"كان المغرب".. ثبات جزائري وحسم بوركينابي يرسمان ملامح المجموعة الخامسة    العجز التجاري يتجاوز 328 مليار درهم    خطة أمنية لحماية الاحتفالات بالعيون    هبات رياح أحيانا قوية بعد غد الجمعة بعدد من مناطق المغرب    تحذير لمستعملي الطريق بمناسبة العطلة    ريال مدريد يعلن إصابة لاعبه الفرنسي مبابي في ركبته اليسرى    وكالة الأنباء الإيفوارية: طنجة المتوسط، قطب مينائي استراتيجي للقارة الإفريقية    عاصفة "فرانسيس" تقترب من المغرب .. امطار غزيرة وثلوج كثيفة    ضبط 118 شخص متورطين في الاتجار غير المشروع في تذاكر كأس إفريقيا    طنجة تستعد لاستقبال أفواج إضافية من الجماهير السنغالية    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    وهبي يكشف ملامح الخلاف مع المحامين ويرحب بالحوار بشأن قانون المهنة    ابتدائية تارجيست تصدر حكمها في ملف نور الدين مضيان ورفيعة المنصوري    النفط يتجه نحو تسجيل أكبر انخفاض سنوي منذ عام 2020    دعم 56 مشروعا في مجالات الموسيقى والأغنية    كأس إفريقيا للأمم.. الكعبي يؤكد مكانته كلاعب أساسي في صفوف أسود الأطلس (لوفيغارو)    أحكام قضائية في حق 25 متهماً على خلفية أحداث شغب رافقت احتجاجات "جيل زد" بمراكش    جهة الدار البيضاء–سطات.. التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي واعد    " حلاق درب الفقراء" في ضيافة جمعية إشعاع للثقافات والفنون بالعرائش    العام الجديد 2026 يحل بنيوزيلندا    المكتب الوطني للمطارات .. حماس كأس إفريقيا للأمم يغمر مطارات المملكة    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. نجاح كبير للمنتخبات المغاربية    المديرية العامة للضرائب تصدر نسخة 2026 من المدونة العامة للضرائب    نقابة نتقد تعطيل مخرجات المجلس الإداري لوكالة التنمية الاجتماعية وتحذر من تقليص دورها    نمو الاقتصاد المغربي يسجل التباطؤ    رحم الله زمنا جميلا لم ينقض بالهم والحزن    وفاة الممثل "أيزيا ويتلوك جونيور" عن 71 عاما    ارتفاع "الكوليسترول الضار" يحمل مخاطر عديدة    شغيلة جماعة أولاد أكناو تحتج ببني ملال وتلوّح بالتصعيد بسبب تجميد المستحقات    حصيلة نظام الدعم الاجتماعي المباشر بلغت 49 مليار درهم (فتاح)    التهراوي: نموذج المجموعات الصحية الترابية سجل مؤشرات إيجابية على العديد من المستويات    الدنمارك أول دولة أوروبية تتوقف عن توصيل الرسائل الورقية    "المعاملة بالمثل".. مالي وبوركينا فاسو تفرضان حظرا على سفر مواطني الولايات المتحدة    تقرير: تراجع وفيات الأطفال وارتفاع الالتحاق بالتعليم المبكر في الصين    سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس    المغرب يترأس مجلس إدارة معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة    دياز يخطف أنظار الإعلام الإسباني ويقود أسود الأطلس للتألق في كان المغرب    كأس الأمم الأفريقية.. مباراة شكلية للجزائر ضد غينيا الإستوائية ومواجهة مصيرية للسودان    ألمانيا وفرنسا تؤجلان القتال الجوي    إسرائيل تهدّد بتعليق عمل منظمات    صنع في المغرب .. من شعار رمزي إلى قوة اقتصادية عالمية    قتيل وثلاثة جرحى في حادث إطلاق نار وسط كندا    إطلاق حملة واسعة لتشجير المؤسسات التعليمية بإقليم الفحص-أنجرة    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسفة، وحقوق الإنسان... 2
نشر في الشرق المغربية يوم 22 - 11 - 2014


العلاقة الجدلية بين الفلسفة وحقوق الإنسان:
ونحن عندما نتكلم عن الفلسفة، كإطار لطرح السؤال الفلسفي / الحقوقي، وعندما نتكلم عن حقوق الإنسان، كإطار لطرح السؤال الحقوقي / الفلسفي، إنما نتكلم عن العلاقة القائمة، فعلا، بين الفلسفة، وحقوق الإنسان، لننتقل في هذه الفقرة إلى مناقشة طبيعة العلاقة القائمة بين الفلسفة، وحقوق الإنسان.
