والالتفاف عليه، والذي استخدم للأسف الشديد حزب أعطى له ثلة من أبناء الشعب المغربي المغرر بهم الذين مازالوا يزورون صناديق الاقتراع ليدلون بأصواتهم في كل موسم تزوير انتخابي، رغم اقتناعهم الراسخ أن الفائز في الاقتراع الحالي لن يظهر أمامهم إلى بعد انصرام خمس سنوات ليعاود الكر من جديد أو يسلم المشعل إلى "بزناز" انتخابي الآخر ليكمل الدورة الانتخابية.
مشروع حزب العدالة والتنمية والداعي إلى ضرورة التمسك ب "ثوابت البلد" كشرط جوهري في "مشروعه المجتمعي"، و العمل على الإصلاح من داخل المؤسسات، كان مقبرة الحزب. والذي لطالما حذر من مغبة الارتماء في أحضان المخزن والوقوع في فخ الإصلاح من الداخل الذي لا محالة سيحقق للمخزن أهداف كبيرة على حساب الحزب، والكل يعلم علم اليقين بأن الحقل السياسي المغربي مفاتيحه كلها في يد القصر ويحركها كما يشاء وأينما شاء، وتحليلات المفكرين المغاربة والمهتمين بالشأن السياسي وكذا تصريحات زعماء سياسيين يتحدثوا عن المشهد الحزبي في حقبة الثمانينات والتسعينيات كانت في أغلبها تجد تقاطعات مع مهندسي القصر أو بأوامر من الحسن الثاني مباشرة وهذا حصل غير ما مرة في انتخاب الأمناء العامين للأحزاب أو في قضايا مصيرية خاصة بمستقبل الأحزاب أو تأسيس أحزاب بطلب من القصر أو تحالفات وتنسيقيات هجينة تحت الطلب المخزني، مما يجعل من قضية المشاركة في الانتخابات والسير قدما نحو تصدرها لتحقيق مشروعه وإصلاح مؤسسات الدولة من الداخل كما يرفع قياديي الحزب الحاكم، يبقى من ضرب الخيال والمستحيل، سيما إن تعارضت مع مخططات ورؤى المتحكمين في المشهد ولاعبي الشطرنج الحزبي الحقيقيين.
أقصي الحزب وهمش في انتخابات سابقة بشكل كبير، وغض البصر من طرف الدولة عن استعمال المال الحرام واستغلال النفوذ في عدة دوائر انتخابية لصالح خصوم الحزب من أجل إضعافه وقطع الطريق عنه للحصول على المقاعد الجماعية أو البرلمانية، كانت السمة البارزة في سنوات خلت، وفي نفس الوقت كانت الدولة العميقة تستغل تواجده في المشهد السياسي لتأثيثه وإظهار التنوع والاختلاف لإضفاء التعددية وتنوع المشارب في الساحة السياسية.
ومع موجة الربيع العربي واعتلاء أبناء الحركات الإسلامية في دول الربيع العربي للمشهد السياسي ووصولهم إلى سدة الحكم، استغلها المخزن كذلك و عمل على الدفع بالبيجيدي كوجه جديد إلى الواجهة من جهة لإعطاء إنطباع جديد للمواطن المغربي في المشهد الحكومي وكذا لأن الحزب يعرفه المخزن علم اليقين ويعرف خباياه ومكامن الضعف والقوة وصنيعته وعلى مزاجه، ومن جهة أخرى، لإضعاف حركة 20 فبراير بعد تنامي الاحتجاجات واتساعها في جل المدن المغربية والمشاركة الكبيرة التي عرفتها المحطات التي تدعوا لها الحركة وطنيا ومحليا من طرف عموم شرائح المجتمع وتقويض الحركات الداعمة للحركة والتي أبانت عن قوتها وتجدرها في المجتمع وقدرتها للحشد والتنظيم، ومن جهة ثالثة حاول الحفاظ على الإستقرارالأمني الذي غاب في دول الربيع العربي والذي سيخول له جلب استثمارات جديدة وازدياد ثقة المانحين والمؤسسات المالية الدولية وصعود أسهم المغرب في السوق العالمية.
سياسة المخزن الماكرة كانت مدروسة بعناية لإخراج نفسه من نفق المتاهة التي يسير في اتجاهها ونار الشارع الذي بدأ يشب عن الطوق ويبحث عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والقطع مع ازدواجية السلطة والثروة والريع الذي تفشى في كل المجالات والقطاعات وينخر الدولة ومؤسساتها، فكان لزاما أن يجد أكباش فداء جدد لإنقاذه من السكتة القلبية الثانية، وإن كانت تبعاتها السياسية على حساب الحزب المنقذ بنفسه كما حصل في حكومة التناوب لتظهر من جديد الإيديولوجية الانقلابية في فكر المخزن.
