لا يقتصر حضور المدرب الإسباني الجديد لاتحاد طنجة، بيبي ميل، على المستطيل الأخضر، بل يمتد إلى مجال الأدب، حيث راكم منذ أكثر من عقد أعمالا روائية لافتة في المشهد الثقافي الإسباني، جعلته واحدا من الأسماء النادرة التي تجمع بين التدريب الاحترافي لكرة القدم والكتابة الأدبية. وأصدر ميل أولى رواياته سنة 2011 بعنوان "El Mentiroso"، وهي عمل تشويقي يمزج بين التاريخ والدين والسياسة، ينطلق من مخطوطات يعثر عليها قرب البحر الميت، لتنفتح القصة على مطاردات عابرة للحدود تمتد من مصر إلى الفاتيكان، في حبكة تقوم على فكرة هز المسلمات الدينية والتاريخية عبر وثائق مثيرة للجدل، حيث صدرت الرواية في طبعة ورقية موسعة تجاوزت 590 صفحة. وفي سنة 2013، واصل الكاتب الإسباني استثماره في هذا المسار السردي عبر رواية "El camino al más allá"، التي تعود إلى عالم الآثار المصرية والمتاحف العالمية وشبكات المصالح الدولية، وتربط بين الإرهاب والسياسة والرياضة في حبكة واحدة، مستثمرة شخصية "فيرونيكا لوغرافت" في مغامرة تعود بها إلى القاهرة وسط توترات أمنية ودهاليز فاتيكانية معقدة. أما سنة 2016، فقد قدم عملاً مختلفا عنوانه "La prueba"، اقترب فيه أكثر من عالم الكرة، عبر قصة شاب مهووس بكرة القدم يسعى لانتزاع فرصة احتراف حقيقية، حيث تعد الرواية أقرب إلى سيرة مبطنة تعكس تصور الكاتب لتكوين اللاعب، ليس تقنيا فقط، بل أخلاقيا وإنسانيا، مدعومة بخبرة ميل كلاعب سابق ومدرب محترف. وفي منعطف تاريخي مختلف، أصدر ميل رواية "La llave sefardí" سنة 2018، وفيها يعود إلى مأساة طرد اليهود من إسبانيا سنة 1492، ويجعل من مفتاح كنيس بطليطلة رمزا للذاكرة المفقودة والحنين إلى "سفارد"، حيث تتنقل الرواية بين محطات تاريخية ثقيلة، من محاكم التفتيش إلى الهولوكوست، ومن مدريد في عصر فيلاثكيث إلى القدس المعاصرة، في سردية تزاوج بين التاريخ والدراما والبحث في الهوية. وفي 2022، اتجه إلى الرواية البوليسية ذات الخلفية التاريخية عبر "Los asesinatos de la xana"، التي تدور أحداثها خلال ثورة عمال المناجم في أستورياس سنة 1934، وتجمع بين الجريمة والأسطورة الشعبية والنزاع الطبقي، حيث يصبح "الكويليبره" المخلوق الأسطوري المحلي مفتاحا لجرائم غامضة تهز الإقليم وسط فوضى سياسية واجتماعية غير مسبوقة. وآخر أعماله إلى حدود صيف 2024، رواية "El despertar del diablo"، التي تعود إلى أجواء ما قبل الحرب الأهلية الإسبانية، كاشفةً قضايا الاختفاء القسري للأطفال وشبكات النفوذ السياسي في مدريد الثلاثينيات، مع حضور شخصيات تاريخية حقيقية مثل كلارا كامبوامور وخوسيه ماريا خيل روبلس، في عمل يزاوج بين التوثيق والتخييل السياسي. وتظهر مسيرة بيبي ميل في الكتابة ميلا واضحا إلى الرواية التاريخية المشحونة بالأسئلة السياسية والدينية، إلى جانب اهتمام خاص بعالم الجريمة والغموض، واستثمار ذكائه السردي في بناء حبكات طويلة ومعقدة، كما لا تخفي أعماله حضوره كفاعل اجتماعي وسياسي، يعكس عبر الرواية قراءته للتاريخ الإسباني بأبعاده الإنسانية المأزومة. وبين الدكة الفنية وصفحات الرواية، يبدو أن مدرب اتحاد طنجة الجديد لا يدخل التجربة المغربية باعتباره تقنيا فقط، بل شخصية متعددة الأبعاد، تحمل معها ثقافة سردية ورؤية فكرية نادرة في عالم التدريب، عنوانها أن كرة القدم بالنسبة إليه ليست مجرد نتائج، بل جزء من سردية إنسانية أوسع.