يتطلع إقليم الفحص–أنجرة إلى تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية التي راكمها خلال العقدين الأخيرين، في سياق تنموي يطبعه التفاوت بين مؤهلات استراتيجية كبرى ومستوى عيش غير متكافئ في الوسط القروي. ورغم احتضان الإقليم لواجهة استثمارية نشطة ترتبط بميناء طنجة المتوسط والمشاريع المهيكلة المحيطة به، لا تزال مؤشرات التنمية الاجتماعية في عدد من جماعاته القروية والجبلية دون المعدلات الوطنية، سواء على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية أو على مستوى البنيات التحتية الأساسية. وتنعكس هذه الهوة في استمرار العزلة، وتباين نسب الولوج إلى المرافق العمومية، واتساع دائرة الهشاشة في محيط المشاريع الكبرى. وتؤكد معطيات رسمية أن قرابة 40% من ساكنة الفحص–أنجرة تعيش في جماعات جبلية ذات كثافة سكانية ضعيفة، مما يزيد كلفة إيصال الخدمات الأساسية إليها، ويقلص من فعالية تدخلات القطاعات العمومية. كما تسجّل بعض الجماعات معدلات أمية تتجاوز 35%، في ظل ضعف مؤشرات التمدرس والانقطاع المبكر عن الدراسة، خاصة في سلكي الإعدادي والثانوي، حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط. وبحسب تقارير برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، فإن جماعات مثل قصر المجاز، قصر الصغير، تغرامت، تعاني من خصاص كبير في الربط بشبكات الماء الصالح للشرب والتطهير السائل، إلى جانب صعوبات في تغطية الخريطة الصحية وتوفير النقل المدرسي بشكل منتظم، رغم المجهودات المبذولة على مستوى جهة طنجة–تطوان–الحسيمة منذ سنة 2017. في هذا السياق، قال عامل الإقليم محمد خلفاوي، خلال لقاء تشاوري خصص لإطلاق مسار إعداد برنامج التنمية الترابية، إن المرحلة تقتضي "بلورة مشاريع مندمجة ومتكاملة تعكس الحاجيات الحقيقية للسكان"، مشيرا إلى أن البرنامج الجديد يجب أن يستند إلى "معطيات ميدانية دقيقة، ووفق حكامة مرنة وشفافة". واعتبر خلفاوي أن اللحظة الحالية "مرحلة مفصلية في بناء مغرب الغد"، داعيًا إلى مقاربة تراعي العدالة المجالية وتُفعل ثقافة الإنصات. وحدّد المسؤول الترابي ثلاثة مبادئ لتأطير هذه الدينامية: ضمان استمرارية المكتسبات، الإنصات للساكنة، والأخذ بعين الاعتبار لحاجيات التنمية المستدامة، مشددًا على أن المواطن يظل في صلب كل سياسة عمومية، انسجامًا مع التوجيهات الملكية. كما أكد رئيس قسم الجماعات المحلية، مامون الفاسي، أن اللقاء يأتي في سياق تعبئة جماعية، ويُعد "فرصة لتقاسم الرؤية الملكية مع الفاعلين والمتدخلين المحليين"، وفتح المجال أمام مكونات النسيج الاقتصادي والاجتماعي للتعبير عن انتظاراتها من البرنامج الجديد. وبينما يستفيد الإقليم من مداخيل مالية مهمة ناتجة عن النشاط المينائي والصناعي، فإن إعادة توجيه جزء من هذه الموارد نحو الاستثمار الاجتماعي تبقى مطلبا متكررا، وسط دعوات لتفعيل آليات التوزيع العادل للأثر الاقتصادي وضمان التقائية البرامج التنموية. وقد أشار عدد من الفاعلين المحليين في مناسبات سابقة إلى ضرورة تعويض ساكنة المناطق المتضررة من مشاريع التثمين العقاري والمشاريع اللوجستية الكبرى بخدمات عمومية ذات جودة وفرص تشغيل حقيقية. ويُرتقب أن تُفضي المشاورات الجارية إلى بلورة تصور تنموي يعيد التوازن بين الاستثمارات الكبرى والمجال القروي، ويُحدث تحولًا في آليات التخطيط الترابي، بما يُمكّن الفاعلين المحليين من أدوات فعلية لتقليص التفاوتات، والانتقال من منطق المرفق المؤقت إلى خدمة عمومية مستدامة.