كأس الكونفدرالية الإفريقية.. نهضة بركان يتأهل للنهائي بعد انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد 0-0    السيام 16 حطم روكور: كثر من مليون زائر    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    اتحاد العاصمة ما بغاوش يطلعو يديرو التسخينات قبل ماتش بركان.. واش ناويين ما يلعبوش    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    أشرف حكيمي بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    حماس تنفي خروج بعض قادتها من غزة ضمن "صفقة الهدنة"    الاستقلال يترك برلمانه مفتوحا حتى حسم أعضاء لجنته التنفيذية والفرفار: الرهان حارق (فيديو)    جمباز الجزائر يرفض التنافس في مراكش    احتجاج أبيض.. أطباء مغاربة يطالبون بحماية الأطقم الصحية في غزة    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة واعتراض السبيل وحيازة أقراص مخدرة    لتخفيف الاكتظاظ.. نقل 100 قاصر مغربي من مركز سبتة    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    بيدرو سانشيز، لا ترحل..    محكمة لاهاي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وفقا لصحيفة اسرائيلية    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بلوكاج اللجنة التنفيذية فمؤتمر الاستقلال.. لائحة مهددة بالرفض غاتحط لأعضاء المجلس الوطني        بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    نصف ماراطون جاكرتا للإناث: المغرب يسيطر على منصة التتويج    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية بسبب فلسطين    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    الدورة 27 من البطولة الاحترافية الأولى :الحسنية تشعل الصراع على اللقب والجيش الملكي يحتج على التحكيم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة 2 : كيف تسرق الحكومة أموال الشعب ؟ ... تعطيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ^ الحسابات الخصوصية ^ كنموذج
نشر في ناظور24 يوم 04 - 10 - 2011

حدة الاحتجاجات غداة اندلاع الربيع العربي،اليوم الترسانة القانونية من خلال الوثيقة الدستورية باتت موجودة، ما ينقصنا، حسب المحللين، هو كيفية تشغيل الميكانيزمات المرتبطة بهذا الدستور ،حيث ثبت بالملموس عدم تفعيل نصوص الدستور الجديد في شق ربط المسؤولية بالمحاسبة كمثال على ذلك نورد في هذه المقالة ملف الحسابات الخصوصية الذي ظل لعقود مضت من بين العلب السوداء التي يمنع الخوض فيها.
في خريف كل سنة يتابع المغاربة على شاشة التلفزيون نوابهم ومستشاريهم وهم يتصايحون بحماس ظاهري ويتبادلون الانتقادات بملء الصوت أثناء مناقشتهم لميزانية البلاد. بيد أن ما لا يدركه هؤلاء المغاربة هو أن المؤسسة التشريعية، التي يجب عليها مبدئيا مراقبة مالية البلاد لأن مصدرها من جيوب المواطنين، لا تتحكم بشكل كامل في خمس ميزانية البلاد. فالبرلمان لا يناقش البتة وثيقة مهمة جدا ملحقة بمشروع الميزانية تحمل اسم "الحسابات الخصوصية".
وبلغت قيمة هذه الحسابات، التي لا تخضع لأي مراقبة، 52 مليار درهم (5200 مليار سنتيم) في ميزانية هذه سنة2011 مرتفعة بنسبة 13 في المائة عما كانت عليه في 2010
كثرة هذه الحسابات وعزلها عن الميزانيات القطاعية أبرز العوامل التي تساهم في انفلاتها من المراقبة، وتعقد قراءتها بشكل مفصل ودقيق بالمؤسسة التشريعية.
وانتقدت هيئة حماية المال العام بشدة "عدم تفكير الحكومة في الضغط على هذه المؤسسات من أجل خلق تمويلات ذاتية"، مقترحة على الجهاز التنفيذي "التفكير مستقبلا في دمج الحسابات الخصوصية جميعها في ميزانيات القطاعات الوزارية بشكل عادي". وسيمكن إجراء من هذا القبيل البرلمانيين من مراقبة الحسابات الخصوصية ومساءلة الحكومة عن قنوات صرفها.
وإذا كان القانون يوكل مهمة مراقبة هذه الحسابات للخزينة العامة للمملكة والآمرين بصرفها والمسؤولين عن تدبير مجالات تدخلها، إضافة إلى الرقابة البعدية للمفتشية العامة للمالية والمجلس الأعلى للحسابات، فإن الهيئة لاحظت أن "الإدارة المكلفة بمراقبة الالتزامات بنفقات الدولة لا تراقب هذه الميزانيات"، فضلا عن البطء الذي يطبع عمل المفتشية العامة للمالية والمجلس الأعلى للحسابات، الشيء الذي يصعب مهمة التدقيق في طرق صرف تلك الاعتمادات، خصوصا وأنها مختومة بطابع "خاص".