وبما أن الفلسفة تعتبر مجالا لطرح السؤال، بما فيه السؤال الحقوقي، مما يحفز البحث عن مقاربة الجواب، على السؤال الفلسفي / الحقوقي، من خلال خلاصات البحث، التي يترتب عنها، كذلك، طرح سؤال فلسفي / حقوقي، انطلاقا من الحاجة الملحة، التي تعيق الوعي بأهمية الفلسفة، وبأهمية حقوق الإنسان، فإنها كذلك، تعتبر مصدرا للنقاش الحقوقي العميق / الفلسفي العميق، الذي نستنتج منه أن العمل الحقوقي في حاجة إلى العمل الفلسفي، وأن العمل الفلسفي في حاجة إلى العمل الحقوقي، وصولا إلى إقرار ضرورة قيام علاقة بينهما، لصالح الفلسفة التي لا تنمو ولا تتطور في مجال تحترم فيه حقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، والبيئية، وغيرها، ولصالح حقوق الإنسان التي لا تترسخ إلا في مجتمع متنور، بفعل شيوع الفكر الفلسفي بين جميع أفراد المجتمع، مما يساهم بشكل كبير في استيعاب الأسس، والمقومات الذاتية، والموضوعية، التي تفترض جعل احترام الحقوق الإنسانية في كونيتها، وشموليتها، حاضرا في الممارسة النظرية، والعملية اليومية.
وانطلاقا مما سبق، يتبين لنا أن العلاقة بين الفلسفة، وحقوق الإنسان هي علاقة موضوعية، جدلية، مستقبلية، إلى درجة أن الحديث عن الفلسفة، بدون الحديث عن حقوق الإنسان، يعتبر من باب تبخيس الشأن الفلسفي، وأن الحديث عن حقوق الإنسان، بدون الحديث عن الفلسفة، يعتبر كذلك من باب تبخيس الشأن الحقوقي. وهذا الارتباط الموضوعي، والجدلي، والمستقبلي، هو الذي يؤكد أن أي تطور يعرفه واقع معين، لا بد فيه من:
أولا: ازدهار الفلسفة، بمدارسها المختلفة، وبنظرياتها المحفزة، وبقراءاتها المتوالية للواقع المتحول، في مظاهره الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل رفع مستوى الفكر الإنساني / العلمي، وما يتفرع عنه من علوم مختلفة، بما فيها العلوم الإنسانية، التي تقوم بدور كبير في تحفيز إعمال العقل، فيما يجري في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، للخروج بخلاصات تعتمد في العمل على تطوير الواقع، الذي يعمل بدوره على تطوير العمل العقلي، وبالتالي، المساهمة في الرفع من مستوى الازدهار الفلسفي، الذي يقف وراء تخليص المجتمع الإنساني، من تخلف الفكر الظلامي، ومن تخلف كل اشكال أدلجة الدين الإسلامي، التي تصادر العمل العقلي، وتعتمد كل أشكال الفكر الغيبي، الذي يأخذ بعدا غيبيا / مثاليا / خرافيا، بما فيها أشكال الفكر الخرافي، التي تصير مصدرا لتشكل الواقع، الذي يأخذ بعدا غيبيا / مثاليا / خرافيا، يصعب قبوله، والتعامل معه.
ثانيا: إشاعة حقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، في المجتمع، تعبيرا عن الأجرأة الفعلية للحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية. وهو ما يضمن إقامة مناخ سليم، لإشاعة الفكر التنويري، والفلسفي، والعلمي، بين أفراد المجتمع، الذي يتمكن أفراده من فهم الحقوق الإنسانية، فهما عميقا، مما يجعل التمسك بأجرأتها، مسألة مبدئية، وأساسية، إلى درجة أن التراجع عنها، يصير من باب المستحيلات، لتجذرها في فكر، وممارسة جميع أفراد المجتمع، المعني بتفعيل الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، في كونيتها، وشموليتها.
ومن مظاهر تطور واقع معين، قيام تفاعل إيجابي بين الفلسفة، وحقوق الإنسان، نظرا للتقاطعات الكثيرة، القائمة بينهما؛ لأنه بالفلسفة، يمكن أن:
1) يعمل الفكر في سبر غور الواقع، من أجل معرفته معرفة علمية دقيقة، تمكن من معرفة القوانين المتحكمة فيه، والعمل على تغيير تلك القوانين، بقوانين نقيضة، تقود إلى تغييره تغييرا إيجابيا، لصالح جميع أفراد المجتمع.
2) يتم تفعيل طرح منظومة من الأسئلة، التي تستهدف الفكر، والممارسة العملية، والنظرية، التي تحكمها، حتى تقف وراء النقاش الواسع، الهادف إلى مقاربة الأجوبة على تلك الأسئلة، التي تقتضي تطور، وتطوير الفكر، والممارسة العملية، والنظرية باستمرار، لقطع الطريق أمام أي شكل من أشكال التخلف، التي قد يعرفها الواقع، بسبب توقف طرح منظومة الأسئلة المحفزة على التفكير، وعلى الارتباط بالواقع.
