في مدينة ارتبط اسمها تاريخيا بأسماء لامعة في الأدب العالمي، من محمد شكري الى جان جينيه، ومن بول بولز الى لورانس داريل، تحاول جماعة طنجة اليوم استعادة الدور الثقافي للمدينة عبر مبادرات مؤسساتية، في مقدمتها برنامج "ديوان الادب"، الذي يحاول اعادة وصل المدينة بذاتها الثقافية، وتحريك مياه مشهد يصفه العديد من المتابعين بالراكدة. ويسعى البرنامج الذي انطلق من داخل ديوان عمدة طنجة، الى تحويل هذا الفضاء الاداري الى منصة دائمة للانتاج والتلقي الثقافي، عبر برمجة لقاءات فكرية وامسيات ادبية وتكريمات لرموز محلية، فضلا عن احداث مكتبة متخصصة تحتضن مؤلفات حول طنجة ومن انتاج كتابها. وتعد هذه الخطوة الاولى من نوعها في تاريخ العمل الجماعي بالمدينة، من حيث الربط المباشر بين الشأن الثقافي والمؤسسة المنتخبة. وقال رئيس جماعة طنجة، منير ليموري، ان هذه المبادرة "تجسد التوجه العام الذي اعتمدناه منذ بداية الولاية، والذي يضع الثقافة في صلب التنمية المحلية". واعتبر في تصريحات لجريدة طنجة 24 الالكترونية ان "ديوان الادب ليس خطوة ظرفية، بل لبنة ضمن مشروع متكامل يعيد للثقافة مكانتها الرمزية والعملية داخل المدينة، ويعكس وعي المؤسسة الجماعية بضرورة الانصات للطاقات الابداعية المحلية". وقد جاءت المبادرة في سياق تراكم ملاحظات وانتقادات من داخل الاوساط الثقافية حول غياب سياسة واضحة في هذا المجال، وافتقار المدينة الى فضاءات مؤسساتية قادرة على احتضان المبادرات وتوفير الدعم والتاطير اللازمين. ورغم استمرار بعض المبادرات الفردية والجمعوية، الا ان الصورة العامة التي ترسخت في السنوات الاخيرة كانت اقرب الى الجمود منها الى الحيوية. ويرى متابعون ان "ديوان الادب" لا يقاس فقط ببرمجته الاولية، بل بفلسفته الجديدة في اعادة ادماج الثقافة ضمن الفعل العمومي، وربطها بتطلعات المواطنين، لا كترف رمزي بل كحاجة حضرية وتنموية. وهذا ما يؤكده العمدة منير ليموري، بقوله ان "فتح ديوان العمدة امام المبدعين هو رسالة واضحة بان الثقافة لم تعد مسألة هوامش، بل افق نريده ان يكون حاضرا في صميم العمل المؤسساتي". وفي خطوة تكاملية، اعلنت جماعة طنجة ايضا دخولها رسميا في مسار الترشح لنيل صفة "مدينة مبدعة في مجال الادب" ضمن شبكة اليونسكو للمدن المبدعة، وهو ترشيح تسعى من خلاله الى تثمين ارث المدينة الأدبي وطاقاتها المعاصرة، وفق تصور يعتبر ان الاعتراف الدولي لا يتحقق الا من خلال مراكمة الجهود الفعلية داخليا. وقد تم تتويج الانطلاقة الرمزية لهذا المسار بتنظيم لقاء ادبي داخل قصر البلدية، احتفاء بالباحث والمترجم الدكتور الحسين بنوهاشم، الحائز على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي. ويشكل اللقاء بحسب مسؤولي الجماعة، بداية سلسلة من الانشطة المنتظمة التي ستفعل ضمن هذا البرنامج. غير ان التحدي الحقيقي، بحسب متابعين، لا يتمثل فقط في اطلاق مبادرة ذات طابع ثقافي، بل في قدرتها على الاستمرارية، وتوسيع قاعدة الانخراط المجتمعي حولها، وتحقيق التوازن بين الطابع المؤسساتي والتعبيرات الثقافية الحرة. وفي هذا السياق، يشدد ليموري على ان "الرهان اليوم لا يكمن فقط في المبادرة، بل في جعلها حلقة ضمن رؤية شاملة، تضع طنجة في موقعها الذي تستحقه، كمجال ثقافي حي، ومركز للابداع المتجدد". وبين ماض ادبي ثري وحاضر يبحث عن معناه، يفتح "ديوان الادب" نافذة جديدة قد لا تكفي وحدها، لكنها تطرح السؤال الصحيح: كيف يمكن لمدينة ان تستعيد صوتها، اذا لم تنصت الى مثقفيها؟