شددت الهيئة الحقوقية كذلك على أن "صعوبة الولوج إلى المعلومة بالمغرب يجعل معرفة طرق الصرف غامضة ما لم تنفتح الإدارة المعنية بذبك وتقدم المعلومات الضرورية".
إذا كان البرلمان يفتقر إلى صلاحية مناقشة هذه الحسابات قبيل الشروع في صرفها وأثناء إنجاز المشاريع التي رصدت لأجلها، فإن المراقبة البعدية أصعب بكثير في بلد يحتل مرتبة جد متواضعة في مؤشر "الميزانية المفتوحة" الذي تعده منظمة "ترانسبرانسي" على رأس كل سنتين .
في التصنيف الأخير، الذي أعلن عنه متصف شهر أكتوبر الماضي، احتل المغرب الرتبة 69 من أصل 94 دولة بمعدل 28 نقطة. رصيد جعله من بين أضعف المغرب سوى على الجزائر والسعودية والعراق الذي تذيل الترتيب، علما أن الأردن تصدرت العرب برصيد 50 نقطة.
وثائق عدة ترفع نسب شفافية الميزانية، وتقوي المراقبة البعدية لها، لا يتوفر عليها المغرب، بعضها لم يسبق له أن أعدها من حصوله على الاستقلال قبل أزيد من خمسة عقود، وبعض آخر يظل حبيس رفوف القطاعات الحكومية، ولا يجد طريقه إلى أيدي الخبراء ووسائل الإعلام، فبالأحرى أن يطلع عليه المواطنون.
فباستثناء مشروع قانون المالية، الذي يتم تقديمه إلى البرلمان، لا تصدر الحكومة أي وثائق من شأنها تعزيز شفافية ميزانيتها، مثل التقرير الأولي للميزانية وتقرير منتصف السنة وتقرير المراقبة والافتحاص، ولا تنشر التقارير التي تنجزها في آخر كل سنة عن ميزانيتها السنوية، كما أن فهم مضامين مشروع قانون المالية ونصه النهائي المعتمد من لدن البرلمان، يستعصي على عموم المواطنين، ولا يستطيع فك شيفرات أرقامه الكثيرة سوى خبراء السياسة العمومية.
في جنوب إفريقيا، التي تصدرت التصنيف العالمي لمؤشر "الميزانية المفتوحة"، تصدر الحكومة، كل سنة، تقريرا أوليا للميزانية العامة للبلاد، قبل إعداد مشروع قانون المالية والاستعداد لإحالته على المؤسسة التشريعية، بالإضافة إلى نشر تقارير مفصلة عن نفقات ومداخيل الدولة في ختام كل سنة مالية.
وفي غياب هذه الآليات، يبقى تتبع طرق صرف الميزان العامة للدولة، وليس الحسابات الخصوصية فقط، محط تساؤلات كثيرة، خصوصا وأن قطاعات كثيرة تستفيد من اعتمادات إضافية يتم تمريرها أما نواب الأمة دون أن يستطيعوا النبس ببنت شفة بشأنها: تأييدا أو انتقادا.
قطاعات محظوظة
في خريف كل سنة، يأتي الوزراء تباعا إلى البرلمان للدفاع عن ميزانيات القطاعات التي يتولون تدبير شؤونها داخل لجن المؤسسة التشريعية.
الوزراء المحظوظين يفدون على قاعة مناقشة ميزانية قطاعهم بمعنويات مرتفعة، والسبب ضمانهم نصيبا من كعكة الحسابات الخصوصية التي لن تنقص من ملاييرها انتقادات المعارضة ولا حتى تصفيقات الأغلبية سنتيما واحدا. مبعث الاطمئنان: "فيتو" الاستثناء الذي تقتضيه الأوراش المفتوحة في القطاعات المستفيدة.