3) خضوع المنظومة الفكرية، القائمة على المساءلة الفلسفية، من أجل العمل على إقرارها، في أفق تطويرها، أو نقضها، في أفق إيجاد منظومات فكرية متطورة، يترتب عنها تطوير الممارسة العملية، والنظرية، ونفي كل أشكال التخلف، التي تعرقل الرؤيا الواضحة للواقع، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
4) إعداد الواقع، للقبول بالتفاعل مع المظاهر الحداثية المتطورة، في إطار التفاعل مع الحضارات المعاصرة المختلفة، التي تعيش وضعا متطورا مختلفا، يهدف إلى تغيير الواقع، على المستوى العالمي، وفي إطار عولمة حداثة الحضارات المتطورة، والمتقدمة، سواء ترتبت عن التطور القائم في التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية، أو عن تطور التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الاشتراكية؛ لأن الحداثة واحدة، مهما كان مصدرها. والقبول بها يعتبر من ضروريات العلم، الذي نعيشه. ومن ضمن هذه الحداثة: إشاعة منظومة حقوق الإنسان، بين الفئات الشعبية المختلفة.
ولأنه بحقوق الإنسان، بمرجعيتها الدولية: الكونية، والشمولية، يمكن أن:
1) يصير المجتمع، بفئاته المختلفة، منفتحا على الفكر الفلسفي، في تطوره، باعتبار صيرورة تعاطيه، حقا من الحقوق الإنسانية، التي تندرج ضمن حرية التفكير، والتعبير، وطرح السؤال، حول ما يجري في الواقع.
2) يصير الواقع متطورا، على مستوى النظرية، وعلى مستوى الممارسة، مما يؤدي بالضرورة إلى تطور تفعيل منظومة حقوق الإنسان، التي تصير متخللة للنسيج الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، والمدني، والسياسي في المجتمع، في أفق صيرورته قائما على احترام حقوق الإنسان، في كونيتها، وشموليتها.
3) تصير حقوق الإنسان، في تفاعلها مع الفكر الفلسفي، جزءا لا يتجزأ من الواقع، وعاملا من عوامل تطوره، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من ترسيخ احترام حقوق الإنسان، المصحوب بطرح السؤال الفلسفي، الذي لا بد فيه من سبر غور الواقع، في تحوله، من أجل رصد عوامل التطور المختلفة، التي تتفاعل فيما بينها، سعيا إلى إيجاد واقع مختلف، تنتفي فيه كل عوامل التخلف، التي يعاني منها الإنسان، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
4) نعتبر إشاعة طرح السؤال الفلسفي، حول كل ما يجري في الواقع، وسيلة حقوقية، تمكن من الإجابة على الأسئلة التي تقف وراء تطور، وتطوير الشروط الموضوعية، التي تمكن من فرض احترام الحقوق الإنسانية، في كونيتها، وفي شموليتها.
وهكذا يتبين، أن العلاقة الجدلية القائمة بين الفلسفة، وحقوق الإنسان، هي علاقة موضوعية، وجدلية، ومستقبلية، وهذه العلاقة، يجب الحرص عليها، واستثمارها في اتجاهين:
الاتجاه الأول: المحافظة على احترام حقوق الإنسان، في كونيتها، وشموليتها.
والاتجاه الثاني: صيرورة العلاقة بين الفلسفة، وحقوق الإنسان، من عوامل التطور، التي تقتضيها شروط العصر، الذي نعيشه، كما تقتضيها ضرورة تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، واحترام الكرامة الإنسانية.
حقوق الإنسان محكومة بخلفية فلسفية، تعمل على تحقيق وحدة الإنسان:
وحقوق الإنسان، باعتبارها لا تقل أهمية عن كل اهتمامات الإنسان، المحكومة بخلفيات فلسفية، فهي، كذلك، محكومة بخلفية فلسفية، مجسدة لأهمية ضرورة تمتيع الكائن البشري بحقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بمرجعيتها الدولية، في كونيتها، وشموليتها، بقطع النظر عن اختلاف الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو المعتقد، أو الطبقة، أو المسؤولية في المجتمع، وصولا إلى تحقيق مفهوم الإنسان، في كونيته، وشموليته؛ لأن ما يغيب عن الواقع المغربي، وفي كل البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، هو تحقيق مفهوم الإنسان في الكائن البشري، رغم ادعاء العديد من الأنظمة القائمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، أنها تحرص على تحقيق مفهوم الإنسان، بادعاء احترام حقوق الإنسان، بمرجعيات لا علاقة لها بالمرجعية الدولية، الكونية، والشمولية. وهذه المرجعيات، غالبا ما تكون محكومة بتصورات لا علاقة لها بالتصور الفلسفي / الحقوقي، الذي يقتضي منا العمل على تحقيق مفهوم الإنسان، في كونيته، وشموليته.
