على غير عادتها، تبدو مقاهي طنجة خلال ساعات النهار في رمضان خالية وصامتة، كأن المدينة فقدت جزءاً من نبضها اليومي. في وسط المدينة وعلى طول الشوارع الرئيسية، تظل أبواب معظم هذه الفضاءات موصدة، والكراسي مقلوبة على الطاولات، فيما تتناثر لافتات تشير إلى عرض خاصة بوجبات الافطار. مشهد يتكرر كل عام مع حلول الشهر الفضيل، حيث يضطر أصحاب المقاهي إلى تعليق أنشطتهم مؤقتا، امتثالا للعادات المحلية وانخفاض الطلب. لكن هذا الهدوء لا يشمل جميع أرجاء المدينة. في المسارات السياحية، خصوصاً بالمدينة العتيقة والكورنيش، تستمر بعض المقاهي في تقديم خدماتها، مستفيدة من زبائن جلّهم من السياح الأجانب الذين يبحثون عن أماكن للاستراحة خلال جولاتهم. داخل أحد هذه الفضاءات، يجلس بيتر، سائح هولندي، أمام فنجان قهوة بينما يتأمل منظر البحر من خلف النافذة الزجاجية المطلة على كورنيش المدينة. يقول هذا السائح الستيني مبتسماً: "كنت أعلم أن رمضان يؤثر على إيقاع الحياة هنا، لكنني لم أتوقع أن تغلق معظم المقاهي نهاراً". في طنجة، التي عززت موقعها كإحدى الوجهات السياحية الرئيسية في المغرب، يواصل القطاع الفندقي تسجيل معدلات إشغال مرتفعة. ووفقا للمرصد الوطني للسياحة، بلغ عدد ليالي المبيت السياحية خلال عام 2024 أكثر من 1,77 مليون ليلة، بزيادة 9% مقارنة بالسنة السابقة، ما يجعلها رابع أكثر المدن استقطاباً للزوار بعد مراكش وأكادير والدار البيضاء. ومع ذلك، فإن هذا النشاط لا ينعكس على جميع الفضاءات التجارية، حيث يجد أصحاب المقاهي التي تعتمد على الزبائن المحليين أنفسهم أمام خيار إغلاق مؤقت، في ظل ندرة الطلب خلال ساعات النهار. "بالنسبة إلينا، الإغلاق ليس قراراً، بل أمر واقع"، يقول محمد، مستخدم في مقهى وسط المدينة، وهو يعيد ترتيب الطاولات استعداداً لفتح الابواب عند الافطار. ويوضح أن فتح المقهى نهاراً خلال رمضان "لا يكون مجدياً اقتصادياً"، حيث يقلّ الإقبال بشكل كبير. لكنه يشير إلى أن الوضع يختلف بالنسبة للمقاهي الواقعة في المناطق السياحية أو التي تستهدف زبائن أجانب، مضيفاً: "هؤلاء يواصلون العمل لأن لديهم قاعدة زبائن مختلفة، بينما نعتمد نحن بشكل شبه كامل على الرواد المحليين". ومع اقتراب موعد الإفطار، تبدأ المدينة في استعادة حيويتها تدريجيا. تزدحم الشوارع بالمارة، وتفتح المتاجر والمقاهي المغلقة أبوابها من جديد، استعداداً لذروة النشاط الليلي التي تعوّض ساعات الركود النهاري. عند مدخل المدينة العتيقة، يسحب أحد النُدُل الكراسي من فوق الطاولات استعداداً لاستقبال أول الزبائن، قبل أن يلتفت مبتسماً نحو زميله قائلاً: "نهار رمضان في طنجة هادئ، لكن الليل يحمل معه وجهاً آخر للمدينة".