سيدة محترمة، اضطرتها ظروف عملها للسفر الى العاصمة،، وبعد رحلة "تاريخية" بأحد قطارات الخليع القادمة من طنجة والمتوجهة الى محطة الدارالبيضاء/ المسافرين، لفظها القطار ليلا، بالمحطة الرئيسية بالعاصمة ، لتبدأ مشوارا صعبا محفوفا بالمتاعب والمخاطر ، لتوقيف سيارة أجرة تقلها الى مقر اقامتها ،لكن حدث ما ظلت تفكر فيه وتتخوف منه طول الطريق، بسبب ما يحكى عن عجرفة وتعنتر بعض سائقي سيارات الأجرة، الذين يرفضون التوقف و السيارة فارغة، أو يتوقفون لكنهم يرفضون الذهاب للوجهة التي يحتاجها الزبون ويختارون – هم- الوجهة التي يمكن أن يسيروا في اتجاهها، وبقيت السيدة في محاولات مستمرة للحصول على طاكسي لمدة تناهز نصف الساعة، دون أن يرق لها قلب سائق منهم وهو يشاهد سيدة وحيدة في الليل وسط قطعان من المتسكعين والشماكرية.. وهذا لعمري دليل على فقدانهم لأبسط قيم الانسانية والشهامة والمروءة،، ولولا تواجد سيدة من ساكنة العاصمة، ساعدتها للوصول الى وجهتها ،لبقيت هنالك الى ماشاء الله .. نفس الشئ سيتكرر في رحلة العودة، لكن هذه المرة صباحا ، فقد احتاطت السيدة للأمر وخرجت من اقامتها ساعة قبل الوقت وكأنها متوجهة الى مطار وليس الى محطة قطار لا تبعد الا بأقل من عشر دقائق ركوبا،عن مقر اقامتها، وعشرون دقيقة مشيا على الأقدام، وهو ما فكرت فيه تفاديا لكل المفاجآت المزعجة،لولا وجود حقيبة السفر التي حالت دون ذلك، وبقيت السيدة على قارعة الطريق تحت وابل من الأمطار لما يزيد على نصف ساعة، دون فائدة، مما جعلها تهرول في اتجاه المحطة ، في حالة دراماتيكية، ولولا تدخل أحد رجال الدرك الذي كان يسير في نفس الوجهة، من الذين يشرفون المهنة التي يمتهنونها ويعلون بسلوكهم وأخلاقهم، شأن المؤسسة التي ينتمون اليها، والذي أبى الا أن يساعدها، ويحمل عنها حقيبتها وتوصيلها حتى المحطة،، في اللحظات الأخيرة قبل انطلاق قطار العودة،، عندما استمعت الى هذه القصة، وهي بالمناسبة قصة واقعية، تتكرر في عدة مدن كبرى، حز في نفسي أن تقع مثل هذه الأمور ببلادنا، لأن في الأمر اساءة كبرى لطرفي العملية ، فهي اساءة حقيقية للزبون، وللمواطن وللبلد ككل، لأنه لايمكن أن نتحدث عن جودة الحياة، والأمن، والاطمئنان، والصحة العامة النفسية والجسمانية، والتنمية بمختلف تشعباتها، والسياحة وما يرتبط بها ،دون وجود مرفق منظم وقطاع مهيكل للنقل العمومي ، الذي يشكل قطاع الطاكسيات بأشكالها المختلفة، أهم روافده،، فالمواطن لا بد وأن يكون مطمئنا الى هذا المرفق أشد ما يكون الاطمئنان، لقضاء مآربه وحاجيات أبناءه وأهل بيته، والا فلا استقرار ولا انتاج ولا ابداع، وبالتالي فلا تنمية ولا ازدهار.. ولذلك أوجب القانون على المشتغلين في هذا القطاع، الحصول على رخصة تسمى : " رخصة الثقة" ، تقتضي الخضوع لدفتر تحملات يبدأ بالهندام وينتهي الى خلو السجل من السوابق العدلية، والاستعداد للتدخل بهدف تقديم المساعدة.. للزبون في كل وقت وحين .. وهو من جهة أخرى مسئ الى القطاع نفسه، فمحترفو هذه المهنة، معنيون أكثر من غيرهم بأهمية جودة الخدمات المقدمة من طرفهم، والتي على أساسها تصاغ السمعة التي لدى الناس عنهم،، وبالتالي تنمية مصادر رزقهم والحفاظ عليها.. فطاكسيات الرباط، معنيون أكثر من غيرهم بضرورات التكيف مع الواقع الجديد الذي فرضه "الطرامواي" بارك الله فيه، وفي من كان سببا في وجوده، والذي يتجلى في استقطاب المزيد من الزبناء التقليديين للطاكسيات، الذين حررهم الطرامواي من ربقتهم، فأصبحوا يسافرون في ظروف أفضل وأرخص .. وتحرير القطاع ،على المستوى الوطني، من معضلة المأذونيات، "الكريمات"،أمر واقع لا ريب فيه، وسيكون من أهم شروط كناش التحملات،التي على ضوءها يتم الترخيص، الهندام والسلوك والحالة العامة للناقلة ،،وستكون منافسة شديدة، البقاء فيها للأصلح،، في سنوات ما بعد الاستقلال، كان بتطاون موقفين رئيسيين لسيارة الأجرة، واحد بساحة الجلاء (ساحة المدفع الذي اختفى..!) والأخر بساحة مولاي المهدي بالانسانشي،قرب الأقواس التي تحتلها القنصلية الاسبانية، كان بالمحطتين هاتف مثبت بالحائط في خزانة خشبية ، وكان بالمحطتين دائما طاكسيات مناوبة تصغي الى رنين الهاتف الذي يمكن للمواطنين من خلاله طلب خدماتها،تماما كما نشاهده في الأفلام السينمائية، وكانت السيارات جميلة ونظيفة، مثل طاكسيات سبتة حاليا، وكان السائق مؤدبا محترما يبعث شكله وسنه وسلوكه عل الطمأنينة ،، فما الذي حدث ؟؟ كل الرجاء في أن يتق الله في عباده،، كل من بيده أمر رخصة الثقة !! ذ .زين العابدين الحسيني