ذلك أن الخلفية الفلسفية، ليست هي الخلفية الدينية، وليست هي الخلفية المذهبية، وليست هي خلفية أدلجة الدين الإسلامي، أو أي دين آخر، التي تختلف من دولة، إلى دولة أخرى، ومن حزب مؤدلج للدين الإسلامي، إلى حزب آخر مؤدلج للدين الإسلامي، أو أي دين آخر، ومن توجه مؤدلج للدين الإسلامي، إلى توجه آخر مؤدلج للدين الإسلامي، أو أي دين آخر. فالخلفيات المختلفة، مهما ادعت حرصها على تمتيع الكائن البشري، بحقوقه الإنسانية، كما تراها، فإنها تبقى خادشة للكرامة الإنسانية، على أساس ديني، أو عرقي، أو لغوي، أو مذهبي، أو طبقي، أو على أساس تحمل مسؤولية معينة، في الوقت الذي نجد فيه أن الخلفية الفلسفية الحقوقية، هي خلفية تهدف إلى تحقيق مفهوم الإنسان، بقطع النظر عن جنس الكائن البشري، أو لونه، أو عرقه، أو معتقده، أو طبقته، أو المكان الذي ينتمي إليه، لإزالة كل الفوارق التي تؤدي إلى قيام التفاوت بين أفراد المجتمع، ومهما كان هذا المجتمع. وهذه الخلفية الفسفية الحقوقية، هي التي تحكم ممارسة الحركة الحقوقية، بمرجعية الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وفي جميع البلدان، وفي مختلف القارات، وصولا إلى تحقيق المفهوم الوحدوي للإنسان، على مستوى الكرة الأرضية، حتى يتحقق المفهوم المذكور، في كل بلد من البلدان المذكورة، وفي كل قارة من القارات القائمة على وجه البسيطة.
وإذا كانت الفلسفة الحقوقية تسعى إلى تحقيق مفهوم الإنسان، في كونيته، وشموليته، فإن هذا المفهوم لا يمكن أن يعني إلا:
1) قيام دساتير ديمقراطية شعبية، تفصل بين السلط، في جميع أرجاء الكرة الأرضية، وفي كل الدول القائمة، بقطع النظر عن طبيعة تلك الدول، هل هي متقدمة، ومتطورة، أو متخلفة؛ لأن طبيعة الدولة، لا تمنع من قيام دستور ديمقراطي شعبي، يؤدي إلى سيادة كل شعب على نفسه، حتى يصير قادرا على تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي بنفسه، وفي إطار الاحترام الكامل للحقوق الإنسانية.
2) قيام دول وطنية، ديمقراطية، مدنية، علمانية، تعمل على أن تصير دولا للحق، والقانون، حتى تعمل على أجرأة الحقوق الإنسانية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومهما كان هذا الإنسان، من خلال القوانين، والقرارات، والبرامج الدراسية، والإعلامية، والقوانين المالية للدولة، وللجماعات الترابية.
3) حضور أولوية احترام الحقوق الإنسانية، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، العامة، والخاصة، والسياسية، التي ترتبط بتحقيق مفهوم الإنسان، في كونيته، وشموليته.
4) الحرص على التخلص من كافة الخروقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي تنتفي مع ممارستها كافة الحقوق الإنسانية، التي ينتفي معها الإنسان، في كونيته، وشموليته.
5) الحرص على معالجة كافة المشاكل، التي تحول دون احترام حقوق الإنسان، في أفق تجاوزها، بإنضاج الشروط المناسبة التي تمكن من احترام كافة الحقوق الإنسانية، في مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى إعلان قيام المجتمع الإنساني، بكافة الحقوق الإنسانية، للارتقاء بمفهوم الإنسان، إلى مستواه الكوني، والشمولي.
ذلك أن الغرض من وراء دلالات مفهوم الإنسان، في كونيته، وشموليته، هو ترسيخ الفلسفة الحقوقية، لتعم الكرة الأرضية، التي تستحق فيها البشرية، أن تتمتع بكافة الحقوق الإنسانية، في أفق زوال كل المعيقات، التي تحول دون تقدم، وتطور المفهوم الكوني، والشمولي للإنسان.
علاقة الفلسفة بالواقع:
وانطلاقا من كون حقوق الإنسان لا تكون إلا بالواقع، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ونظرا لكون الفلسفة مرتبطة بحقوق الإنسان، من خلال الخلفية الفلسفية للحقوق المذكورة، ولأن حقوق الإنسان تفرض طرح السؤال الفلسفي، فإن علاقة الفلسفة بالواقع، تصير بسبب كل ذلك، قائمة من خلال قيام الواقع نفسه، الذي يصير، بدوره، محكوما بخلفية فلسفية معينة، تطرح أكثر من سؤال فلسفي عن الواقع، ونظرا لكون الواقع نفسه، يطرح أسئلة فلسفية جريئة، تقتضي البحث عن أجوبة فلسفية، تهدف إلى جعل الواقع يتحول إلى الأحسن.
