سجل المغرب تقدما ملحوظا في مؤشر حقوق الطفل العالمي لسنة 2025، الصادر عن مؤسسة "كيدس رايتس" "KidsRights" بشراكة مع جامعة إيراسموس روتردام والمعهد الدولي للدراسات الاجتماعية، منتقلا من المرتبة 54 خلال سنة 2024 إلى المركز 46 من أصل 194 دولة، بواقع 0.77 نقطة على سلم التنقيط المعتمد. هذا الإنجاز يعكس التزام المملكة المتواصل بتحسين أوضاع الطفولة رغم التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها العديد من الدول النامية. ويعتمد المؤشر السنوي على مجموعة من المعايير الأساسية، أبرزها مدى التزام الدول باتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل ومدى تقدمها في قطاعات الصحة، والتعليم، الحماية، البيئة، ومشاركة الأطفال في الحياة العامة، فضلا عن رصد فعالية السياسات والتشريعات ذات الصلة. يأتي هذا التقدم المحقق ليعكس سلسلة من الإجراءات الاستراتيجية التي باشرها المغرب في السنوات الأخيرة، من ضمنها إطلاق "البرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي"، الذي يروم تعميم ولوج الأطفال من سن 4 إلى 6 سنوات إلى تعليم أولي ذي جودة، لا سيما في المناطق القروية والمهمشة. وقد واكب هذا البرنامج جهود أخرى لتعزيز حماية الطفولة، من خلال "الخطة الوطنية للطفولة 2020-2030″، وخطة العمل الوطنية لحماية الأطفال من العنف والاستغلال والإهمال بتنسيق بين وزارات التضامن، والصحة، والداخلية، والتربية الوطنية. وفي ما يتعلق بالحماية من العنف، فعلت المملكة آليات التبليغ والمواكبة، بما فيها الخط الوطني المجاني 19 لحماية الأطفال ضحايا العنف، ومراكز الاستماع والدعم النفسي في عدد من المدن. كما تم تعزيز قدرات الفاعلين القضائيين والاجتماعيين والأمنيين في مجال حماية الطفولة، وفق ما جاء في تقارير وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة. حسب التقرير، تمكن المغرب من تحقيق نتائج إيجابية خاصة في مجال التمدرس، عبر توسيع قاعدة التعليم الابتدائي وتقليص الفوارق المجالية بين المناطق الحضرية والقروية، إضافة إلى تحسين المؤشرات الصحية بفضل برامج وطنية لتلقيح الأطفال والتكفل بالأمهات الحوامل ويشير تحليل بيانات اليونيسف والبنك الدولي إلى أن نسبة تمدرس الأطفال في المرحلة الابتدائية بالمغرب تجاوزت 97 بالمئة، بينما انخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى أقل من 20 حالة لكل 1000 ولادة حية، وهي أرقام تعكس تحسنا ملموسا مقارنة بالعقد الماضي. ورغم هذا التقدم، لا تزال بعض التحديات ماثلة من قبيل زواج القاصرات، وعمالة الأطفال، والتفاوت في ولوج الأطفال المعاقين إلى التعليم والخدمات الصحية. كما يسجل نقص في آليات حماية الأطفال من العنف الأسري والاستغلال الجنسي، وهي قضايا سلط عليها التقرير الضوء، داعياً إلى تعزيز الإطار القانوني والمؤسساتي الوطني. من أبرز ما تضمنه تقرير 2025 هو التحذير من أزمة الصحة النفسية التي تهدد الأطفال والمراهقين على الصعيد العالمي، حيث أفاد بأن أكثر من 14 بالمئة من الأطفال بين سن 10 و19 عاما يعانون من اضطرابات نفسية، تتراوح بين القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل. وتعد هذه الفئة من أكثر الفئات عرضة للانتحار، إذ سجل معدل يصل إلى 6 حالات انتحار لكل 100 ألف مراهق، مع تأكيد الخبراء أن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى بكثير بسبب ضعف آليات التبليغ والوصمة الاجتماعية التي تمنع الأسر من الإفصاح عن هذه الحالات. وقد دعا التقرير إلى ضرورة إدماج الصحة النفسية ضمن السياسات الوطنية، وتوفير الموارد البشرية والبنية التحتية الملائمة، خاصة في المدارس والمراكز الاجتماعية، مع إطلاق حملات وطنية للتوعية ورفع الوعي بأهمية الوقاية والتكفل المبكر. أما على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد حل المغرب في مرتبة متقدمة مقارنة بعدد من دول الجوار، مثل الجزائر "المرتبة 67" وتونس "المرتبة 58″، بينما تصدرت قطر والإمارات ترتيب الدول العربية. ويعزى هذا التفاوت إلى اختلاف السياسات الاجتماعية، ومدى انخراط الحكومات في تنفيذ برامج موجهة للطفولة وفق معايير أممية. خلص تقرير "كيدس رايتس" إلى توصيات محورية تتمثل في تجديد الالتزام باتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، والعمل على تطوير الأطر القانونية والتشريعية، إلى جانب معالجة الأسباب الهيكلية المرتبطة بالفقر، والتهميش، والتمييز. كما شدد على ضرورة إشراك الأطفال أنفسهم في صياغة السياسات والبرامج، باعتبارهم فاعلين أساسيين في رسم مستقبلهم، وليس فقط متلقين للقرارات. في السياق ذاته، دعت منظمات كاليونيسف و"سايف ذي تشيلدرن" إلى ضمان تمويل مستدام لبرامج الطفولة، وتقوية الشراكات بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، كجزء من نهج متعدد الأطراف يضمن استدامة الإصلاحات.