ما إن يلامس الزائر تخوم المدخل الشمالي لأصيلة، حتى تتراءى له ملامح صيف متعثر. لكن المفارقة الأكبر تكمن في ما ينتظره على الشاطئ: أكوام من النفايات ومخلفات الردم تغطي أجزاء من الرمال، وتحوّل الفضاء البحري إلى مكب مفتوح. لا شارات تحذير، ولا تدخلات مرئية، فقط مشهد يتكرر نهارا جهارا أمام أنظار المصطافين. في الداخل، تتعمق المفارقة. الأزقة والأسواق والمقاهي تفتقر لحيويتها المعتادة، والوجوه القليلة التي تصادفها تنقل انطباعا واحدا: موسم صيفي باهت، بل أكثر من ذلك. الغلاء يطال كل شيء، والخدمات الأساسية لا تقابل هذا الارتفاع سوى بتراجع في الجودة. - إعلان - في أحد المقاهي ذات الواجهة الأنيقة عند المدخل، دخلت سائحتان تبدو ملامحهما ولهجتهما من منطقة الشرق الأوسط في نقاش حاد مع طاقم الخدمة، احتجاجا على رداءة الوجبة التي قُدمت لهما، والتي وصفتاها بأنها لا تمت بصلة لما هو معروض في الصور أو مذكور في قائمة الأسعار. احتدّ الموقف لبرهة، قبل أن تغادر السائحتان المكان بانزعاج واضح. مشهد لم يكن معزولا، بل يعكس شعورا متكررا لدى عدد من الزوار بأن واقع المدينة لا يرقى إلى ما يُروج له.السبب؟ وجبة لا ترقى إلى السعر ولا إلى الصورة المعلّقة فوق المدخل. وتعيش الشواطئ، التي شكلت لعقود متنفس المدينة وروحها الصيفية، بدورها على وقع التدهور. شاطئ المدينة، و"الطيقان"، و"للا رحمة"، تعاني جميعها من غياب النظافة، وتراكم الأزبال، واختلاط الاستجمام بما تلقيه شاحنات الأشغال العشوائية. الرمال فقدت وهجها، والبحر لم يعد كما كان. ويروي فاعل جمعوي كان يرافق جولة ميدانية: "حتى الزوار، وهم قلة، تفاجؤوا بمستوى الإهمال. البعض غادر في اليوم نفسه. الناس اعتادت من أصيلة وجها آخر، أكثر أناقة ونظافة واستقبالاً". على الممشى البحري، الذي التهمت إعادة تهيئته 18 مليون درهم، يخيّم الصمت. لا حركية، لا تنشيط، ولا إشارات حياة. فقط عربات مأكولات متناثرة هنا وهناك، وبعض الجائلين الذين يتحركون وسط فراغ واسع. الكورنيش، الذي كان إلى وقت قريب واجهة بحرية تختزل مزاج المدينة، يبدو اليوم شاحبا، بلا إيقاع. وفي محاولة لملء هذا الفراغ، أقيمت قرية ألعاب محدودة، إلى جانب معرض تجاري مؤقت. لكن طريقة تفويت هذا الفضاء طرحت أسئلة لم تلق أجوبة، بعدما أُثيرت تحفظات محلية بشأن غياب الشفافية وشبهات المحاباة. النقاش لا يتعلق بنشاط معزول، بل بمنطق تدبيري آخذ في فقدان التوازن. في الأحياء المجاورة، لا تبدو الأمور أفضل. النفايات تتراكم بوتيرة أسرع من شاحنات الجمع، والأسواق تعاني من الفوضى، والمرافق العمومية دون إشراف. بعض الشوارع لم تكتمل فيها الأشغال، بينما مظاهر الإهمال تسحب المدينة نحو صورة لا تشبه أرشيفها. هذا التحول لا يمكن فصله عن السياق الذي تعيشه الجماعة منذ وفاة محمد بن عيسى قبل ستة أشهر. الرجل الذي ارتبط اسمه بأصيلة لعقود، رحل تاركا مقعدا شاغرا رمزيا ومعنويا. وخلفه طارق غيلان، المستشار الجماعي المقيم المقيم في مدينة طنجة، دون أن يفلح حتى الآن في ملء ذلك الفراغ، لا تنظيميا ولا سياسيا. ويشتكي الفاعلون المحليون من صمت المجلس الجماعي، ومن غياب أي تواصل مؤسسي مع ما يجري على الأرض. "الناس لا تعرف من يتخذ القرار، ولا من يتحمل المسؤولية. الكل ينتظر، والمدينة تنزلق بهدوء"، يعلق أحد النشطاء. المفارقة أن أصيلة الثقافية لا تزال حاضرة في التظاهرات والمواسم الرسمية. فقبل أسابيع، استضافت المدينة الدورة الصيفية من موسمها الثقافي الدولي، بحضور شخصيات مرموقة من العالم العربي والإفريقي. لكن ما حدث داخل القاعات لم يترك أثرا في الشارع، ولا على الواجهة البحرية، ولا في الفضاءات المشتركة. هكذا، تنتهي أصيلة من صيف مختلف، يتحدث فيه الناس عن تراجع، لا في عدد الزوار فحسب، بل في صورة المدينة نفسها. لم يعد الأمر ظرفيا، بل بنيويا. وأصيلة، التي لطالما كانت استثناء في نمطها وخدماتها ونظافتها، تجد نفسها هذه السنة عادية جدا، وربما أقل من ذلك. المدينة التي اعتادت استقبال زوارها بألوانها البيضاء ونوافذها الزرقاء، فتحت هذا الصيف أبوابها على أسئلة مزعجة. والسؤال الأهم: من يعيد لأصيلة ما كانت عليه؟