ونحن عندما نطرح السؤال الفلسفي المادي، أو المثالي، لا يمكن أن نطرحه إلا انطلاقا من تصور فلسفي مادي، أو مثالي، يقتضي منا طرح السؤال الفلسفي المادي، أو السؤال الفلسفي المثالي عن الواقع؛ لأن السؤال، هو المحدد لطبيعة البحث:
هل هي طبيعة مادية، أو مثالية؟
حتى نقارب الأجوبة المفترضة بمنهجية مادية، أو بمنهجية مثالية، وصولا إلى خلاصات تحدد ما يصير عليه الواقع من تقدم، في حال صيرورة الخلاصات مادية، أو من تخلف، في حال صيرورة الخلاصات مثالية، يتم تفعيلها للمحافظة على تقدم الواقع، وتطوره، من منطلق الخلاصات المادية، أو للعمل على تكريس تخلفه، من منطلق الخلاصات المثالية.
وانطلاقا مما رأينا، فإننا نجد أن العلاقة القائمة بين الفلسفة، وبين الواقع الذي يعيشه الإنسان، هي علاقة موضوعية، جدلية، مستقبلية.
فالعلاقة الموضوعية، منفرزة عن طرح السؤال الفلسفي الواقعي، المادي، أو المثالي، وعن حاجة الواقع إلى طرح السؤال الفلسفي، نظرا لحاجته إلى التطور، أو المحافظة. وهو ما يعني أن العلاقة بين الفلسفة، وبين الواقع، علاقة موضوعية، لكون الفلسفة لا يمكن أن تزدهر إلا في الواقع، ولأن الواقع لا يمكن أن يتجسد في التطور السريع، أو في المحافظة، إلا انطلاقا من تصور فلسفي، أو تصور فلسفي مضاد.
والعلاقة الجدلية، هي التجسيد الفعلي للعلاقة الموضوعية، من خلال التفاعل القائم في الواقع الموضوعي، بين الفلسفة، وبين الواقع، سواء كانت الفلسفة مادية، أو مثالية. وهذا التفاعل، هو الذي يؤدي إلى طرح السؤال الفلسفي، وإلى تطور الواقع، أو جموده. وهذا النوع من العلاقة هو الذي طبع العلاقة بين الفلسفة، وبين الواقع، منذ ظهور الفلسفة في واقع معين، وخاصة في الواقع اليوناني، مرورا بالواقع العربي الإسلامي، وصولا إلى الواقع المعاصر، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وفي جميع أنحاء الكرة الأرضية.
وبالنسبة للعلاقة المستقبلية، فإنها تبقى رهينة بالتطور الذي تعرفه الفلسفة، ويعرفه الواقع، وقيام كل منهما بدوره في المساهمة في التطور الفلسفي، أو في تطور الواقع، خاصة، وأن ما يجري في عصرنا هذا، من تفاعلات إيجابية، أو سلبية، تقتضي قيام الفلسفة بتطوير الإيجابي، ونفي السلبي، كما تقتضي قيام الواقع بتطوير الإيجابي، ونفي السلبي. والإيجابي في الفلسفة، أن يستهدف السؤال الفلسفي مظاهر الواقع الإيجابي، والسلبي، بهدف البحث الفلسفي في تلك المظاهر، مهما كانت نوعيتها، من أجل الوصول إلى خلاصات تساعد على تطورها، وتطويرها، أو نفيها لسلبيتها.
والإيجابي في الواقع، هو صيرورته محفزا على طرح السؤال، سواء كان مستندا إلى المادي، أو المثالي، والدفع في اتجاه اعتبار أن السؤال الفلسفي بالمنطلق المادي، هو الذي يساهم بشكل كبير في تطور، وفي تطوير الواقع.
وإذا وجدنا، في معالجتنا، العلاقة بين الفلسفة، وحقوق الإنسان، أن حقوق الإنسان تستهدف تطوير الجانب الحقوقي في الواقع، فإننا نجد في العلاقة القائمة بين الفلسفة، وبين الواقع، أن طرح جملة من الأسئلة التي تستهدف، من جملة ما تستهدف، تطوير الواقع، في مجالاته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والحقوقية، وغيرها، غير أن قيام الفلسفة بدورها كاملا، لا يمكن أن يتم إلا ب:
1) تحقيق الحرية ببعدها الإنساني الحقوقي.
2)تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بما في ذلك المضامين الحقوقية.
3) تحقيق العدالة، بأبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والقانونية، بما فيها العدالة الحقوقية.
4) تحقيق احترام الكرامة الإنسانية، التي تعني تمتيع جميع أفراد المجتمع بكافة الحقوق الإنسانية: العامة، والخاصة.
