سيدي بنور.. حظر جمع وتسويق المحار بمنطقة سيدي داوود        الدخول المدرسي 2025-2026.. مجموع التلاميذ المسجلين بلغ 8.271.256 تلميذة وتلميذا    المغرب والصين يعيدان هيكلة الحوار    بعد الجزائر وموسكو .. دي ميستورا يقصد مخيمات تندوف من مدينة العيون    إعادة إنتخاب ادريس شحتان رئيسا للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين لولاية ثانية    حقوقيون يبلغون عن سفن بالمغرب    جمعيات تتبرأ من "منتدى الصويرة"    وهبي: لاعبون رفضوا دعوة المنتخب    أولمبيك آسفي يعود بالفوز من النيجر    إنفانتينو يزور مقر الفيفا في الرباط    سلطة بني ملال تشعر بمنع احتجاج    احتجاجات أكادير تحرك المياه الراكدة بقطاع الصحة.. غضب شعبي وزيارات للوزير تكشف الأعطاب المزمنة    "الملجأ الذري" يصطدم بنجاح "لا كاسا دي بابيل"    سي مهدي يشتكي الرابور "طوطو" إلى القضاء    تأجيل محاكمة الغلوسي إلى 31 أكتوبر تزامنا مع وقفة تضامنية تستنكر التضييق على محاربي الفساد    إقصاء العداءة المغربية آسية الرزيقي في دور النصف من مسابقة 800 متر ببطولة العالم لألعاب القوى    "حركة ضمير": أخنوش استغل التلفزيون لتغليط المغاربة في مختلف القضايا    أخبار الساحة    ترسيخا لمكانتها كقطب اقتصادي ومالي رائد على المستوى القاري والدولي .. جلالة الملك يدشن مشاريع كبرى لتطوير المركب المينائي للدار البيضاء        مشروع قانون يسمح بطلب الدعم المالي العمومي لإنقاذ الأبناك من الإفلاس    منتخب الفوتسال يشارك في دوري دولي بالأرجنتين ضمن أجندة «فيفا»    الصين تشيد بالرؤية السديدة للملك محمد السادس الهادفة إلى نهضة أفريقيا    بعد طنجة.. حملة أمنية واسعة تستهدف مقاهي الشيشة بالحسيمة    حجز أزيد من 100 ألف قرص مهلوس بميناء سبتة المحتلة    مساء اليوم فى برنامج "مدارات" : صورة حاضرة فاس في الذاكرة الشعرية    ثقة المغاربة في المؤسسات تنهار: 87% غير راضين عن الحكومة و89% عن البرلمان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    ثماني تنظيمات نسائية حزبية تتحد لإصلاح النظام الانتخابي وتعزيز مشاركة النساء    المغرب والصين يطلقان شراكة استراتيجية لإنشاء أكبر مجمع صناعي للألمنيوم الأخضر في إفريقيا    شركة عالمية أخرى تعتزم إلغاء 680 منصب شغل بجنوب إفريقيا    غرفة جرائم الأموال بفاس تفصل في ملف "البرنامج الاستعجالي" الذي كلّف الدولة 44 مليار درهم    تقنية جديدة تحول خلايا الدم إلى علاج للسكتات الدماغية        السجن المؤبد لزوج قتل زوجته بالزيت المغلي بطنجة    دوري الأبطال.. برشلونة يهزم نيوكاسل ومانشستر سيتي يتجاوز نابولي        زلزال بقوة 7.8 درجات يضرب شبه جزيرة كامتشاتكا شرقي روسيا    الدّوخة في قمة الدّوحة !    إشهار الفيتو الأمريكي للمرة السادسة خلال عامين ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة يزيد عزلة واشنطن وإسرائيل دوليًا    سطاد المغربي يعين الصحافي الرياضي جلول التويجر ناطقا رسميا    "لا موسيقى للإبادة".. 400 فنان عالمي يقاطعون إسرائيل ثقافيا    أسعار النفط دون تغير يذكر وسط مخاوف بشأن الطلب    المغرب في المهرجانات العالمية    إسرائيل تجمد تمويل مكافآتها السينمائية الرئيسية بسبب فيلم «مؤيد للفلسطينيين»    فيلم «مورا يشكاد» لخالد الزايري يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان وزان    تسجيل 480 حالة إصابة محلية بحمى "شيكونغونيا" في فرنسا    الكشف عن لوحة جديدة لبيكاسو في باريس    350 شخصية من عالم الدبلوماسية والفكر والثقافة والإعلام يشاركون في موسم أصيلة الثقافي الدولي    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاتكم القطار.....
