"المعاناة"، هو أنسب عنوان لحياة المواطنين المغاربة الذين يقطنون في دور الصفيح، أو "الكاريانات"، كما يسميها المغاربة بالعامّية. على مرّ أيام السنة، يعيش هؤلاء المواطنون معاناة حقيقية، على جميع المستويات، لكن المعاناة تتضاعف أكثر، مع بداية فصل الشتاء، وهطول الأمطار. "هسبريس" زارت حيّين صفيحيين ووقفت على كيف يعيش الناس هناك... "الرّوينة صافي" الحيّان الصفيحيّان اللذان زرناهما يوجدان في مدينة سلا، وتحديدا في "حي الرزق" و "راس الما". حيّان صفيحيان صغيران، لكن أبواب "براريكهما" تخفي وراءها معاناة كثيرة. هنا أطفال وشباب كثيرون ورجال يجلسون أمام "البراريك"، لا شكّ أنّ هذه الأخيرة ضاقت بهم، لذلك يفضلون الخروج إلى الهواء الطلق، على البقاء محسبوسين بين جدران ضيّقة، بينما النساء والفتيات الصغيرات يصطففن أمام "السقايات" من أجل جلب الماء، أو لتصبين الملابس. بالقرب من إحدى "السقايات" يوجد صندوق حديدي للقمامة، وسط بركة مائية آسنة تنبعث منها رائحة كريهة. كيف يعيش الناس هنا عندما تهطل الأمطار؟ "الروينة صافي"، يجيب أحد سكان "الكاريان" على سؤال "هسبريس" باقتضاب، مضيفا "لست بحاجة لكي أشرح لك أكثر". حالة طوارئ معاناة سكان "الكاريانات" تمتدّ على طول فصول السنة، ففي الصيف تتحول "البراريك" التي يقطن بها هؤلاء السكان إلى ما يشبه أفران، بسبب الحرارة المفرطة، وفي فصل الشتاء تتحول إلى ما يشبه "ثلاجات" بسبب البرد القارس، وعندما تشرع الأمطار في الهطول تتضاعف المعاناة. أحد مواطني دور الصفيح الذي زارته "هسبريس" صباح اليوم الأربعاء، يبدو في ما يشبه "حالة طوارئ"، بعد ليلة ماطرة. المواطن صعد إلى سطح "براكته" وشرع في تثبيت قطع قصديرية بواسطة أحجار كبيرة وقطع آجور. "هذه القطع القصديرية لا تحمينا من المطر"، يقول أحد سكان الحي الصفيحي. مياه الأمطار هنا تشكل خطورة على الناس سواء عندما تسقط من السماء، أو عندما تسيل على الأرض، إذ يكفي أن يحدث فيضان صغير لكي تمتلئ "البراريك" عن آخرها بالماء. بؤس في كل مكان أزقة الحي الصفيحي الذي زرناه، عبارة عن ممرّات ضيقة للغاية، وأبواب البراريك مفتوحة وعليها ستائر بالية تخفي خلفها معاناة كثيرة. البؤس هنا يظهر في كل مكان، في إحدى "البراريك" المفتوحة على الشارع توجد جلود أضاحي العيد، وتتسرب من المكان دماء تختلط بمياه الأمطار المتجمعة على قارعة الطريق في مشهد مقزز، وعلى الطوار يصطفّ باعة الخضر، خضر غير ذي جودة عالية، تعبّر عن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية المزرية للسكان. هنا يوجد ضجيج كثير، في محلّ لبيع الأشرطة الموسيقية تنبعث موسيقى شعبية صاخبة، وفي إحدى الزوايا يتجمّع عدد من المراهقين والشباب، بعضهم يدخّن، وتصدر من بين شفاههم بين فينة وأخرى عبارات نابية. تأتي سيارة شرطة وتقف للحظات، يتحدث الشرطيان اللذان كانا بداخلها مع سيّدة للحظات ويمسحان المكان بعيونهما ثم ينصرفان. "باقي ما شدّوهش" يقول أحد الشبان لصديقه. لابدّ أن الشرطيين كان يبحثان عن شخص ما. براءة الطفولة عندما تزور الحيّ- وغيره من الحياء الصفيحية في مختلف مناطق البلاد- لا بد وأن تتأثر بمشاهد البؤس التي رأيتها، ولا بدّ أن تتأثر بمعاناة الناس مع حياتهم القاسية خلف جدران "البراريك" عندما يسردونها على مسامعك، لكنّ أكثر ما سيؤثّر فيك هو منظر الصبيان والصبيّات الصغار، الذين ينظرون إليك بنظرات بريئة، وبابتسامات تدلّ على أنهم لا يعرفون حجم معاناة "الكبار"، لكنهم سيدركونها يوما، عندما يكبرون، ويجدون أنفسهم مضطرين للنوم مع آبائهم وأمهاتهم في "غرف" ضيقة تفصل بينها ستائر ثوب رثة، تجعل كل واحد على اطلاع بحركات وسكنات الآخرين. معاناة لا أحد يعلم متى ستنتهي، خصوصا وأنّ برنامج القضاء على مدن الصفيح الذي رفعه توفيق احجيرة يوم كان وزيرا للسكنى والتعمير، والذي تمّ تحديد سنة 2012 كأجل لتحقيقه، لم تتحقق، حسب ما سبق أن صرّح به وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة الحالي، نبيل بنعبد الله، سوى 50 بالمائة من أهدافه، بينما 50 بالمائة المتبقية لن تتحقق، حسب كلام الوزير بنعبد الله دائما، إلا في حدود سنة 2020. وشوف تشوف واش غادي يتحقق هاد الحلم في التاريخ الذي حدّده الوزير، أم أنه سيظل معلقا، إلى أجل غير مسمى! عن الواحة 24