وهذا التحقيق الذي يستهدف الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، لا يمكن اعتباره إلا مناخا حقوقيا، لازدهار الفلسفة، ولتنشيط طرح السؤال الفلسفي، المحفز على البحث، من أجل تطوير الواقع، في تجلياته المختلفة، بما فيها التجلي الحقوقي، الذي يقوم بدور كبير، وأساسي، في جعل الإنسان ينفتح على الواقع، ويتفاعل معه، ويطوره، ويتطور به، ومعه.
الأوصياء على الدين الإسلامي ومهاجمة الفلسفة وحقوق الإنسان:
ونظرا لكون الفلسفة باعتبارها محركا للعقل الفردي، والجماعي، تجعل الإنسان يرتبط بالواقع المادي، سواء كان ذلك الارتباط من منطلق مادي، أو مثالي، من أجل العمل على تحفيز العمل العقلي، الذي يهدف إلى تطور، وتطوير الإنسان كفرد، وكجماعة، وتطور، وتطوير الواقع، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ونظرا لكون حقوق الإنسان، تسير في اتجاه جعل جميع أفراد المجتمع، يعون حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، ويتربون على احترامها في حياتهم اليومية، ويناضلون من أجل تحقيقها قانونيا، وميدانيا، ونظرا لكون إشاعة حقوق الإنسان في واقع معين، يقود إلى تنشيط طرح السؤال الفلسفي، الذي يترتب عنه تنشيط البحث الفلسفي، الذي يقود إلى الخروج بخلاصات، تمكن من بناء منظومة تطور، وتطوير الإنسان، في مجالات تحركه الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يقف وراء تسفيه اعتماد الغيب في صياغة الواقع، وإعادة صياغته، فإن الأوصياء على الدين الإسلامي، يجدون أنفسهم في عداء مطلق مع الفلسفة، وحقوق الإنسان، كما نلحظ ذلك ميدانيا في المدارس، والجامعات، وعلى المستوى الإعلامي، وعلى مستوى المنشورات، ومختلف المطبوعات، التي يصدرها مؤدلجو الدين الإسلامي.
ومؤدلجو الدين الإسلامي، عندما يعادون الفلسفة، وحقوق الإنسان، ينسون:
1) أن القرءان حث على إعمال العقل، في كل ما له علاقة بالإنسان، سواء تعلق الأمر بإعمال العقل في الواقع العيني، أو في الغيب، اللا مدرك بواسطة الحواس، إلى درجة اعتبار أن كل ما خالف العقل، لا علاقة له بالدين الإسلامي، حتى وإن كان ينسب إلى الدين الإسلامي.
2) أن الله خلق الإنسان، لا ليستعبده، ويعذبه، ويهينه، بل ليصير متمتعا بكامل حريته، التي هي مصدر وجوده. وهذا الفهم هو الذي كان يحكم المسلمين الأوائل: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، كما كان يقول عمر بن الخطاب.
3) أن الله اعتبر أن ما هو مشترك بين الناس، في مجتمع معين، يجب أن يخضع للممارسة الديمقراطية، التي يجب أن تحكم العلاقات فيما بينهم، كما يمكن أن نفهم مما جاء في القرءان: ( وأمرهم شورى بينهم)؛ لأن الشورى في سياق ورودها هنا، لا يمكن أن يفهم منها إلا الحق في الممارسة الديمقراطية، التي يعاديها مؤدلجو الدين الإسلامي.
4) أن الله عادل، ولا بد أن يحرص على تحقيق العدل فيما بين الناس، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهو ما يعني ضرورة التوزيع العادل للثروة، وضرورة المساواة بين الناس، ذكورا، وإناثا، في الاستفادة من التعليم، والصحة، والسكن، والشغل، والترفيه، وغير ذلك، وتمكين الجميع من الاستفادة من الثقافة، باعتبارها مصدرا للتحلي بمنظومة القيم النبيلة، والمساهمة في تفعيل مختلف الوسائل الثقافية، حتى تصير القيم الثقافية النبيلة، مشاعة بين الجميع.
5) أن تكريم الإنسان هو الأصل في الدين الإسلامي، كما ورد في سورة الإسراء: (ولقد كرمنا بني آدم). والتكريم، لا يمكن أن يتم في ظل الحرمان من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بدلا من تحقيقها قانونيا، وميدانيا، وانطلاقا من مرجعيتها الدولية، والإنسانية، ومن كونيتها، وشموليتها.
وهذا النسيان المقصود، في عرف، وفي ممارسة مؤدلجي الدين الإسلامي، مبعثه العداء المطلق للفلسفة، وحقوق الإنسان، وصولا إلى جعل المسلمين مجرد قطيع، يقودونه للعمل على تأبيد الاستبداد القائم، أو للعمل على فرض استبداد بديل، وبقطيع من البشر، لا يستخدم أفراده عقولهم، ولا يعملون على التمتع بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، تكريسا لتفعيل إرادة مؤدلجي الدين الإسلامي، التي يعتبرونها هي الدين الإسلامي الحقيقي.