نشر في أون مغاربية يوم 06 - 12 - 2011

يبدو أن قطار التغيير الذي انطلق من تونس وأخذ في كل محطة صورة متميزة لم يعد يقبل التوقف إلا بانتصار الشعوب وعودتها لقيادة نفسها دون وصاية من نخبة أو فئة. وكان نصيب المغاربة من الربيع محطة 25 نونبر بكل تداعياتها. وكما يحدث في بلدان الربيع العربي، ليس مفاجئا أن تتوالى الانتقادات والتخوفات من فوز العدالة والتنمية، كما أنه ليس مفاجئا أن ترهق بعض الأصوات التي بدا عَورها للعيان نفسها في مقاربة الحدث. لكن أجمل ما في انتصار بنكيران وإخوانه أنها تدفع خصوم الوجود الهوياتي للمغاربة والمقتاتين على الأزمة وأصحاب الانتماءات البديلة إلى الاصطفاف خلف بعضهم البعض. ولأن الشعارات زمنها قصير، والحديث باسم الشعب والحداثة والديمقراطية والتغيير لا يتجاوز حناجر قائليه فإن واقع الحال يثبت أن "كتائب التحريض" قد خسرت المعركة فحولت الوجهة نحو التشكيك إما في قدرة الحزب وقائده، وإما في الانتخابات ككل، وإما بحثا عن استجداء السلطة ضد الخيار الإسلامي، وفي أحسن الأحوال استسهال ما وقع واعتباره مجرد لعبة نظامية.
وبين كل هذه المزاعم خيط رابط ثاوي وراء الكلام المنمق، لا بد من التوقف عنده وقراءته. فبعد أن استنفذوا "بطاريتهم" في مواجهة مشروع "البيجيدي" والاستقلال، ونالوا درسا قاسيا من المغاربة في الديمقراطية، حين أعطوا لهما المراتب الأولى، بدأوا يبحثون في مبررات الانتصار محاولين التهوين من الحدث أو استشراف مستقبل "الخلطة الدعوية السياسية" في مغرب الغد. فليعذرنا قادة "الكتائب"، في الوقوف عند الأمر بنوع من التفصيل لنزع الغبش عن بعض الدعاوى محاولين الإجابة عن سؤال يشغلهم ويؤرقهم: لم صوت المغاربة على حزب العدالة والتنمية؟ وهل يمكن للحزب تحقيق التغيير المنشود؟
يتهم الحزب وقيادته بأنهم شعبويون. وهذا أمر حقيقي إن فهم بالشعبوية الانتماء إلى الشعب حقيقة وواقعا وسلوكا. فقلة من الناس لحد الآن من يتصور أن بنكيران الذي أتى من عمق المجتمع قد غدا رئيسا للحكومة، وقليل من هؤلاء من يتصور أن الحزب الذي يعايش أعضاؤه آمال وقضايا المغاربة يمكن أن يصيروا في موقع المسؤولية. فقد تعودنا أن تكون الطبقة السياسية بمختلف تلويناتها واختلافاتها البادية أمام الأضواء متفقة في عمق العلاقات البينية والشخصية عن طريق المصاهرة أو العلاقات التجارية والمهنية، في حين أن اختلافها الإيديولوجي هو مظهر للتسويق الإعلامي. بل ظلت المناصب لمدة طويلة تتوزع بين العائلات والأعيان. لكن أبناء البيجيدي يقدمون صورة أخرى. فهل من المفروض أن تكون نخبويا حتى تعرف طريقك إلى تسيير الشأن العام؟ وماذا فعلت النخبة؟ وأليس أهم دروس الربيع العربي رفض منطق النخبة التي سيرت الوطن سنين طويلة والنتيجة هي حالة الترهل التي نكابدها؟ فالنخبة إن كان يمكنها قيادة التغيير فمن الصعب عليها صنعه.
من أهم التخوفات التي تثار ويسوقها بعض المحسوبين على الوطن للخارج بغية استعدائه على التجربة الوليدة: الخوف على الحرية. لذا يصورون مغرب بنكيران تصويرا كاريكاتوريا يفرض فيه الشرع فرضا ويجبر المواطن على الالتزام بقواعد الدين. وكأن مفهوم الحرية الذي تغنى به فلاسفة الأنوار وألَهوه في مسمى الدولة القطرية له مدلول واحد هو الشذوذ والإباحية ومعارضة القيم المجتمعية والضرب في المشترك الجمعي والابتعاد عن الدين وهوية المغاربة. لذا فاختيار الناس حزبا له مرجعية إسلامية كان ردا على هذا النموذج القيمي الذي فرض سنين طويلة من قبل الآلة الإعلامية والسلطة السياسية والنخبة المتحكمة في دواليب الحياة الثقافية والتربوية، والنموذج المطلوب مغربيا وشعبيا، متى خُير المواطن ولو بهامش صغير من الحرية، هو العودة إلى جذور هذا الانتماء الهوياتي: قيميا ولغويا وعقديا.