وإذا كانت التربية الوطنية والصحة تحتلان الصدارة بسبب المبالغ المهمة التي ترصد لهما من الميزانية العامة للدولة، فإن وزارة الداخلية تتصدر لائحة الوزارات على مستوى عدد الحسابات الخصوصية في سنة 2010، جاءت قائمة الوزارت المستفيدة، مرتبة حسب الأهمية، على الشكل التالي: الاقتصاد والمالية، الداخلية، الوزارة الأولى، إدارة الدفاع الوطني، الطاقة والمعادن، التجهيز والنقل، الفلاحة والصيد البحري، المياه والغابات والإسكان والتعمير والتنمية المجالية. ولم يلمس أثر لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القانون التنظيمي لقانون المالية ينص على عدة أصناف من هذه الحسابات تبقى الحسابات المرصودة لأمور خصوصية أهمها، عددا وميزانيات، وإلى جانبها حسابات القروض، حسابات الانخراط في المؤسسات الدولية، حسابات العمليات النقدية، وحسابات الانخراط في المنظمات الدولية...
ثمة أيضا انتقادات تهم تمكين بعض القطاعات من اعتمادات مالية تفوق بكثير حاجياتها الحقيقية، وهو ما "يفتح المجال لنشوء معاملات مشبوهة كالتبذير واستعمال هذه الحسابات الخصوصية في منح امتيازات وصرف علاوات مغرية للموظفين والمسؤولين بدون وجه حق" على حد قول الخبير الاقتصادي محمد كريم.
ويفسر هذا المعطى، في حالات كثيرة، الفروق الحاصلة في الأجور والتعويضات بين الهام بين عدد من القطاعات. ففي المغرب، يمكن أ، يصل الفارق المالي بين أجرتي إطارين، من نفس المستوى الإداري، يعملان في قطاعين مختلفين إلى نحو مليوني سنتيم والسبب في أحايين كثيرة، حصول القطاع، الذي يعمل فيه الموظف ذي التعويضات المجزلة، على جانب من كعكة الحسابات الخصوصية الملتحفة بالسواد، وإن استمدت مسوغات وجودها من القانون.
الإفلات من المراقبة... إلى متى؟
إذا كانت تلك حال الميزانية العامة للدولة، فوضعية الحسابات الخصوصية أسوأ. ذلك أن وزارة الاقتصاد والمالية تكتفي ببيان مداخيلها دون جرد مجموع النفقات. "ففي التقييدات الموازناتية المتعارف عليها دوليا" يقول محمد كريم، "لا يتم عرض رصيد هذه الحسابات فقط، وإنما تفكك وتدرج مداخيلها مع المداخيل العادية، ونفقاتها مع مصاريف التسيير أو التجهيز حسب الحالة".
كان يفترض أن يقطع المغرب مع هذه الوضعية قبل ست سنوات على الأقل. فقد كانت الحكومة المغربية أعلنت انخراطها، رسميا، فيما يسمى المعيار الخاص بنشر المعطيات، الذي بلوره صندوق النقد الدولي في سنة 2005. في هذا الاتجاه، أعدت الخزينة العامة للمملكة الصيغة المغربية من هذا المشروع، وتتمثل أبرز مستجداته، حسب محمد كريم، في "إلزامية تسجيل جميع المعطيات، بما في ذلك الحسابات الخصوصية، على أساس الاستحقاق، وليس الأساس النقدي".
ويمني البرلمانيون النفس، كذلك، بأن يفتح لهم إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية منافذ لمراقبة هذه الحسابات، ومعها المؤسسات العمومية المستفيدة منها. غير أ، صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، أخلف موعده معهم بجعل 2010 سنة إصلاح هذا القانون. المعارضة، ممثلة في حزب العدالة والتنمية، أكدت أن الحكومة وأغلبيتها، وحدهما، تستطيعان القطع مع عهد الإفلات من الرقابة. في حين دعا عبد الله البورقادي إلى ربط هذه العملية بالضرورة بطلب من المؤسسة التشريعية. أما أحمد الزايدي، رئيس الفريق الاشتراكي للقوات الشعبية، فشدد على وجوب "إعمال الرقابة البرلمانية على المؤسسات العمومية، خاصة وأن استثمارها تفوق استثمارات القطاعات الوزارية". القيادي الاتحادي اعتبر أ،ه "من العبث أن تظل المؤسسات التي تتولى استثمار ثلثي المال العام خارج الرقابة البرلمانية".