وهجوم مؤدلجي الدين الإسلامي على الفلسفة، وحقوق الإنسان، لم يكن اختيارا منهم، بل هو ممارسة مفروضة عليهم، بحكم عدائهم للفلسفة، وحقوق الإنسان، بمرجعيتها الدولية، في كونيتها، وشموليتها. وهو ما يعني أن هجومهم على الفلسفة، وحقوق الإنسان، نتيجة للعداء الذي يحكمهم تجاه الفلسفة، وحقوق الإنسان.
فالفلسفة كفر، وإلحاد، وتناقض مع الدين، ومع الإيمان، لا لشيء إلا لأنها تحفز على طرح السؤال، وتدفع إلى البحث في موضوع السؤال، من أجل الوصول إلى خلاصات محددة، قد تتناقض مع الإيمان، ومع ما يقتضيه الإيمان، وقد تقود إلى الكفر، والإلحاد، وقد تعتبر مستندة إلى الدين الإسلامي، وإلى غيره من الأديان، بما يتوصل إليه إعمال العقل في البحث، من أجل مقاربة الأجوبة على الأسئلة المطروحة، ولأن المنطلقات الفلسفية، قد تكون مادية صرفة، مما يعني أن ما يتم التوصل إليه من نتائج، تنقل المقتنع بها من الإيمان بدين معين، إلى الكفر به. وهو ما يساهم بشكل كبير في تقليص نفوذ الدين، في مجتمع معين، أو في كل المجتمعات البشرية. وهو ما يصير مبررا لهجوم مؤدلجي أي دين، ومنهم مؤدلجو الدين الإسلامي، على الفلسفة، وعلى مدرسي الفلسفة، وعلى الفلاسفة، لارتكابهم جريمة إنتاج الفكر الفلسفي، ولدفعهم في اتجاه طرح السؤال، والاستغراق في البحث عن مقاربة أجوبته ،ولأن إعمال العقل الفلسفي في الواقع، يقود إلى مسالة الفكر الغيبي، وما يقتضيه من تخلف اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي، بسبب أن إنتاج الواقع من منطلق ديني / غيبي، يؤدي إلى تشويه الواقع ،تشويها يجعل تخلفه نتيجة لتحكم الدين فيه، من خلال مؤدلجيه، الذين يستغلونه استغلالا أيديولوجيا، وسياسيا.
وحقوق لإنسان، تدخل في إرادة الله، الذي جعل عباده غير متساويين، حسب النصوص الدينية، التي يستند إليها مؤدلجو الدين الإسلامي، من مثل: (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق)، ومن مثل: (للذكر مثل حظ الأنثيين)، عندما يتعلق الأمر بالإرث، ومن مثل: اعتبار كل ما يجري في الحياة بإرادة الله. وهو ما يترتب عنه نفي إرادة الإنسان، باعتباره عبدا، لا يملك حق التدخل فيما يقدره الله، حسب مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يعتمدون كل ذلك، للنيل من حقوق الإنسان، ومن المناضلين الحقوقيين، وخاصة إذا كانت هذه الحقوق بمرجعيتها الدولية: الكونية، والشمولية، التي يعتبرها مؤدلجو الدين بصفة عامة، ومؤدلجو الدين الإسلامي بصفة خاصة، مرجعية الكفار، والملحدين؛ لأنها تدفع إلى التدخل في أمر الله تعالى، باسم النضال الحقوقي، انطلاقا من المرجعية المذكورة.
فحقوق الإنسان، في منظور مؤدلجي الدين بصفة عامة، ومؤدلجي الدين الإسلامي بصفة خاصة، هي التي تكون بمرجعية دينية، وبإرادة الله، لا بإرادة البشر، خاصة، وأن حقوق الإنسان، تقر بمرجعيتها الدولية: الكونية، والشمولية، وتقول بحرية المعتقدات، التي يجب أن لا يسمح بها، حسب ما يذهب إليه مؤدلجو الدين الإسلامي.
وسواء تعلق المر بالفلسفة، أو بحقوق الإنسان، فإن هجوم مؤدلجي الدين الإسلامي على الفلسفة، وحقوق الإنسان، لوقوفهما وراء إعمال العقل، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، سواء كان ذلك الإعمال، من منطلق مادي، أو من منطلق مثالي، وهو إعمال، يفرض أن ما يجري في الواقع المادي، أو المثالي، هو من فعل الإنسان، ككائن مادي، أو كعقل مطلق.
