في سياق يتسم بتزايد الوعي العالمي بأهمية الطفولة، وانشغال المجتمع المدني بقضايا الإدماج والتربية والرفاه النفسي، تحتضن مدينة الدارالبيضاء يوم الأربعاء 28 ماي 2025 فعالية تربوية كبرى احتفاءً باليوم العالمي للعب، تنظمها الجامعة الوطنية للتخييم وجمعية الدمج والتأهيل للجميع، وذلك بشراكة مع الجامعة الدولية للدار البيضاء، وبتنسيق مع فعاليات تربوية وطبية وإعلامية، تحت شعار دال وعميق: "نلعب لنغيّر العالم". اللعب حق أساسي… ومنطلق للتغيير الفعالية التي ستقام بدار الشباب سيدي معروف الأول، لا تندرج فقط في إطار الاحتفال الرمزي بيوم عالمي، بل تؤسس لتقليد تربوي ومعرفي يروم ترسيخ ثقافة اللعب كحق إنساني أساسي للطفل، كما أقرّته منظمة الأممالمتحدة منذ سنة 1989 في اتفاقية حقوق الطفل، لا سيما في مادتها 31 التي تنص صراحة على "حق الطفل في الراحة واللعب، والمشاركة في الأنشطة الترفيهية المناسبة لعمره". غير أن الجهات المنظمة تتجاوز البعد الحقوقي النظري لتؤكد، من خلال الشعار والمضامين والأنشطة، أن اللعب لم يعد مجرد وسيلة للترفيه أو الاستهلاك الوقتي، بل أصبح أداة لتغيير البنيات النفسية والاجتماعية والثقافية، خاصة لدى الأطفال في وضعية هشاشة أو إعاقة، الذين يمثلون فئة عريضة في المجتمع المغربي ما زالت تواجه تحديات في الاندماج والتمتع بالحق في الطفولة الكاملة. من اللعب إلى الإدماج… ومن المخيم إلى الحياة إن الجامعة الوطنية للتخييم، في إطار توجهها التربوي المجتمعي، تسعى عبر هذه التظاهرة إلى توسيع مفهوم التخييم واللعب من مجرد نشاط موسمي إلى فضاء مستدام لبناء الإنسان والمواطنة، وذلك عبر مجموعة من المبادرات التكوينية والتشاركية التي تعزز قيم التعدد والانفتاح، وتسهم في تحقيق المساواة التربوية بين الأطفال من مختلف البيئات والقدرات. وفي هذا السياق، صرّح رئيس الجامعة الوطنية للتخييم محمد أكليوين بأن اختيار الشعار "نلعب لنغيّر العالم" لم يكن شعاراً تجميلياً، بل هو تصوّر فلسفي وتربوي عميق، يعكس القناعة بأن اللعب، إذا ما أُحسن توجيهه، يمكن أن يغيّر البنيات الذهنية والنفسية والاجتماعية للأطفال، ويعيد صياغة علاقتهم بذواتهم وبالعالم من حولهم. برنامج غني… وتعدد في المقاربات يمتد برنامج الفعالية ليغطي جوانب متعددة من اللعب، سواء في بعده التربوي أو النفسي أو الفني، ويشمل: ندوات علمية يشارك فيها أطباء وخبراء في طب نفس الأطفال، وطب الأعصاب، وعلم النفس العصبي، لتسليط الضوء على العلاقة بين اللعب وصحة الطفل النفسية والعقلية، وكيف يمكن أن يتحول اللعب إلى علاج ومؤشر للسلامة النفسية. ورشات تطبيقية وإبداعية في تصميم وصناعة الألعاب التربوية، بمقاربة تشاركية تدمج الأطفال ومؤطريهم في عملية الابتكار؛ كرمس مندمج لفائدة الأطفال من مختلف الفئات، يضم أركانًا للألعاب الشعبية والرياضية والفنية؛ ركن التصوير الفني وجدار الأمنيات، حيث يعبر الأطفال بحرية عن تطلعاتهم ورؤاهم للعالم عبر الصور والرسم؛ فقرات تنشيطية مفتوحة تعتمد التفاعل الجماعي والحكواتي والموسيقى واللعب الحر، لإحياء البهجة وتنمية الذكاء العاطفي والجماعي. اللعب كرافعة قيمية وتربوية من بين الأهداف المركزية التي تسعى التظاهرة إلى إبرازها، تعزيز القيم الكونية للتسامح والتعاون والمواطنة، ومناهضة العنف والتمييز والإقصاء، خاصة في السياقات التربوية التي تُهمل أحيانًا الدور العميق للعب في بناء الذكاء العاطفي والاجتماعي لدى الطفل. وقد أظهرت دراسات حديثة أنّ الأطفال الذين يُمنحون فرصًا للعب التفاعلي والإبداعي داخل بيئة آمنة ومحفّزة، يكونون أكثر قدرة على بناء علاقات صحية، واتخاذ قرارات مسؤولة، والتعبير عن ذواتهم بدون عنف أو قلق. الدينامية الوطنية للتخييم والدمج لا تنفصل هذه التظاهرة عن الدينامية الوطنية التي أطلقتها وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الشباب في إطار البرنامج الوطني للتخييم برسم سنة 2025، والذي يضع ضمن أولوياته الفئات الهشّة وذوي الاحتياجات الخاصة، عبر تمكينهم من خدمات تربوية وترفيهية متكاملة، وضمان تكوين مؤطرين متخصصين في التعاطي مع خصوصياتهم. وقد أكدت الجامعة الوطنية للتخييم، بصفتها شريكًا استراتيجيًا في تفعيل هذا الورش الوطني، أنها تعمل على إحداث تحوّل نوعي في فلسفة التخييم نحو مدرسة للمواطنة والتنشئة الشاملة، لا تقتصر على الفضاءات الصيفية، بل تمتد لتشمل مختلف المحطات التربوية والمناسبات العالمية، مثل اليوم العالمي للعب. إن ما يميز هذه الفعالية ليس فقط مضمونها التربوي والعلمي، بل أيضًا انفتاحها على كل الفاعلين والمهتمين، إذ وُجّهت الدعوة إلى الأسر والمؤسسات التعليمية والجمعيات الفاعلة في مجال الطفولة والإعاقة، للحضور والمشاركة والمساهمة في بناء ثقافة لعب دامجة، مبدعة، ومنفتحة على الجميع. كما يُنتظر أن تكون هذه المحطة مناسبة لتبادل الخبرات والتجارب والترافع من أجل إدماج اللعب في السياسات العمومية الخاصة بالطفولة، والتعليم، والصحة النفسية، وإبراز الحاجة إلى الاستثمار في التربية باللعب، ليس باعتبارها كمالًا، بل كضرورة حضارية وتنموية. قد لا نستطيع تغيير العالم بين عشية وضحاها، لكننا حين نمنح الطفل فرصة أن يلعب، أن يحلم، أن يبدع، فإننا نضع أولى لبنات التغيير الحقيقي. لأن اللعب ليس ترفًا… بل مقاومة ناعمة ضد كل أشكال العنف والإقصاء. ولأن الطفولة، حين تُكرَّم باللعب، فإنها تُنبت إنسانًا جديدًا…إنسانًا يلعب ليغيّر العالم. بواسطة