وهذا ما بدا واضحا من الإرهاصات الأولى التي تلت تحركات المخزن في ما بعد حراك 20 فبراير، وظهر في انتقامه السريع من الحزب الذي ساهم بمعيته في التحايل على الشعب وتمرير إصلاحات صورية من دستور ممنوح وانتخابات قاطعها غالبية المواطنين وحكومة مشلولة أسالت الكثير من المداد ولا زالت.
ففور دخول عبد الإله بن كيران إلى رئاسة الحكومة أرسل القصر إليه رسالة واضحة، وهي تعيين فؤاد عالي الهمة كمستشار ملكي، الذي طالب الشارع برحيله من المشهد السياسي، والعدو اللذوذ لرئيس الحكومة الذي لا طالما طلب واستعطف الملك في خطبه وخرجاته الإعلامية من إبعاده من محيط القصر، وتعيين السفراء من طرف الملك، والتحالف الهجين في النسخة الثانية من الحكومة مع أحزاب لطالما هاجمها الحزب وأعضاؤه وقال فيها ما لم يقله مالك في الخمر. بالإضافة إلى تأزيم الوضع المالي بالمغرب من طرف اللوبيات الاقتصادية، دفع الحكومة إلى الاستدانة الخارجية، التي تغرق البلاد في براثن التبعية للمؤسسات المالية الغربية، و)دفعت( إلى توسيع الوعاء الضريبي والرفع من مداخيل الخزينة العامة والتي تعود دائما عواقبها على الطبقة الفقيرة والمتوسطة، والزيادات المتتالية في أسعار المحروقات وبعض المواد الأساسية والاستهلاكية في ظرف زمني وجيز.
لم يقف تدخل مهندسو المشهد الحزبي عند هذا الحد، بل سعوا إلى توريط العدالة والتنمية في عراكات سياسية فارغة، أفرزت لنا فعل سياسي هجين أصبح الهدف الأساسي فيه هو التنابز السياسي بين قادة الأحزاب والسب والشتم والسخرية، مما خلقَ قاموس سياسي جديد، يستمد أطروحاته ومصطلحاته من حظيرة الحيوانات ومن المصطلحات السوقية (الزنقاوية) والتي أصبحت "موضة" الساسة في هذه الأيام، فبعد التماسيح والعفاريت وتبرير عجز الحكومة عن معالجة الملفات العالقة والتي تحتاج إرادة سياسية قوية من أجل انتشال حقوق المواطنين المهضومة من طرف شرذمة نافذة تجمع بين السلطة والثروة، ليعلق السياسيين عجزهم عن مواجهة الفساد المستشري على التماسيح والعفاريت والمدير وصاحبتوا والحياحية وضريب الغرزة.. ولائحة طويلة من المصطلحات الغريبة عن الحقل السياسي. قاموس دخيل عن الممارسة الحزبية والتي تستقي كلماتها من الشارع لتُعبر بما لا يدع مجال الشك، على المستوى المتردي للعقل السياسي المغربي الذي يعيش أزمة هوية وأزمة قيم، والذي أصبح يطرح وبإلحاح على المثقفين والأكاديميين دراسة متأنية للظاهرة من كل الجوانب وإيجاد الأسباب والحلول الممكنة، قبل أن يصبح الحقل الدلالي السياسي مرتعا لمصطلحات هجينة وتمييع السياسة والفعل السياسي، وإنقاذ المواطن المغربي من استبخاس وتسطيح فكره السياسي، وتسويق الشعبوية الماكرة والخادعة.
إفقاد الثقة في الفاعل الجديد "العدالة والتنمية" وإلصاق به كل المشاكل والأزمات التي كانت حصيلة حكومات متعاقبة وعقود من الاستبداد والفساد ، وتوجيه أصابع النقد إلى الحكومة الحالية وتحميلها مسؤولية الفشل في ملفات بعينها وتأزيم الوضع، كله يفتل في حبل المخزن ليفقد المواطن الثقة في الفاعلين السياسيين ويبقى هو المتصدر للمشهد وحامي البلاد ومصدر ثقة المواطنين .. ليظهر بما لا يدع مجال للشك أن أطروحة الإصلاح من داخل المؤسسات، أطروحة لا معنى لها في مشهد سياسي عبارة عن مسرح مفتوح للكومبارس الحزبيين لتنفيذ السيناريو المعد لهم سلفا.
يوسف أريدال
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.