وسط حركة المرور النشطة بشارع إنجلترا، يلفت انتباه العابرين مدار أعيد تنسيقه بعناية، تحيط به مساحات خضراء مشذبة، ونافورة مركزية تضفي على المكان لمسة جمالية متجددة. هكذا ظهرت ساحة وادي المخازن، المعروفة أكثر عند الطنجاويين باسم "عين قطيوط"، في حلتها الجديدة، ضمن دينامية تهيئة حضرية مستمرة تعرفها طنجة خلال الأشهر الأخيرة. فلم تعد الساحة مجرد نقطة دوران للمركبات. الأرضية المبلّطة بدقة، التشجير المتوازن، وتوزيع عناصر الجلوس والممرات، كلّها تعكس تصورا حضريا جديدا يجعل من المدار عنصرا وظيفيًا ومرئيا في آن. وقد اعادت التهيئة ترتيب العلاقة بين حركة السير والمحيط العمراني، وسمحت بإدماج الفضاء في نسق جمالي لا يُختزل في البنية الطرقية فقط. على أطراف الساحة، تظهر مصابيح إنارة موحّدة الطراز، وأحواض نباتية محددة بأحجار مقوّاة. فالنظام البصري الجديد ينسجم مع توجه المدينة نحو تحسين مداخل الأحياء والمدارات الكبرى، كما حصل في مواقع أخرى ساحة الامم وسور المعكازين وشارع مولاي رشيد. ومن الواضح أن ساحة وادي المخازن حظيت بنفس المعايير التقنية المعتمدة في هذه التهيئات. ويمنح الموقع الذي تتواجد فيه الساحة خصوصية عمرانية واضحة. فهي تتوسط محورا يربط قلب المدينة القديمة بشرايين أحياء عريقة مثل اسبريا ودرادب. وفي السياق الأوسع، تندرج هذه التهيئة ضمن برنامج شامل لإعادة الاعتبار للفضاءات المفتوحة بطنجة، ضمن خطة الجماعة للفترة 2022–2027. وتشمل هذه البرامج تحسين الإشارات الطرقية، إعادة إنعاش المساحات الخضراء، وإدماج عناصر التزيين الحضري في البنية الأساسية دون مساس بانسيابية التنقل. وتعمل الجهات المفوضة مثل "طنجة موبيليتي" على تنزيل هذه المشاريع بتنسيق مع المصالح التقنية للجماعة والولاية. في مدار عين قطيوط، تتعدد الاستخدامات الجديدة: راجلون يقطعون الساحة بثقة بعد تحديد الممرات، أسر تتوقف للراحة على المقاعد الجانبية، ومشاة يتأملون تدفق المياه وسط النافورة التي استعادت انتظامها. حتى الأشجار القديمة بدت وكأنها جزء من تصور بصري أوسع، بعد تنظيف الأغصان وتحديد قواعد الجذور. ويعكس التحوّل في شكل الساحة فلسفة جديدة في تدبير الفضاء العام، تقوم على تعزيز القيمة الجمالية والوظيفية لمواقع قائمة داخل النسيج الحضري، دون انتظار مشاريع كبرى أو تدخلات استثنائية. والملاحظ أن هذا التحوّل يتم وفق إيقاع هادئ، يُعيد الاعتبار لتفاصيل المكان، ويكرّس مبدأ الاستمرارية في العناية بمفاصل المدينة الحيوية. وتكرس ساحة وادي المخازن، بهذا الشكل الجديد، فكرة أن المدار الحضري لم يعد مجرد نقطة تنظيم مروري، بل فضاء قابل للتجميل، للتأمل، وللاستعمال المتعدد. وهي بذلك تندمج ضمن رؤية أوسع تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والمكان، في مدينة تتغير واجهتها شيئًا فشيئًا، دون أن تفقد ذاكرة شوارعها.