وإذا كان لحسن الداودي انتقد الحسابات الخصوصية ووصفها ب"آلية تهريب الاعتمادات الملية"، فإن البورقادي اعترف باستحالة إلغائها جميعها، واستدل على ذلك بصندوق مواجهة الكوارث الطبيعية. وفي انتظار خروج الصيغة الجديدة من القانون التنظيمي لقانون المالية، الذي ينتظر أن يعمد إلى إقرار توزيع الميزانية العامة للدولة حسب الجهات، وليس تبعا للقطاعات، كما هو معمول به، وهو نافذة تحتمل إلغاء هذه الحسابات، فإن تجربة صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الذي يضخ فيه نصف عائدات خوصصة المؤسسات العمومية، يبقى نموذجا لنقل الحسابات من مجرد صناديق تستفيد من اعتمادات بملايير السنتيمات تحت إمرة وزير إلى مؤسسة عمومية قائمة الذات ذات مجلس إطاري يضمن تسييرا مستقلا وفعالا لموارد المالية، التي فاقت 40 مليار درهم. فهل يمكن تحويل بعض الصناديق، خصوصا التي تتوفر على موارد مالية مهمة، إلى مؤسسات عمومية؟ وإلى متى سيظل هذا النوع من المؤسسات في منأى عن رقابة المؤسسة التشريعية؟
حسابات الخزينة... الغموض المضاعف
ليست الحسابات الخصوصية الآلية المالية الاستثنائية الوحيدة التي تفلت من رقابة البرلمان. ثمة أيضا حسابات الخزينة التي يلجأ إليها المحاسب العمومي من أجل تسوية تقييداته المحاسباتية وأداء متأخرات الأداء، ولا يكو نلها في معظم الحالات تأثير على العجز الموازناتي.
وتقوم الخزينة العامة بإعداد هذا النوع من الحسابات على رأس كل شهر، ورغم أنها تبين ذلك في وثيقة "الميزان العام للحسابات"، فإنه لا يحق للبرلمان مناقشتها، بل إنها لا تعرض عليه أصلا من أجل التصويت أو المصادقة.
وعكس الحسابات الخصوصية، التي تحدث بموجب القانون التنظيمي لقانون المالية لسنة 1998، فإن حسابات الخزينة ليست قانونية، لعدم التنصيص عليها في أي من النصوص التشريعية المنظمة للمالية العمومية ببلادنا كالمرسوم المنظم للمحاسبة العمومية الصادر في سنة 1967، والمرسوم التطبيقي للقانون التنظيمي لقانون المالية الذي تم اعتماده قبل 11 سنة.
وتشهد حسابات الخزينة، على غرار الحسابات الخصوصية، تباينا ملحوظا على مستوى القطاعات المستفيدة منها.
وأكثر من ذلك، يتم في بعض الحالات تحويل حصة من الحسابات الخصوصية نحو حسابات الخزينة، وتبرز من جديد أوصاف القطاعات المحظوظة التي تستفيد من الاعتمادات المالية التي تحصل عليها بناء على هذه الآلية ذات الطابع الاستثنائي، وتصرف جزأ منها على شكل تعويضات مجزلة لموظفيها ومسؤوليها.
وتطرح هذه الآلية بدورها علامات استفهام بخصوص الآمرين بصرفها. فهل يعقل أن يحصل موظفون وأطر عموميون بجرة قلم من وزير على علاوات وتعويضات أكثر مما يتقاضاه إطار من الدرجة الإدارية نفسها في قطاع أقل حظوة؟
شركات كبرى تتحول إلى صناديق سوداء
الحسابات الخصوصية وحسابات الخزينة ليست وحدها ما ينعت بالصناديق السوداء بالمغرب. ثمة صناديق أكثر قتامة. إنها الشركات، بما في ذلك العمومية، التي تتملص من أداء الضريبة، وتحرم بذلك الميزانية العامة للدولة من موارد مالية مهمة.
قبل نهاية السنة الماضية، تفجرت فضيحة من العيار الثقيل في هذا الباب، لعبت فيها "شركة الخطوط الجوية الملكية" دور البطولة.
وإذا كانت الضرائب تشكل المصدر التمويلي الرئيس للحسابات الخصوصية، فهذا يعني أنها تحرم بدورها، على علاتها، من موارد مالية مهمة، من شأن تراكمها وتزايد أهميتها أن يشجع على نقلها من صناديق خاصة إلى مؤسسات عمومية قائمة بذاتها على غرار تجربة "صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية".
فقد كشفت المراجعة الضريبية التي خضعت لها "لارام" وكشف عن تفاصيلها في آخر أسبوع من السنة الماضية أن هذه الشركة لم تؤد سنتيما واحدا كضرائب لخزينة الدولة منذ إحداثها سنة 1958،أي قبل ثلاث وخمسين سنة.