قد يصعب على بعض قادة الكتائب استساغة الخيار الشعبي. لذا يربطونه في قراءاتهم بالمساحة المتاحة من قبل النظام السياسي. هذا في حالة فوز حزب إسلامي لكن إن كان حزبا يردد شعاراتهم المتهالكة فهم عن ذلك راضون وللديمقراطية آنئذ معنى آخر. ولأن العدالة والتنمية اختار التغيير في إطار الاستقرار فالتلاقي مع النظام أو أي طرف لا يعني الارتماء في أحضانه بل الأمر خيار استراتيجي للحزب منذ بداياته الجنينية.
يبدو المشكل كله في أسلمة المجتمع التي يخشاها قادة الكتائب. فهم يتذكرون ويكررون على الدوام قيادة أعضاء الحزب للرفض الشعبي للهجوم على القيم المجتمعية فنيا وأخلاقيا والتي اعتبروها حملة على الحرية. وأكبر أمانيهم أن يغدو العدالة والتنمية حزبا سياسيا بدون هوية دعوية حتى يغدو رقما إضافيا إلى قائمة الكيانات السياسية المتناسلة. لكن الشعب كان له رأي آخر. فعندما خير اختار عمقه الحضاري وانتماءه العقدي وليس خطاب التمييع الذي حاول فرض النماذج المستوردة باسم الحداثة والحرية والعلمنة. فالناس يختارون من ينتمي إليهم ويحسون فيه أنه جزء منهم وليس من يظل حبيس الصالونات ومقاهي الفنادق الفاخرة والحديث باسم شعب يتبرأ منهم. والحزب الذي ينجح هو الذي يقدم البديل ليس بالأرقام والحسابات التي نعرف كيف تصاغ في مطابع الانتخابات ولكن برساليته وانتمائه وعمقه المجتمعي.
تحاول العديد من الأصوات ربط الانتصار بالانتقام من الموجود. وهو حتى إن كان صحيحا دليل آخر على أن المغاربة اختاروا عن وعي وحرية. فالانتقام من السائد حين تتاح لك الفرصة دليل على قدرتك التمييزية، وفي كل دول العالم تكون الانتخابات محطة للحساب وكشف المتحقق من الوعود. وإسبانيا أمامنا.
أبرزت الاستحقاقات أن الخطاب العلماني خطاب عرضي وسطحي لم يستطع النفاذ إلى عمق المجتمع، وأن استناده السابق على السلطة وحزبها لتمرير مشاريعه ورؤاه باءت بالفشل مادامت القاعدة الشعبية لا تفتأ تؤكد اعتزازها بالانتماء إلى هويتها المتجذرة. لذا لا تتوقف هذه النخبة عن افتعال النقاشات الوهمية ومحاولة إشغال المغاربة بها، تارة حول المرأة وأخرى عن اللغة وثالثة عن الحقوق الفردية ورابعة عن الفن.... وهكذا دواليك. لكن عندما يتاح للمغربي أن يعبر يكون رفضه حاسما ويلفظ كل عناصر التوهيم والتغريب.
في قراءة أرقام المصوتين وحسابها مؤشران: مؤشر إيجابي حينما نقارن النسبة بآخر انتخابات وآخر سلبي حين نستحضر المأمول. لكن الأكيد أن الذين تغيبوا عن الاقتراع انطلقوا من التجارب السابقة التي تغير فيها النتائج لصالح حزب الدولة. وهو ما تصورت الغالبية حدوثه فكثر الغياب. لكن خيار الدولة البحث عن الاستقرار من خلال عدم التدخل في فرض نموذج معين هو الذي غير المعادلة. وفي جميع الأحوال كان التصويت معبرا وحاسما.
وبالطبع فإقناع "كتائب التحريض" صعب ومستحيل ماداموا قد اختاروا لأنفسهم الانزواء بعيدا عن مطامح الشعب وخياراته وانتمائه وراحوا ينقبون في أسباب الانتصار بدل التركيز على عوامل فشلهم، وفي كل محطات التغيير لن يجدوا غير صوت يتردد: فاتكم القطار ...فاتكم القطار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.