تستعد مدينة طنجة والمناطق المجاورة لها لطي صفحة استمرت لأكثر من عقد من الزمان في قطاع النقل الحضري، مع اقتراب موعد انطلاق خدمة "حافلات البوغاز" بحلتها المتجددة، في خطوة تمثل جزءاً من برنامج وطني طموح لتحديث النقل العمومي في المملكة. وتتخذ "عروس الشمال"، مظهرا جديدا مع ظهور لافتات باللون الأزرق الداكن وتجهيزات حديثة على مداخل مستودعات الصيانة، في إشارة إلى بدء المرحلة الجديدة التي يُنتظر أن تشمل أسطولا يتكون من 476 حافلة جديدة، وهو عدد أكبر مما تم تداوله سابقا، وسيُدخل تدريجيا لخدمة سكان طنجة وأصيلة والنواحي. ويأتي هذا التحول بعد انتهاء عقد التدبير المفوض الذي كانت تضطلع به شركة إسبانية، وهي مرحلة لم تكن دائماً محل رضا السكان الذين تضاعف عددُهم واتسع مجالهم الحضري، ما أدى إلى تزايد الشكاوى من ضعف مواكبة الخدمة للتحولات الحضرية للمدينة. "البوغاز": استحضار للذاكرة ورهان على الجودة وفي مفارقة وجدانية، تقرر العودة إلى تسمية "البوغاز"، وهي التسمية التي تُحيل على حافلات قديمة كانت تجوب شوارع طنجة في الثمانينيات والتسعينيات. ويؤكد هذا الخيار، الذي يتجاوز مجرد التسمية، رغبة في القطيعة مع تجربة لم تنجح في بناء الثقة، والمراهنة على نموذج محلي أكثر التصاقاً بالذاكرة الجماعية للمدينة. ويُدار مشروع تجديد أسطول النقل الحضري والشبه الحضري في طنجة بميزانية تصل إلى 1.12 مليار درهم ، بتمويل مشترك بين الجماعات الترابية ومجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة، وتحت إشراف مؤسسة التعاون بين الجماعات "البوغاز" وشركة التنمية المحلية "طنجة موبيليتي" التي تتولى الإشراف التقني على المشروع. غير أن التحول لا يقتصر على إعادة التسمية واللون، بل يشمل أيضا تحديثا جذريا للمركبات. فمن المنتظر أن تكون طنجة من بين أولى المدن المغربية التي تستقبل أسطولا من حافلات "Yutong" الصينية، وهي علامة عالمية رائدة في إنتاج الحافلات، خاصة الكهربائية، وتتمتع بحضور واسع في أكثر من مئة دولة. ويضم الأسطول المُقتنى خمس فئات من الحافلات بأطوال تتراوح بين 8 و18 متراً، وهي مزودة بمحركات ديزل بمعايير بيئية متقدمة (Euro V) وبأرضيات منخفضة (Low Floor وLow Entry) تضمن سهولة الولوج، بالإضافة إلى تجهيزها بتكنولوجيا متقدمة تشمل أنظمة ذكية للتذاكر والمساعدة على الاستغلال وإخبار الركاب (Saiev). ويُبرز هذا الاختيار التزام المدينة بالاستدامة البيئية، فضلاً عن الارتقاء بالسلامة والجودة، بما يتماشى مع المعايير الدولية. التنافس مستمر والموعد 2026 فيما يخص التدبير، فقد انحصر التنافس على الفوز بصفقة التدبير المفوض الجديدة بين شركتين: "ستيام المغرب" و"ألزا" الإسبانية. وتعكس هذه المفارقة استمرار وجود الفاعل الإسباني السابق في المشهد، رغم الانتقال المرتقب إلى نموذج تدبير محلي مفوض. وتشير المعطيات الرسمية إلى أن التشغيل الرسمي الكامل للأسطول مبرمج في فاتح يناير 2026، مع احتمال تشغيل جزئي قبله يواكب وصول الحافلات وتجهيز مساراتها، في إطار خطة مرنة لتأمين استمرارية الخدمة. ويمثل هذا المشروع جزءا من برنامج وطني أوسع لوزارة الداخلية ، يهدف إلى تجديد أسطول النقل الحضري على مستوى المملكة، بتكلفة إجمالية تناهز 11 مليار درهم، واقتناء نحو 3800 حافلة، بما يضمن استفادة 29 مدينة وتجمعاً عمرانيا في الشطر الأول. ويقع على عاتق "حافلات البوغاز" اليوم تحدي برهان ليس فقط جودة المركبة، بل في استعادة ثقة المواطنين، وتقديم خدمة تليق بمدينة عصرية بوزن طنجة الاقتصادي والحضري المتنامي.