وعلق إدريس بنهيمة الرئيس المدير العام لهذه الشركة، قائلا: "كانت لإدارة "لارام" طيلة 53 سنة قراءتها الخاصة للضرائب، وكانت تؤديها وفقا لهذه القراءة". بنهيمة نفسه اضطر إلى الجلوس على طاولة التفاوض مع صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، من أجل حصر المبلغ الذي ستدفعه شركته نتيجة لتملصها من أداء واجباتها الجبائية لأزيد من خمسة عقود. وقد تم تحديد هذا المبلغ في 1.4 مليار درهم (140 مليار سنتيم)، ضمنها 120 مليون درهم عن كتلة الأجور. مبالغ هائلة حرمت منها ميزانية الدولة على مدى سنين عديدة، فعلى من سيأتي الدور؟ وهل سينضاف اسم آخر إلى لائحة الشركات التي تلزم بدفع ما بذمتها من واجبات ضريبية؟
فرنسا: حسابات خصوصية... ولكن تحت المراقبة التشريعية
نظريا، لا توجد فوارق كبيرة من حيث التصور العام للحسابات الخصوصية بين المغرب وفرنسا. لكن ثمة فرقا جوهريا يتمثل في اعتماد الحكومة الفرنسية منذ بضع سنوات على المعيار الخاص لنشر المعطيات مع إعمال مبدأ الاستحقاق في توزيع الاعتمادات المالية لهذه الحسابات على مختلف القطاعات.
فضلا عن الصلاحيات التي يتمتع بها أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في مراقبة مالية المؤسسات العمومية.
ترفع الحكومة الفرنسية، بدورها، شعار "الاستثناء" إحداث هذه الحسابات، ومع ذلك عرفت تراجعا كبيرا في عهد الجمهورية الخامسة. ففي سنة 1947، الجمهورية الرابعة وقتها، وصل عدد هذه الحسابات إلى 400 في بلد لا يزال يضمد جراح الحرب العالمية الثانية. وقد وعى الفرنسيون باكرا بأهمية عقلنة هذه الحسابات وترشيد آليات إحداثها. بداية، صدرت نصوص تشريعية تسحب البساط من أيدي القوانين التنظيمية وتخص قانون المالية، وحده، بصلاحية إنشاء الحسابات الخصوصية.
وبعد ذلك، تم التأكيد على ضرورة انتظام دوريتها، واختير لذلك أن تراجع كل سنة، وإن استلزم ذلك ترحيل بعض الاعتمادات إلى السنة الموالية، بالإضافة إلى إخضاعها لرقابة المؤسسة التشريعية، بمجلسيها الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
غير أن الممارسة، كشفت، حسب متتبعي السياسة المالية الفرنسية، عن "هوة بين الأهداف التي دفعت المشرع للسماح بإحداث هذه الحسابات ونسب تحقيق تلك الأهداف من لدن السلطات العمومية، رغم محاولات الترشيد".
ويتم في بعض الحالات تحويل جزء من الاعتمادات المالية من أجل إنجاز برامج أخرى غير تلك التي أحدثت من أجل تنفيذها. عموما، تمكنت فرنسا بفضل معيار نشر المعطيات واعتماد مبدأ الاستحقاق وتعزيز الرقابة البرلمانية، من ترشيد كثير من نفقات حسابات يمنحها طابعها الاستثنائي هامشا كبيرا للمناورة في أعرق الديمقراطيات
اليوم الترسانة القانونية من خلال الوثيقة الدستورية باتت موجودة، ما ينقصنا، هو كيفية تشغيل الميكانيزمات المرتبطة بهذا الدستور، كما أنه بات من اللازم تفعيل المتابعات ليظهر للمواطن المغربي بأن المال العام بات بعيدا عن التلاعب، وبأن اللعبة الاقتصادية سترفض كل أشكال التجاوزات السابقة
الدستور في محك حقيقي ليثبت مشروعيته لأن القوانين مهما كتبت بصيغة متقتدمة فهي تستمد قوتها من التطبيق في الواقع و إلا كانت مجرد حبر على ورق كما هي الحالة هاته بين اهم ركيزة تستند عليها الدساتير و هي ربط المسؤالية بالمحاسبة بمقابل عد م مناقشة 5200 مليار(قيمة الحسابات الخصوصية) من اموال دافعي الضرائب .
بالإتفاق مع ميكرونيوز http://micronews.ma


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.