فيما تخوض المصالح الأمنية بطنجة حربا يومية ضد مروجي المخدرات، تتعالى شكاوى سكان مجمع الحي الحسني لتقدم صورة سلبية عن ظاهرة تتسرب حتى إلى الأحياء السكنية المهيكلة. وتشير إفادات متطابقة استمعت إليها طنجة 24 إلى أن سكان هذا المجمع، الذي يقطنه أساسا أفراد من الطبقة المتوسطة، يلاحظون بين الحين والآخر ممارسات تقلقهم عند المدخل الرئيسي، ما يعمق شعورهم بالحاجة إلى حضور أمني دائم. وتشرح مصادر من الحي، أن هذه المشاهد لا تنسجم مع طبيعة الحي كفضاء منظم، يعود إلى تسعينات القرن الماضي، ويُعد من أقدم المجمعات السكنية المهيكلة في طنجة. ومع مرور العقود، ظل المجمع رمزا لاستقرار الطبقة الوسطى، قبل أن تتسلل إليه مظاهر جديدة لم تكن مألوفة في السابق. عند أحد مداخل مجمع الحي الحسني، حيث تتراءى في الأفق أوراش تأهيل ملعب طنجة الكبير في حي الزياتن المجاور، يبدو التناقض صارخا. رافعات ضخمة تشيد فضاء رياضيا من الطراز العالي، بينما على مرمى البصر يخشى السكان أن تتواصل أنشطة غير قانونية تهدد سكينة مجمعهم. غير أن استمرار الشكاوى لا يعني وجود فراغ أمني، بل يعكس صعوبة مواجهة ظاهرة متجذرة تجد دائما منافذ جديدة. فالأجهزة الأمنية بطنجة تخوض معركة يومية لمحاصرة المروجين، في وقت تظل مطالب السكان بالتعزيز الميداني قائمة. وتعكس المعطيات الأمنية يقظة متواصلة. فخلال أسابيع الصيف، نفذت مصالح الأمن سلسلة من التدخلات في أحياء مختلفة من طنجة، كان أبرزها في بني مكادة وبن كيران، حيث جرى توقيف عدد من المشتبه فيهم وحجز كميات من الشيرا والأقراص المهلوسة. وفي مطلع شتنبر، أسفرت عملية نوعية عن حجز 11 كيلوغراما من الشيرا على شكل صفائح معدة للتوزيع، مع توقيف شخصين يشتبه في تورطهما في الترويج. وقد أظهرت العملية أن سوق المخدرات بطنجة ما زال يوفر منافذ لتوزيع كميات لافتة من مختلف الممنوعات. بعد أيام قليلة، شهدت محطة القطار توقيف شاب بحوزته 330 قرصا مهلوسا كان يستعد لنقلها إلى وجهة أخرى. وخلال الفترة نفسها، تم الإعلان عن تدخلات متفرقة في المرس أشناد والزاوْدية، حُجزت خلالها أقراص إضافية وجرعات من الكوكايين، إلى جانب توقيف أشخاص يشتبه في نشاطهم في التوزيع. لكن بحسب مصدر أمني تحدث إلى طنجة 24، فإن هذه الوقائع "تظل مجرد أمثلة مما يُعلن للرأي العام." "فالتدخلات تجري بشكل يومي وتشمل أعدادا متفاوتة من الموقوفين، في سياق حرب متواصلة لا تهدأ." يؤكد نفس المصدر ذاته في إفاادته للجريدة وتترك هذه الصورة أثرا متباينا لدى السكان. فبينما يعبر البعض عن ارتياحهم لليقظة الأمنية، يؤكد آخرون أن المشاهد المتكررة عند المداخل تبقي على قلقهم. ومع ذلك، يشدد متابعون على أن ما يجري لا يرتبط بضعف أمني، وإنما بطبيعة ظاهرة متجذرة تجد دائما منافذ جديدة. طنجة إذن تقدم مشهدا مركبا: مدينة تتحول بسرعة بفعل مشاريعها التنموية، وأجهزة أمنية يقظة تلاحق المروجين بلا توقف، وسكان يتطلعون إلى أن تنعكس هذه الجهود على حياتهم اليومية بمزيد من الهدوء والطمأنينة. وبين هذه الأبعاد الثلاثة، تتجسد معركة مفتوحة، لا تعكس تناقضا بقدر ما تكشف صعوبة ربح حرب طويلة الأمد ضد تجارة الممنوعات.