حذر تقرير رسمي صادر عن وزارة الاقتصاد والمالية من دخول المغرب مرحلة ديموغرافية جديدة تتسم بتسارع وتيرة الشيخوخة وتقلص حجم الأسر، وهو تحول عميق يحمل انعكاسات اجتماعية واقتصادية مباشرة، خاصة على النساء اللواتي يتحملن الجزء الأكبر من مسؤوليات الرعاية غير المدفوعة. وجاء في تقرير الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع لسنة 2026، المرفق بمشروع قانون مالية السنة المقبلة، أن المملكة تشهد انخفاضا مستمرا في معدل الخصوبة الذي بلغ 1,97 طفل لكل امرأة سنة 2024، أي أقل من عتبة تعويض الأجيال. كما تقلص متوسط حجم الأسرة من 4,6 أفراد سنة 2014 إلى 3,9 سنة 2024، في حين ارتفعت نسبة الأسر الصغيرة إلى 31,7 في المائة. ويشير التقرير إلى أن هذا التحول يعكس انتقالا مجتمعيا من نمط الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، وما يرافق ذلك من تراجع التضامن الأسري التقليدي الذي كان يضمن رعاية الأطفال والمسنين داخل البيت. بحسب المعطيات الرسمية، ارتفعت نسبة السكان الذين تفوق أعمارهم 60 سنة من 9,4 في المائة سنة 2014 إلى 13,8 في المائة سنة 2024، مع توقعات ببلوغها 23,2 في المائة سنة 2050، أي ما يعادل أكثر من عشرة ملايين شخص. وفي المقابل، تراجعت نسبة الفئة النشيطة من 62,4 إلى 59,7 في المائة، ما يرفع معدل الإعالة والضغط على القوى العاملة. وارتفع مؤشر الشيخوخة من 33 شخصا مسنا لكل 100 طفل سنة 2014 إلى 52 شخصا سنة 2024، ومن المرتقب أن يصل إلى 129 شخصا بحلول 2050. يرى التقرير أن النساء يتحملن عبئا مضاعفا نتيجة هذه التحولات، إذ يمثلن 84 في المائة من العمل المنزلي والرعاية غير المدفوعة، مقابل 16 في المائة فقط للرجال. كما تعتبر 63 في المائة من النساء غير النشيطات أن مسؤوليات الرعاية المنزلية السبب الرئيسي في بقائهن خارج سوق الشغل، بينما تؤكد 54 في المائة أن غياب مؤسسات رعاية الأطفال يمنعهن من الالتحاق بالعمل. وأشار التقرير إلى أن تقلص حجم الأسر وارتفاع عدد المسنين يزيد الضغط على النساء بين مسؤولية تربية الأطفال ورعاية كبار السن، وهو ما يؤثر على فرص تعليمهن وتشغيلهن، إذ لم تتجاوز نسبة مشاركتهن في سوق العمل المهيكل 19,1 في المائة سنة 2024. أوصى التقرير بإعادة تعريف "اقتصاد الرعاية" بوصفه قطاعا واعدا يمكن أن يتحول من عبء اجتماعي إلى رافعة اقتصادية، موضحا أن الاستثمار فيه يسهم في خلق فرص شغل جديدة وتحقيق المساواة الاقتصادية بين الجنسين. ووفق منظمة العمل الدولية، فإن كل دولار يُستثمر في قطاع الرعاية يمكن أن يولد ثلاثة دولارات من النمو، كما يمكن أن يرفع معدل تشغيل النساء عالميا بعشر نقاط مئوية بحلول عام 2035. أكد التقرير أن تعميم التعليم الأولي يعد من ركائز دعم اقتصاد الرعاية وتمكين النساء، إذ ارتفعت نسبة التمدرس في هذا السلك إلى 78,7 في المائة سنة 2023 مقابل 33 في المائة سنة 2007، وتشكل النساء 91 في المائة من العاملين فيه. وتشير دراسة مشتركة بين وزارة المالية وهيئة الأممالمتحدة للمرأة إلى أن تعميم التعليم الأولي يمكن أن يخلق أكثر من 51 ألف فرصة عمل، 90 في المائة منها لصالح النساء. كما سلط التقرير الضوء على ما يسمى ب"الاقتصاد الفضي"، وهو قطاع موجه لخدمة كبار السن، يضم مجالات الصحة والسكن والنقل والترفيه والتكنولوجيا. وتشير توقعات وزارة المالية إلى أن هذا القطاع قد ينمو بنسبة 7 في المائة سنويا ليصل إلى 640 مليار درهم بحلول عام 2050، أي ما يعادل 13 في المائة من الناتج الداخلي الخام. واعتبر التقرير أن تطوير اقتصاد الرعاية والاقتصاد الفضي يتطلب رؤية وطنية موحدة، تنسق بين القطاعين العام والخاص، وتؤسس لنظام مستدام يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، مع الحفاظ على قيم التضامن الأسري التقليدي وتحديثها بما يتلاءم مع التحولات المجتمعية.