تستنفر السلطات الصحية في شمال المملكة إمكاناتها اللوجستية والبشرية لمواجهة التحديات المناخية لفصل الشتاء، حيث تستفيد أربعة أقاليم جبلية بجهة طنجةتطوانالحسيمة من عملية "رعاية 2025-2026" التي تهدف لفك العزلة الطبية عن المناطق النائية. وتكتسي هذه العملية التي تنطلق بتعليمات سامية من الملك محمد السادس، أهمية خاصة في جهة تتميز بتضاريسها الوعرة ومناخها القاسي شتاء، إذ تأتي التدخلات في سياق جديد يتسم بإعادة هيكلة العرض الصحي التي شهدتها المملكة خلال سنة 2025. وتعتمد المنظومة الجهوية حاليا على شبكة واسعة تضم 335 مؤسسة صحية، منها 26 مستشفى و318 مركزا للرعاية الأساسية، ما يوفر قاعدة خلفية صلبة لدعم فرق التدخل المتنقلة. وفي إقليمشفشاون، الذي يعد من أكثر المناطق عرضة لموجات البرد القارس، ترتكز الخطة الصحية على دروس المواسم السابقة. فبعد أن سجلت السلطات الموسم الماضي تأثر ما يناهز 24 ألف نسمة في 40 دوارا معزولا، تم هذا العام تعزيز التنسيق بين الفرق الطبية وفرق إزاحة الثلوج التي شغلت 25 آلية لفتح المسالك. وتهدف السلطات من خلال هذا التنسيق إلى ضمان وصول القوافل الطبية إلى القرى التي تحاصرها الثلوج، لتكرار وتجاوز حصيلة التدخلات السابقة التي شملت 3600 مستفيد. ولا يقتصر التحدي على الثلوج فحسب، ففي إقليمالعرائش، تواجه الأطقم الطبية تحدي الانقطاعات الطرقية الناجمة عن التساقطات المطرية الغزيرة. ولتجاوز هذه العقبة، تعتمد المديرية الجهوية للصحة استراتيجية استباقية تقوم على توجيه الوحدات الطبية المتنقلة إلى النقاط السوداء بالجماعات القروية قبل اشتداد الأحوال الجوية، مدعومة بتنسيق ميداني مع مصالح التجهيز لضمان استمرارية "شريان الحياة" نحو المرافق الأساسية. وتأخذ الحملة في إقليموزان بعدا اجتماعيا وديموغرافيا خاصا، حيث كشفت بيانات التعداد العام للسكان لعام 2024 عن تراجع ديموغرافية الوسط القروي بنسبة 0.9 بالمئة سنويا، وهو ما يعكس نزيف الهجرة الذي يترك خلفه ساكنة أغلبها من المسنين. وهذا الواقع يفرض على المنظومة الصحية تكييف خدمات القرب لتستجيب لأمراض الشيخوخة والهشاشة الصحية التي تتفاقم مع موجات البرد. ويستفيد إقليمالحسيمة من تراكم الاستثمارات العمومية، حيث تجري عملية "رعاية" هذا الموسم بالاستناد إلى بنيات تحتية تعززت بفضل برنامج تقليص الفوارق المجالية. وقد مكن هذا البرنامج، الذي رصدت له ميزانية تفوق 1,05 مليار درهم وشمل 177 مشروعا، من تحسين المسالك الطرقية وشبكات الماء والصحة في الجماعات الجبلية، مما يسهل مأمورية القوافل الطبية وسيارات الإسعاف في الوصول إلى الحالات المستعجلة. وإجمالا، تعتمد العملية في الأقاليم الأربعة على تعبئة ضخمة للموارد البشرية تشمل 2817 مهنيا صحيا، وتستهدف تنفيذ 3528 زيارة عبر الوحدات المتنقلة و183 قافلة طبية متخصصة، في سباق مع الزمن يمتد حتى 30 مارس 2026 لتأمين شتاء آمن لساكنة الجبال.