تتجه مدينة طنجة، إلى معالجة واحدة من أبرز مظاهر الهشاشة الحضرية المرتبطة بالبنيات الصحية في الفضاءات العامة، وذلك من خلال صفقة جديدة تروم تجهيز مراحيض عمومية ذاتية التنظيف بعدد من المواقع الأساسية، في خطوة يُراد منها تقليص الفجوة المزمنة في هذا النوع من الخدمات. وتندرج الصفقة، التي تحمل رقم 26/ط.م/2025، ضمن التوجه المؤسساتي الرامي إلى تحسين شروط النظافة والصحة العمومية في المدينة، وتبلغ كلفتها التقديرية 15 مليونا و552 ألف درهم، مع تحديد مبلغ الضمان المؤقت في 280 ألف درهم. ورغم الطابع التقني للطلب، فإن خلفيات المشروع تحيل على أحد أعقد الملفات المرتبطة بجودة العيش في طنجة، حيث ظلّ غياب المراحيض العمومية وصمةً في تدبير الفضاءات الحضرية، لا سيما في المحاور السياحية وساحات الاستقطاب المرتبطة بالكورنيش، الحدائق الكبرى، المدينة العتيقة، والمرافق الإدارية والأسواق. وسبق للمدينة أن اختبرت خلال السنوات الماضية عدة نماذج "ذكية" للمراحيض العمومية، من خلال تجهيزات حديثة وواجهات معدنية مصمّمة بمواصفات متطورة، غير أن معظمها ظلّ خارج الخدمة فور الانتهاء من تركيبها، كما في حالات حديقة بوخالف، بلاص موزار، وساحة الرميلات. ولم تُرفق تلك المشاريع بأي بلاغ توضيحي بشأن أسباب التوقف، ما رسّخ لدى الرأي العام المحلي شعوراً بعدم الجدية في معالجة الإشكال. وتنص وثائق الصفقة الجارية على توفير تجهيزات ذاتية التنظيف، معزّزة بنظام تقني يسمح بالتشغيل الآلي وفق معايير النظافة والسلامة، غير أن غياب تصور استغلالي مفصل أو تفويض واضح للتسيير بعد الإنجاز، يفتح الباب مجدداً أمام التساؤلات القديمة حول من سيتولى التشغيل، ومن سيتكفل بالصيانة، وكيف سيتم تدبير علاقة المواطن بهذه الخدمة الحساسة. ولا تخلو الصفقة من رهانات رمزية، إذ تأتي في وقت تسعى فيه طنجة إلى تعزيز تموقعها كوجهة سياحية دائمة، ومركز استقطاب استثماري متنامٍ في شمال المملكة، ما يجعل من تعزيز البنيات الصحية الأساسية شرطا موازيا لمصداقية البرامج الحضرية. كما أن إطلاق الصفقة تزامن مع اتساع رقعة النقاش العمومي حول جودة المرافق العمومية، وارتباطها بالعدالة المجالية داخل تراب المدينة. ويعتبر فاعلون مدنيون أن أي تدخل في هذا المجال يجب ألا يكتفي بمنطق الإنجاز، بل أن يُرفق بمنظومة تواصل وتوجيه، تشمل علامات إرشادية، خدمات المساعدة، احترام شروط الولوج لذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل آليات الشكايات والتقييم الدوري للخدمة. وفي غياب كل ذلك، يظل المشروع الجديد مجرد تكرار لسيناريوهات سابقة، عجزت عن تقديم إجابات عملية على إشكالية عمرها عقود، رغم ما شهدته طنجة من أوراش مهيكلة واستثمارات ضخمة في محاور النقل، الإنارة، والتجهيزات الحضرية. وتُسائل صفقة المراحيض العمومية الحالية، بشكل مباشر، مدى قدرة المنظومة المحلية على التفاعل مع الحاجيات اليومية للمواطنين، بعيدا عن منطق الاستعراض، وبما يعكس فعلا إرادة حقيقية في إرساء خدمات حضرية تليق بمدينة بحجم طنجة، عرفت تحولات عمرانية متسارعة، لكن ظلت بعض أساسيات العيش الكريم، مثل المرافق الصحية العمومية، خارج أولوياتها.