شباب 20 فبراير يسقطون قلعة مصطفى العلوي لو لم يكن المغاربة يعرفون "جيدا" مولاي مصطفى العلوي، معد ومنشط برنامج "حوار"، لاعتقدوا، جازمين، أن طائرته "العجيبة" اهتدت، أخيرا، إلى مدرجها النهائي في أحد مطارات "شباب 20 فبراير"، وأضحى "القيدوم" عضوا كامل العضوية في تنسيقيات الاحتجاج والتظاهر التي تطالب، منذ شهرين، بإسقاط الاستبداد والفساد، وبتنقية حقل الإعلام العمومي من نبتة "كولو العام زين" الضارة. مصطفى رجل يقطر طيبوبة، لمن لا يعرفه، لكن مثله، هذه الأيام، مثل الكثيرين الذين استهوتهم "موضة" 20 فبراير وشرعوا يستعملون شبابها وشاباتها ديكورات خلفية في منصات الخطابة، وحضورا رمزيا للفت الانتباه في البرامج السياسية والإعلامية، وإعطاء الانطباع أنهم "ديما حاضرين ناظرين" ويفهمون جيدا في الإشارات والرسائل والمبادرات الآتية من فوق. لكن يبدو أن العميد "منعدوش الزهر مسكين"، لأن هؤلاء الشياطين الحمر بمجرد أن اطمئنوا إلى مقاعدهم في "بلاطو" المكتبة الوطنية، وحددوا بدقة متناهية عيون الكاميرات الأربع (أغلبهم يتابع دراساته في معاهد الإعلام)، حتى تبادلوا في ما بينهم الغمزات لنجاحهم في مهمة التموقع الجيد، وما أن طلعت شارة "مباشر" على يمين الشاشة في حدود التاسعة والنصف، حتى عروا على "بادجاتهم" وسحبوا لوحات كارتونية صغيرة كتبت بالأسود والأبيض تدعو إلى مواصلة التظاهر نهاية الأسبوع الجاري. الشباب الذين امتطوا، لأول مرة، مباشرة، وسيلة إعلامية عمومية، للترويج لمسيراتهم الاحتجاجية المقبلة، المقررة يوم الأحد المقبل، ظلوا على امتداد ساعتين يلعبون "غميضة"، أو "طوم أند جيري" مع تقنيي الكاميرات ومخرج الحلقة، الذي كاد يفقد عقله، فأينما وضع أصبعه على زر من أزرار شاشاته الصغيرة الموضوعة أمامه، يجد أمامه شبابا مبتسما يشهر من خلف الصحافيين المحاورين والضيوف وزعماء الأحزاب السياسية والوزراء ومسؤولي الإدارات العمومية ملصقات كتب عليها رقم 24 بالبنط العريض وتحته شهر أبريل باللغتين العربية والأمازيغية. في لحظات "اللخبطة" هذه، اضطر مخرج البرنامج إلى اللجوء إلى المناورة والهروب من اللوحات الكارتونية الصغيرة التي نبتت مثل الفطر في كل مكان، لكنه يجد نفسه كل مرة وجها لوجه أمام شباب بابتسامات عريضة يمررون الملصقات في ما بينهم ويحركونها بخفة، كلما تحركت الكاميرات وتغيرت مشاهد الشاشات المبثوثة في القاعة. ولأول مرة، في تاريخ البث التلفزيوني، يمكن أن تغادر الكاميرا ضيفا منهمكا في الكلام والتحليل، وتركز على آخر يفرك أصابعه، أو يلعب بأوراق موضوعة أمامه، أو يعمد المخرج إلى تقنية المنظر العام، أو "بلان دونسومبل"، بلغة التلفزيون، حتى بتنا أمام حالة شاذة تتعلق ب"النقل التلفزيوني على طريقة البث الإذاعي". لقد فعلها الشياطين هذه المرة بواحد من أفطن صحافيي الإعلام العمومي على الإطلاق الذي ظل يوجه دفة الأحداث ويتحكم في طوارئها ومفاجآتها بمهنية عالية اكتسبها بخبرته الطويلة في الميدان، قبل أن يتسلط عليه شباب بالغ الذكاء عرفوا كيف يخترقون جدران القناة الأولى الفولاذية ويبثون من داخل أسوارها رسائلهم وبرنامجهم المقبل.. وبالمباشر كذلك. ميلودي مخارق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، ضيف حلقة أول أمس (الثلاثاء)، انتبه، متأخرا، إلى أن موضوع الحلقة ليس التعددية النقابية أو الإصلاحات السياسية والدستورية والحوار الاجتماعي، بل شباب يعرف كيف يدافع عن وجوده داخل القلاع المحصنة ويعلن تحرير إعلامه العمومي حقيقة لا مجازا، كما انتبه إلى أن الضيف الرئيسي ليس هو، بل هؤلاء بخفتهم ورشاقتهم وقدرتهم على المناورة والإصرار على الوجود والتعبير بأشكال مختلفة، ربما لذلك حاول مخاريق أن يغازل شباب 20 فبراير في أكثر من مناسبة، وأصر على أن يوجه لهم تحية من داخل البلاطو، بل ذكرهم أن النقابة "العتيدة" تفكر فيهم، عبر إضافة ثلاثة مقترحات أساسية في جدول أعمال مطالبها الاجتماعية المرفوع إلى الوزير الأول. انتهى البرنامج، ولم تنته إبداعات شباب 20 فبراير الذين لا شك يتربصون، اللحظة، بقلاع أخرى لاسترجاعها، بعد أن دكوا قلعة "حوار" وأسروا منشطه.