دراسة أركيولوجية تكشف عن غطاء غابوي غني شرق المغرب

أماطت دراسة أركيولوجية حديثة اللثام عن معطيات غير مسبوقة حول الغطاء النباتي المحلي وسلوك الإنسان خلال العصر الحجري القديم الأعلى بالمغرب، مستندة إلى أبحاث ميدانية دقيقة بمغارة الحمام بتافوغالت ومغارة الغفص بضواحي وجدة مبرزة مرحلة من الاستقرار البشري المبكر المرتبط بغنى الموارد البيئية.
وأفاد المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، التابع لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، في بلاغ له، أن هذه الدراسة التي نُشرت يوم 12 يونيو الجاري بمجلة Plos One الأمريكية، استندت إلى تحليل نظائر الكربون المستقرة في أسنان حيوانات معاصرة لتلك الحقبة، ما أتاح إعادة بناء الغطاء النباتي المحلي بدقة عالية، وتحديد أنواعه وتأثيره على سلوك الإنسان.
وأظهرت نتائج البحث، الذي تم في إطار برنامج علمي دولي أشرف عليه المعهد، وجود علاقة مباشرة بين توسّع الغطاء النباتي – لا سيما الأشجار كالبلوط – في فترة المناخ الدافئ المعروفة ب"غرينلاند"، وتطور استراتيجيات استخدام الأرض لدى المجموعات البشرية حيث لوحظ لجوء سكان مغارة تافوغالت إلى استغلال مكثف للثمار البرية، كالبلوط والصنوبر، مع ابتكار أساليب لتخزينها، وهو ما يعكس استقرارا طويل الأمد بالموقع.
وتقترح الدراسة أن وفرة الموارد البيئية، خصوصا الإنتاجية العالية لأشجار البلوط، إلى جانب عوامل ديموغرافية، شكلت دافعا أساسيًا للتخلي التدريجي عن نمط الترحال التقليدي مما مهد لظهور مجتمعات مستقرة منذ ما بين 15 ألفا و13 ألف سنة قبل الحاضر، في واحدة من أقدم نماذج الاستقرار البشري في تاريخ الإنسانية.
وجاء هذا العمل البحثي ثمرة تعاون بين المعهد الوطني المغربي ومؤسسات أكاديمية مرموقة، منها جامعة أكسفورد، ومتحف التاريخ الطبيعي بلندن وجامعة هارفارد، وجامعة إيكس مارسيليا، ومعهد ماكس بلانك، ومتحف تطور السلوك البشري بألمانيا، وجامعة كاليفورنيا دافيس.
وتتوافق هذه النتائج مع أدلة سابقة، أبرزها التحاليل البيوكيميائية لعظام بشرية عُثر عليها في مغارة الحمام، والتي أشارت إلى أنماط غذائية مستقرة ودائمة. كما تدعم الاكتشافات المحققة منذ سنة 2004 بكهف تحت الغار قرب تطوان، حيث تم تأريخ أقدم دلائل زراعة الحبوب بالمغرب لأكثر من 6 آلاف سنة قبل الحاضر.
وتمثل هذه الدراسة تقدما نوعيا في فهم العلاقة بين التغيرات البيئية القديمة وتحول نمط عيش الإنسان في شمال إفريقيا وتسهم في إعادة بناء سيناريو تطور المجتمعات الأولى وتأكيد الريادة المغربية في مجال البحث الأركيولوجي المتعلق بالبدايات الأولى للاستقرار والزراعة.