لا ينظر المغرب إلى الدول المعادية سابقا لوحدته الترابية، والتي تحولت من مسار العداء إلى مسار الولاء والاعتراف بالحق المغربي، على أنها دول مهزومة انتصر عليها المغرب في معركة ضارية طويلة النفس والأمد، ثم أتته مهيضة مكسورة الجناح تائبة خائفة، بل ينظر إليها على أنها دول امتلكت قوة وشجاعة استثنائية للتخلص من إرث ثقيل ساهمت ظروف ومناخات إقليمية ودولية منتهية الصلاحية اليوم، في التغرير بها والعبث بقراراتها ومصالحها، قبل أن تنتفض وتنتصر للشرعية وللواقعية والرشد، وتنخرط في بحث سبل ممكنة وجيدة لحل نزاعات مفتعلة، أريد لها أن تظل إلى ما لا نهاية حجر عثرة أمام السلام والأمن والاستقرار والتعاون والشراكات بين الدول، وسيفا صدئا مسلطا على رقاب الشعوب لابتزازها والمتاجرة في قضاياها التنموية والأمنية الحيوية. كل الدول على قلتها، والتي لا تزال على عدائها المستحكم للمغرب ولوحدته الترابية، والداعمة للأطروحة الانفصالية، هي مشاريع مستقبلية للتحول والانقلاب على مخططات العداء والكراهية والعنف والانفصال والإرهاب ستدرك مع مرور الزمن خطورتها على وحدتها الترابية وأمنها وسيادتها، طال الزمن أو قصر. وحسنا فعلت كينيا في انتصارها على نزعات العداء الموروثة عن الحرب الباردة، والتي كرستها سياسات العصابة الحاكمة في الجزائر طيلة نصف قرن، وها هي هذه الدولة من شرق إفريقيا، بما كانت تمثله إلى غاية أول أمس من معقل للعدوان على المغرب ومرتع لميليشيات بوليساريو، تقرر عن قناعة وحسم وحزم، وبعد نقاش داخلي وترتيبات سياسية قادها الرئيس الكيني الجديد وليام روتو، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات على انتخابه وتنصيبه، لتجميد الاعتراف بجمهورية الوهم والذي دام 44 سنة، ثم حذف فقرة "تقرير مصير شعب الصحراء" بصفة نهائية من الوثيقة المرجعية الأولى للسياسة الخارجية الكينية لسنة 2025، لينتهي الأمر إلى إحداث تحول جذري في الموقف الكيني الجديد والواضح من نزاع الصحراء لصالح الحق المغربي الأبلج والدامغ. الصيغة التي صدر بها البيان المشترك بين وزير خارجية المغرب والوزير الأول وزير خارجية كينيا، على إثر افتتاح أول سفارة لكينيا بالرباط أول أمس الإثنين، هي من الوضوح والحسم النهائي بمكان بحيث لم تترك لثنائي "النشاط" ( الجزائر/ جنوب إفريقيا) أي احتمال لإعادة كينيا إلى حلفهما وجرها من جديد إلى مستنقع الشر والعدوان، خصوصا وأن وصفة العصابة الحاكمة في الجزائر والمتمثلة في الإغراءات القديمة الجديدة بمنح كينيا هبات وهدايا وأموال، كان آخرها منحها 16 ألف طن من الأسمدة، لم تعد مجدية للاحتفاظ بكينيا ضلعا في مثلث الشر المستطير. ولنقرأ بتمعن الألفاظ الصريحة والواضحة التي عبرت بها الديبلوماسية الكينية الجديدة بدقة متناهية ومقصودة، ومن غير لف أو دوران أو احتمال التأويل، عن الموقف الحاسم والنهائي لدولتها وشعبها، من ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، يقول البيان: إن كينيا " تعتبر مخطط الحكم الذاتي، بمثابة المقاربة المستدامة الوحيدة لتسوية قضية الصحراء، وتعتزم التعاون مع الدول التي تتقاسم الرؤية نفسها من أجل تفعيل هذا المخطط… وأن كينيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد والدينامية التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس الداعمة لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية، باعتباره الحل الوحيد الواقعي والموثوق والواقعي لتسوية هذا النزاع حول الصحراء". كما أكد رئيسا ديبلوماسية البلدين على "الإشراف الحصري للأمم المتحدة على العملية السياسية الأممية" مع تجديد "دعمهما لقرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، لا سيما القرار 2756 (2024)" ليس بعد هذا البيان في قوة التبليغ والوضوح، بيان آخر تراجعي أو تحايلي كالذي تنتظره دائما العصابة الحاكمة في الجزائر من الدول التي انخرطت عن اقتناع تام في مسار الحل السياسي تحت السيادة المغربية، فالحل بالحكم الذاتي لم يعتبره البيان الكيني المغربي المشترك مجرد خيار من بين خيارات، ولا مقترحا من بين مقترحات أخرى، بل حلا وحيدا مستديما وموثوقا وواقعيا لتسوية النزاع حول الصحراء، وليس بعده أي خيار آخر ممكن، أو اتجاه إلى بحث احتمالات الانتقال منه إلى مخططات تسوية قديمة أو متوقعة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تزيد نيروبي في تعميق انفصالها التام عن جبهة الرفض والمناورة ومحور الشر والمقامرة، بالانضمام كلية إلى الدول التي وصفتها بأنها تتقاسم الرؤية نفسها معها لتفعيل هذا الحل، سادة بذلك الباب على أي تحرك في اتجاه ثني كينيا عن موقفها السيادي الواضح، أو لجرها من جديد إلى أحلاف أو مواقف تسقط من حسبانها انخراطها في المسار الأممي الحصري المشرف على العملية السياسية، وفي الدينامية الإيجابية للتوافق الدولي على دعم مبادرة الحكم الذاتي. لم تعبر كينيا فحسب عن موقف ديبلوماسي إيجابي من مغربية الصحراء، بعد 44 سنة من مقاومة هذه الحقيقة، بل ألقت من ظهرها ثقل حمل هذه السنين العجاف، وتحررت من قبضة الوهم الانفصالي، من أجل مستقبل آخر ممكن في العلاقات الإفريقية، لا مكان فيها للعدوان على الشعوب وعلى وحدة أراضيها وسيادة دولها. وباختيار كينيا هذا التوجه المستقبلي الشجاع المنصف والواعد، تكون قد اختارت العمل إلى جانب المجتمع الدولي في الوضوح التام بشأن حل دائم وشامل وجدي وواقعي لنزاع مفتعل عمر أكثر مما خطط له شر الخلق في هذه القارة، ممن لا نحسبهم فقط شركاء في الجغرافيا، بل وفي التاريخ والثقافة والدين والدم واللسان. بالغ تقديرنا لهذه الخطوة الكينية الشجاعة والنبيلة رغم بعد المسافة الجغرافية التي تفصل غرب إفريقيا، حيث المغرب، عن شرقها، حيث كينيا، لكن حينما دقت ساعة الحقيقة وجدنا البلدين أقرب بعضهما إلى بعض من جيران ساءهم هذا القرب والتقارب والتطابق الفعلي بين وجهات النظر.