تحولت الجالية المغربية في إسبانيا خلال السنوات الأخيرة إلى القوة العاملة الأجنبية الأولى في البلاد، متجاوزة بذلك باقي الجنسيات، وعلى رأسها الجالية الرومانية التي كانت تتصدر المشهد لعقود. وبحسب آخر الإحصائيات الرسمية، بلغ عدد المغاربة المقيمين في إسبانيا أكثر من 1.09 مليون شخص، من بينهم أزيد من 363 ألفاً منخرطون في نظام الضمان الاجتماعي، ما يجعلهم في مقدمة المهاجرين النشيطين اقتصاديا داخل التراب الإسباني. هذا التحول يأتي في ظل توسع اقتصادي تشهده المملكة الإيبيرية، والتي أصبحت خلال العقود الأخيرة وجهة مفضلة للمهاجرين من مختلف الجنسيات، لا سيما من المغرب وأمريكا اللاتينية، حيث تضاعف عدد الأجانب فيها ثلاث مرات خلال عشرين عاماً فقط. ورغم الحضور القوي للمهاجرين من أمريكاالجنوبية، خصوصا الكولومبيين والفنزويليين، إلا أن القوانين الإسبانية الخاصة بالتجنيس منحتهم تسهيلات تجعلهم يخرجون سريعاً من إحصائيات الأجانب بعد حصولهم على الجنسية الإسبانية في ظرف عامين فقط، في حين يتوجب على المغاربة انتظار عشر سنوات للاستفادة من نفس الامتياز، ما يفسر بقاء أعدادهم ضمن فئة "العمال الأجانب" بشكل دائم. ويتوزع المغاربة العاملون في إسبانيا على قطاعات حيوية أهمها البناء، الفلاحة، والضيافة، بينما تلتحق النساء المغربيات أكثر بالخدمة المنزلية. وقد ساهم تعديل قانون الهجرة الإسباني مؤخرا في تسهيل إجراءات لمّ شمل العائلات، ما أدى إلى ارتفاع أعداد النساء والأطفال الملتحقين بأقاربهم من الجيل الأول. ورغم انخراطهم الكبير في الدورة الاقتصادية، لا يزال المغاربة يعانون من مظاهر التمييز العنصري و"السقف الزجاجي" الذي يحدّ من وصولهم إلى المناصب القيادية ومراكز القرار، سواء في المؤسسات أو الإدارات أو حتى داخل المجتمع المدني. ويؤكد ناشطون أن المغاربة غالباً ما يُربطون ظلماً بصور نمطية سلبية، ويُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، حتى عندما يكونون من مواليد إسبانيا. حوادث الاعتداءات العنصرية، كالهجوم الذي شهدته بلدة "توري باشيكو" جنوب البلاد، أظهرت هشاشة وضعية المغاربة، الذين باتوا في كثير من الحالات، هدفاً لحملات الكراهية والتحريض التي تقودها جهات يمينية متطرفة، خصوصا في ظل استغلال بعض الجرائم الفردية لتعميم الاتهامات ضد الجالية بأكملها. وفي المقابل، تسجل بعض النماذج المشرقة لأبناء الجالية المغربية حضوراً لافتاً في مجالات متعددة، أبرزهم اللاعب الدولي الشاب لامين يامال، نجم نادي برشلونة ومنتخب إسبانيا، والذي يُنظر إليه كرمز للأمل ومثال للاندماج الناجح، رغم المفارقة التي يرددها الكثيرون: "عندما يبدع، يُعتبر إسبانياً.. وعندما يُخطئ، يُذكر بأصوله المغربية". الجيل الثاني من المغاربة في إسبانيا، المولود والمتعلم داخل المجتمع الإسباني، يواجه اليوم معركة مزدوجة: الحفاظ على الهوية الأصلية، والسعي لنيل الاعتراف والانتماء الكامل لمجتمع لا يزال ينظر إليهم أحياناً بعين الريبة. ويبقى السؤال المطروح: هل سيتحول هذا الجيل الجديد من أبناء المغاربة إلى رافعة حقيقية لتغيير الصورة النمطية، وتثبيت موطئ قدم أقوى للجالية داخل المجتمع الإسباني؟