خلاصة عامة:
وهكذا، نكون في مناقشتنا للفلسفة، وحقوق الإنسان، قد تناولنا الفلسفة كموضوع للدراسة، وحقوق الإنسان، التي لا تكون إلا محكومة بتصور فلسفي معين، واعتبار الفلسفة إطارا لطرح السؤال، بما فيه السؤال الحقوقي، واعتبار حقوق الإنسان إطارا للبحث عن الخروقات، وفي كيفية معالجتها، مما يترتب عنه الانتقال إلى طرح السؤال الفلسفي / الحقوقي، ووقفنا على العلاقة القائمة بين الفلسفة، وحقوق الإنسان، ذات الطبيعة الموضوعية، والجدلية، والمستقبلية، واعتبار الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، محكومة بخلفية فلسفية، تهدف إلى تحقيق وحدة الإنسان في هذا الكون، واعتبارنا علاقة الفلسفة بحقوق الإنسان، هي نفسها علاقة الفلسفة بالواقع، من منطلق أن حقوق الإنسان تستهدف تطوير الجانب الحقوقي في الواقع، في الوقت الذي نجد فيه أن ألفلسفة، ومن خلال طرح قائمة من الأسئلة، التي تستهدف مجمل الواقع، تعمل على تطوير مجمل مجالات الواقع، ووقفنا على أن الفلسفة، لا يمكن أن تقوم بدورها في الواقع، إلا بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وفرض احترام الكرامة الإنسانية. وهي شروط لا يمكن اعتبارها إلا مناخا حقوقيا، لانتعاش العمل الفلسفي، ووقفنا على الجهات التي تهاجم الفلسفة، من موقع اعتبارهم أوصياء على الدين الإسلامي، والتي تنسى ما ورد في سورة الإسراء: (ولقد كرمنا بني آدم)، من منطلق أن تكريم بني آدم، لا يمكن أن يكون إلا حقوقيا، ومن منطلق أن الله لا يمكن أن يخلق الإنسان بدون حقوق طبيعية، وبيئية، وإنسانية. وهجوم مؤدلجي الدين الإسلامي على الفلسفة، هو نفسه هجومهم على حقوق الإنسان. وهو هجوم لا علاقة له بالدين، بقدر ما له علاقة بالدفاع عن مصالح معينة، تصبح في نهاية المطاف، تكرسا لتخلف قائم، وموروث، ووقفنا على أنه إذا كانت الفلسفة، وحقوق الإنسان، تسعى إلى التقدم، فإن مهاجمة الفلسفة، وحقوق الإنسان، تسعى إلى تكريس التخلف باسم الدين بصفة عامة، وباسم الدين الإسلامي بصفة خاصة.
والواقع، أن ازدهار الفلسفة، وحقوق الإنسان، لا يتم إلا في واقع متقدم، ومتطور، وأن المحافظة على الواقع المتخلف، ومهاجمة الفلسفة، وحقوق الإنسان، لا تتمان إلا في واقع متخلف، وبما أننا نعاني من المحافظة، ومن مهاجمة الفلسفة، وحقوق الإنسان، من قبل مدعي المحافظة، ممن يؤدلجون الدين الإسلامي، ويتصدرون الكلام باسمه، فإن ذلك يعتبر دليلا، على أننا نعيش في واقع متخلف، وهو ما يفرض علينا طرح جملة من الأسئلة، التي يمكن اعتبارها فلسفية، من قبيل:
ماذا نريد نحن؟
هل نسعى إلى التقدم؟
هل نحرص على ازدهار الفلسفة، وحقوق الإنسان؟
هل نعمل على تحفيز طرح السؤال الفلسفي / الحقوقي؟
هل نبحث من أجل مقاربة الجواب على السؤال الفلسفي / الحقوقي؟
هل نريد التقدم، والتطور للمجتمع بازدهار الفلسفة، وحقوق الإنسان؟
هل نحافظ على تخلفنا، بالانحشار الذي يمارسه المضللون، من وراء مؤدلجي الدين الإسلامي؟
ألا ننتمي إلى هذا العالم الذي نعيش فيه؟
هل يمكن أن نبقى بعيدين عن التفاعل مع ما يجري فيه؟
ما هي مقومات التقدم الذاتية، التي نتوفر عليها، والتي تعفينا من الاحتكاك، والتفاعل مع ما يعرفه العالم من تحولات سريعة؟
وهذه الأسئلة، وغيرها، مما يمكن طرحه في هذا السياق، لا بد أن يصير البحث في مقاربة الأجوبة عليها، وسيلة: إما لتكريس تخلفنا، والاستغراق في ذلك التخلف، وإما للعمل على التماس سبل التقدم، والتطور، التي تقتضي منا طرح السؤال الفلسفي، والبحث في الجواب عن ذلك السؤال، واحترام حقوق الإنسان، وتفعيلها في الواقع، والتربية عليها.
ابن جرير في 28 / 3 / 2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.